بعد أشهر من "المعارك" الانتخابية التي ترافقت مع حماوة الحروب الاسرائيليّة المستعرة في قطاع غزّة ولبنان، فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب ليصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأميركية بعدما تخطى عتبة الـ270 صوتاً في المجمع الانتخابي مقابل 226 لمنافسته الديمقراطية كامالا هاريس التي اتصلت به لتهنئته معترفة بخسارتها مع وعود "بعدم الكف عن المحاولة".
وقد شكلت النتائج دليلاً قاطعاً على فشل الديمقراطيين في محاكاة الناخب الأميركي الذي استطاع ترامب جذبه خاصة في الولايات المتأرجحة عبر تركيزه على القضايا الداخلية وتحسين الأوضاع المعيشية ومؤشرات الاقتصاد كما وعوده بإنهاء الحروب وإحلال السلام. في وقت سارع رؤساء وزعماء العالم الى تقديم التهاني مع الاعلان عن مرحلة جديدة سترافق الرئيس المُنتخب للسنوات الأربعة المقبلة.
وكان من أول المهنئين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدد من وزراء حكومته من اليمين المتطرف، الذين أبدوا سعادتهم العارمة بإعادة انتخابه رئيساً لأميركا والتطلع نحو تعزيز التعاون والتحالف وهزيمة "محور الشر"، وهو الكلام نفسه الذي تمحورت حوله "المحادثة الدافئة والودية" التي جرت بين ترامب ونتنياهو بُعيد الفوز، حيث ناقشا "التهديد الإيراني وضرورة العمل معاً من أجل أمن إسرائيل"، وفق ما أعلن مكتب الأخير.
وعليه، ينتظر العالم المواقف التي سيتخذها دونالد ترامب لإخماد نيران الحروب المشتعلة (كما وعد) وسط تساؤلات عن مصير القضية الفلسطينية وطبيعة العلاقة مع ايران وصولاً الى الحرب الاسرائيليّة المستمرة في لبنان. وفي خضم هذه العناوين الشديدة الحماوة والتعقيد، يراقب الاتحاد الأوروبي، بدوره، بعين حذرة تداعيات هذا الفوز بناء على التجربة السابقة مع ترامب، والتي اتسمت بانتقاداته القوية لحلف شمال الأطلسي ورؤيته المتأرجحة للحرب الروسية على أوكرانيا وموقفه من تغيّر المناخ.
والى حين استلام ترامب منصبه رسمياً في كانون الثاني/ يناير المقبل، تستمر حالة المراوحة والجمود السياسي في لبنان على وقع المجازر الإسرائيليّة والتدمير الممنهج للقرى والبلدات وآخرها في بلدة ميس الجبل الحدودية. وكان الاحتلال قد كثّف من غاراته الدموية على مناطق واسعة في مدينة بعلبك والبلدات التابعة لها قضائيًّا. وبلغت الحصيلة الأوليّة لعدّد الضحايا 40 شهيداً و53 جريحاً في 20 غارة على المحافظة.
وللمرّة الأولى حلق منطاد إسرائيليّ، مترافقًا مع حركة ناشطة للمسيّرات في منطقة البقاع. كما أغار العدو الإسرائيلي على طريق "قلد السبع" الحدودي مع سوريا في جرود الهرمل، وذلك ضمن سلسلة استهدافاته للمعابر الشرعية وغير الشرعية التي تربط بين لبنان وسوريا بهدف فصل الجغرافيا اللبنانية عن السورية والتي باتت أشبه بحصار بري، معللاً ذلك بوقف خط إمداد الحزب بالأسلحة والتي تشكل دمشق عمقه الأساسي.
وبعد تحذيرات بالإخلاء أطلقها الجيش الإسرائيليّ، استهدفت سلسلة غاراتٍ عنيفة مدينة النبطية التي أصبحت أشبه بمدينة أشباح مع تعمّد الإحتلال قصفها بشكل يومي. إضافة الى عودة الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت بعد هدوء حذر دام أيام معدودة، فضلًا عن استهداف منطقة الأوزاعي ليلًا ما أسفر عن حركة نزوح كبيرة من المنطقة باتجاه المناطق المجاورة.
وتجدد القصف على الضاحية بالتزامن مع انطلاق كلمة أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم الذي قال إن "حزب الله" لا يعول "على الحراك السياسي العام ولا على أنّ نتنياهو اكتفى ببعض المكتسبات"، فالكلمة الفصل "للميدان". وأضاف: "نحن لا نبني على الانتخابات الأميركية سواء نجحت كامالا هاريس أو نجح دونالد ترامب...هذا ليس له قيمة بالنسبة لنا". ويعكس كلام قاسم استمرار "حزب الله" بحربه حتى النهاية متكلاً على نتائج الميدان، التي برأيه ستكون البوصلة والميزان في أي جلسة مفاوضات مستقبلية، خصوصًا وأنه أكد تعويله والحزب على "الاستشهاديين" عند الحدود الجنوبية.
وترافق ذلك مع تصعيد الحزب لعملياته القتاليّة وتحديدًا باستهدافه تلّ أبيب، للمرة الثانية في يومٍ واحد، حيث أفادت وسائل إعلام إسرائيليّة، عن إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان في اتجاه عدة مواقع إسرائيليّة. كما رُصد سقوط قذيفة قرب مطار "بن غوريون" الأمر الذي أعاق حركة الطيران من وإلى المطار.
وفي سياقٍ منفصل، قال قائد الحرس الثوريّ الإيرانيّ حسين سلامي، وفقاً لما نقلته وكالة "تسنيم" للأنباء، إنه "رغم الخسائر والأحداث المؤلمة، أُعيد بناء "حزب الله" بشكل إعجازي مقابل هذه الضربات الشديدة والمتتالية، وتمكن الآن من الوقوف بشجاعة وثبات" في مواجهة إسرائيل. من جهته، أكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي "أن الجيش يجب أن يستعد لتوسيع الهجوم البري ضد "حزب الله" في لبنان"، كما نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
الى ذلك، تستمر تداعيات خطوة نتنياهو بإقالة وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت، حيث تجددت التظاهرات المستنكرة والرافضة. بالتوازي عقد زعماء المعارضة، مؤتمراً صحافياً مشتركاً في القدس، اتهموا فيه نتنياهو بوضع مصالحه السياسية فوق مصالح البلاد. وأعرب رئيس الوزراء السابق يائير لبيد عن غضبه قائلاُ: "كان أمامه (أي نتنياهو) فرصة الاختيار بين العار والحرب، واختار العار".
وفي إطار متصل، تتفاعل قضية حظر وكالة "الأونروا" رسمياً، حيث دعا المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني العالم إلى وقف "العواقب الكارثية" على ملايين الأشخاص العالقين في الحرب في غزّة، نتيجة لهذا القرار. فيما أوضح المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن شمال "قطاع غزّة يخضع للحصار الإسرائيلي منذ نحو شهر"، وأضاف أن "المدنيين الفلسطينيين يموتون من الجوع بينما العالم يراقب".
وسلطت الصحف العربية الصادرة اليوم الضوء على نتائج الانتخابات الأميركية وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط بعد وصول ترامب:
أشارت صحيفة "الخليج" الإماراتية إلى أنه "في مطلق الأحوال لن تبقى الولايات المتحدة كما هي، سوف تتغير بالتأكيد في عهد ترامب الثاني باتجاه لم تتحدد معالمه بعد"، لافتة إلى أن "تفاؤل البعض بدور إيجابي لترامب في وقف الحرب الإسرائيليّة قد يكون مبالغاً فيه، لأنه لم يتخل عن دعم إسرائيل وسياساتها خارج البيت الأبيض وداخله".
وتطرقت صحيفة "الوطن" القطرية الى تداعيات انتخاب ترامب على الشرق الأوسط، إذ اعتبرت أن "فوزه قد يعني مزيدًا من الضغوطات على إيران وربما محاولات لإعادة التفاوض على اتفاق بشروط أكثر صرامة، كما استمرار تعزيز علاقاته مع دول الخليج العربي ومواصلة سياسة الضغط المالي على الفلسطينيين بهدف إجبارهم على القبول بشروط إسرائيليّة". وخلصت إلى نتيجة مفادها "إن فوز ترامب سيؤدي إلى زيادة التوترات في الشرق الأوسط وتثبيت مواقف معارضة لمصالح الفلسطينيين".
بدورها، اعتبرت صحيفة "الوطن" البحرينية أن "عودة ترامب ستكون بمثابة تهديد كبير للميليشيات الإرهابية المدعومة من إيران، حيث إن سياساته السابقة تسعى بشكل واضح للحد من نفوذ طهران وإضعاف أذرعها في المنطقة، مثل "حزب الله" والحوثيين، مما يجعل عودته خبراً مؤلماً لهذه الجماعات"، موضحة أن "هناك من يختلف مع ترامب في طريقة خطابه المباشر وأسلوبه الصارم، ولكنهم يعترفون بنجاحه في التعامل مع الملفات الأمنية الحساسة بفعالية".
وفي تحليل لصحيفة "عكاظ" السعودية، فإن "السبب ليس بالضرورة براعة البرنامج الانتخابي لترامب رغم ملامسته لقضايا جوهرية للداخل الأمريكي من أهمها الاقتصاد، ولكن بشكل أهم كان السبب الكبير ضعف البرنامج الديموقراطي الذي قدمته هاريس". وتابعت الصحيفة: "لم يكن هناك برنامج قادر على منافسة برنامج ترمب يجعل المفاضلة بينهما صعبة ودقيقة، وأيضاً لم تكن هناك مقارنة بين كاريزما هاريس مقابل ترامب".
أما صحيفة "الدستور" الأردنية، فعلقت على فوز ترامب وإقالة غالانت قائلة "قد نكون على أعتاب حرب أهلية قادمة قد تعيد خلط الأوراق، أو على أقل تقدير تؤدي إلى هجرة جماعية من الكيان وتركه للمتطرفين، مما قد يدفع ترامب للتضحية بنتنياهو والبحث عن شخص أقل تطرفا"، وأضافت "نحن أمام بدايات جديدة، أكثر وضوحاً من ذي قبل. فالكيان لم يعد يُصوَّر كواحة ديمقراطية، بل بات مجتمعاً متطرفاً يصعب الدفاع عنه".
الى ذلك، نوهت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "الأولوية الأولى لترامب هي الاقتصاد، وبالتالي فإن قراراته سيحكمها دائما تحقيق القوة للاقتصاد الأمريكي.. وبديهي أن ضمان تدفق إمدادات النفط إلى شرايين الاقتصاد الأمريكي هو الغاية الأهم لترامب"، لتصل الى نتيجة مفادها "يدرك ترامب أن الشرق الأوسط لا يمكن تركه فريسة للفراغ، وإلا لزادت احتمالات تهديد المصالح الأمريكية، وكذلك زادت قدرات التنظيمات الإرهابية على العمل، وهو ما لن يكون في مصلحة الأمن القومي الأمريكي أساسا".
(رصد "عروبة 22")