فيض القتل والخراب الهائل الذي تراكمت وقائعه الإجرامية على مدى هذه السنة، أفضى ضمن ما أفضى إلى اكتشاف الانسان العربي كيف هو بائس جدًا وأنّ بؤسه أعمق وأوسع كثيرًا مما كان يظن، آية ذلك أنّ دوله على كثرتها (22 دولة) اكتفت في الحد الأقصى، بالفرجة على مهرجان الإبادة والتدمير في فلسطين ثم لبنان، من دون أن تفعل شيئًا من أي نوع، بل أن بعضها لاذ بصمت القبور وكأن ما يجري ليس في قلب الأمّة، وانما في مجرة بعيدة تسبح في الفضاء الواسع.
كما تجاهل الكل حقيقة أنّ الكيان الصهيوني لو حقق أهدافه الخبيثة سواء في فلسطين أو لبنان، فإنّ توحشه التوسعي وخطره، وكما يدلنا تاريخه فضلًا عن تصريحات قادته المجرمين، لن يتوقفا هناك وإنما سيندفع بالقوة الطائشة الغاشمة نفسها تجاه أقطار وأصقاع عربية أخرى ليفرض كامل هيمنته على الأمّة والإقليم بأثره ويحقق الهدف الأساسي من تخليقه ألا وهو أن يكون الشرطي والحارس للمصالح والمطامع الإمبريالية في المنطقة.
الحقيقة المرّة أنّ المواطن العربي يتنفس بالكاد في مجتمعات غارقة في الاستبداد والفساد والقمع والتأخر والبؤس
نحو 10 في المائة من الفلسطينيين العرب في غزّة استشهدوا أو جرحوا حتى الآن في تلك المحرقة الصهيونية الرهيبة، ومع ذلك يبدو أنّ الخبر لم يصل بعد إلى سمع وبصر النظام العربي الرسمي، وربما لن يصل أبدا.
لقد فجرت هذه المحرقة، في عقل ووجدان المواطن العربي البسيط شعورًا بالغ القسوة هو خليط من حزن وعار عجز وقنوط، كما جسدت أمام عينيه الحقيقة المرّة التي يكابد الحياة تحت ظلالها الثقيلة، وهي أنه يتنفس بالكاد في مجتمعات غارقة في الاستبداد والفساد والقمع والتأخر والبؤس بشتى صوره وأشكاله وعلى كل الصعد.
إنّ مشهد أمّة العرب البائس الظاهر حاليًا، يغص بمفارقات ومتناقضات صارخة تصنع ملامحه المفرطة في القبح والكآبة، من نوع مثلًا: أنّ أربع من دوله على الأقل، تتربع حاليًا على رأس قائمة أكثر دول العالم سخاء في شراء واستيراد أحدث الأسلحة وأقواها. وهي كلها أسلحة يتم تخزينها وتكديسها في المخازن بغير استخدام حتى يأكلها الصدأ، أما إن حدث واستُخدم بعضها فإنها غالبًا ما تتحوّل لبنادق ومدافع وصواريخ (بل وطائرات أيضًا) عمياء لا تتوجه نيرانها أبدًا صوب الأعداء وإنما هي تُصوب غالبًا إلى صدور الأشقاء!!
نستحوذ على نسبة تقارب 10 في المائة من إجمالي المبتلين بالأمية الهجائية في كل بلدان الدنيا
ومفارقة أخرى نختارها من بين زحام المفارقات المحزنة التي تسبح مظاهرها على سطح وطننا العربي الكبير، ألا وهي مفارقة أنه فيما يمثل سكان هذا الوطن نحو 7 في المائة من سكان الكوكب فإنّ مشاركة الاقتصادات العربية مجتمعة في الاقتصاد العالمي لا تتعدى نسبة 3 في المائة.
ومع ذلك فإنّ أمّتنا تستطيع أن تباهي أمم الدنيا جميعًا بتفوقها الساحق في تفشي الأمية بين مواطني أقطارها، إذ إنّ ربع المواطنين العرب محرومون من التعليم أساسًا، ومن ثم هم مجردون من أبسط مهاراته وأكثرها يسرًا، فهُم لا يعرفون سبيلًا للقراءة والكتابة، لذلك نحن العرب نستحوذ باقتدار وعن جدارة على نسبة تقارب 10 في المائة من إجمالي المبتلين بالأمية الهجائية في كل بلدان الدنيا!!.
أمّة هذا حالها، هل يكون غريبًا ومدهشًا جدًا، أن يبرز من بين ظهرانيها نفر يستنكرون علنًا وبغير أدنى احتشام فعل مقاومة عدو عنصري متفوق في الوحشية والإجرام، ويدعوننا للكف عن أية محاولة لإيذائه وإقلاق راحته بينما هو جاسم فوق أراضينا المغتصبة؟!.
(خاص "عروبة 22")