"لا جديد" هو عنوان المرحلة الانتقالية لحين تسلم الرئيس المُنتخب دونالد ترامب مقاليد الحكم والبدء بإتخاذ مواقف فعلية لترجمة الأقوال إلى أفعال، لاسيما في ما يتعلق بالحروب الدائرة في أوكرانيا والمنطقة العربية، والمخاوف من توسعها لتشمل دول آخرى ولاسيما إيران، التي تراقب بحذر ما ستكون عليه المرحلة المقبلة مع رئيسٍ يرفض مبدأ "المهادنة" ويدعو أكثر الى "تقليم أظافر طهران وقطع أذرعها". ورغم كثرة تصريحات ترامب عن السلام المنشود والسعي لإخماد الحروب، إلا أن ذلك دونه الكثير من العقبات والتحديات كما المطامع والمكاسب التي ستسعى الدول المفاوضة والراعية، وعلى رأسها اسرائيل، للمطالبة بها ضمن أي اتفاق لوقف النار.
والى حين بروز أي معطيات جدية لدفع حركة المفاوضات قدماً، يبقى الوضع على حاله حيث يتكرر المشهد اليومي في لبنان وغزّة مع وقوع المزيد من الضحايا والجرحى من المدنيين العُزل إلى جانب الدمار الهائل الذي يخلف وراءه أطناناً من الركام واستمرار استهداف الاحتلال الاسرائيلي للمسعفين والطواقم الطبية والإغاثية. فواقع الحرب متشابهٌ الى حدّ كبير مع تعمّد العدو تدمير أكبر قدر ممكن من الأبنية السكنية ونسف أحياء برمتها وتحذير سكانها بعد تهجيرهم من العودة إلى قراهم وبلداتهم.
ومع تفاقم الأوضاع ودخول حرب غزّة يومها الـ401 دون أن يكون هناك بوادر حلحلة أو تسوية ما، بل على العكس، فقد ضجت المواقع بأخبار عن إنسحاب قطر من ملف المفاوضات وإنذارها لقيادات حركة "حماس" الموجودين على أرضها بالمغادرة، وهو الأمر الذي نفاه المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية القطرية ماجد بن محمد الأنصاري الذي أكد "أن التقارير المتداولة حول الانسحاب ليست دقيقة"، ولكنه اعترف ضمنياً بأن "قطر علقت جهودها في الوساطة حالياً، وأنها ستستأنف تلك الجهود مع الشركاء عند توافر الجدية اللازمة لإنهاء الحرب الوحشية ومعاناة المدنيين المستمرة".
من جهته، قال مصدر مسؤول في حركة "حماس" لـ"الشرق الأوسط" إن الحركة أُحيطت علماً بوجود طلب أميركي وضغوط متصاعدة بشأن إخراجها من قطر، لكن الحكومة القطرية لم تطلب أي شيء من قادة الحركة. وأضاف المصدر: "تكرر هذا الأمر مرات عدة (في السابق)، ويبدو أن هذا نوع من الضغوط الأميركية من أجل إجبار الحركة على التنازل في مفاوضات وقف النار" المتعثرة في غزّة.
وأمام إنسداد الحلول السياسية وتفاقم الأوضاع الإنسانية في غزّة، دعمت "منظمة الصحة العالمية"، أمس السبت، تقرير "لجنة مراجعة المجاعة" من أن "احتمال حدوث المجاعة وشيك وكبير"، قائلة إن هذا الواقع "مثير للقلق الشديد". وفي هذا الإطار، أشارت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إلى أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن وجّه رسالة "حادة" لنظيره الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس ومفادها "أن تل أبيب تعرّض للخطر عملية إمدادها بالسلاح إذا لم تبادر بزيادة المساعدات الى القطاع".
يُشار إلى أن عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى حركة "حماس" جددت مطالبتها، على وقع المظاهرات التي نظمتها في حيفا ومدن أخرى، بإبرام صفقة تبادل فوراً، متهمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعرقلة إطلاق سراحهم ورفض وقف الحرب "لاعتبارات سياسية". فيما أكد رئيس الأركان أن "التوصل إلى صفقة تبادل مُعقد"، وأضاف "نحن لا نتوقف ولا نبطىء وتيرة عملياتنا لإعادة المختطفين".
وفي الشأن اللبناني، يتوجه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى المملكة العربية السعودية تلبية لدعوة للمشاركة في أعمال القمة العربية - الإسلامية الاثنين المقبل، والتي يتصدر العدوان الاسرائيلي على غزّة ولبنان وما يخلّفه من مجازر ودمار، عنوانها الرئيسي. ويسعى ميقاتي عبر المشاركة الى طلب "الدعم والعون" للبنان مع استمرار الحرب والتداعيات الجسيمة التي تُصيب الإقتصاد. ويأتي ذلك على وقع عودة الأحاديث عن زيارةٍ مرتقبة للمبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت وفق مساعي للتوصل الى تسوية قبل مغادرة الرئيس الأميركي جو بايدن البيت الأبيض.
وضمن هذا السيّاق، قالت القناة الـ12 الإسرائيلية "إن إسرائيل تدرس إمكانية وقف إطلاق النار بالجبهة الشمالية مع لبنان لتجنب أي قرار من مجلس الأمن الدولي ضدها"، مشيرة إلى أن إدارة "بايدن تمارس ضغوطاً شديدة على إسرائيل لإنهاء القتال على الجبهة الجنوبية". من جهتها، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مسؤول سياسي إسرائيلي أن هناك تقدماً ملموساً في المحادثات بخصوص الجبهة الشمالية. وأضاف "إن الحديث يدور حول اتفاق جيد جداً لإسرائيل يلبي مصالحها بشكل أمثل".
هذا وذكرت القناة 13 الإسرائيليّة أن الجيش الإسرائيليّ يقترب من إعلان انتهاء العمليّة البريّة في لبنان، لافتة إلى أن التقديرات تُشير بأن أكثر من 90٪ من العمليات البريّة قد انتهت. وتترافق هذه المعطيات والمؤشرات مع استمرار العدوان الإسرائيلي بإرتكاب المجازر، حيث كان لبعلبك وصور الحصة الأكبر منها مع مواصلة الاشتباكات عند محاور التوغل البري في القرى الحدودية الامامية في الجنوب، حيث يتصدى عناصر "حزب الله" للقوات الإسرائيليّة التي باتت تعمد الى نسف القرى والبلدات بأكملها ضمن سياسة "الأرض المحروقة".
أما "حزب الله" فقد كثّف من استهدافه للعمق الاسرائيلي، وأكد، في بيانات متتالية، أنه هاجم للمرة الأولى قاعدة "عين خوزلوت" جنوبي بحيرة طبريا وقصف قواعد عسكرية في حيفا وجنوب تل أبيب والجليل الأعلى وتجمعات لجنود إسرائيليين في مراكز متعددة موقعاً إصابات مباشرة.
وعلى المقلب الآخر، أوضح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن بلاده "لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية"، واصفاً الأخبار عن تورط إيران في محاولة لاغتيال ترامب بأنها "كوميديا من الدرجة الثالثة".
وضمن جولة على الصحف العربية الصادرة اليوم والتي ركزت بغالبيتها على سياسات الإدارة الاميركية بعد وصول ترامب وماهية الخيارات التي سيتخذها في منطقة الشرق الأوسط، حيث:
أشارت صحيفة "الخليج" الإماراتية إلى "أن ترامب لن يغير ثوابت أمريكا وقناعاته المنحازة إلى إسرائيل، ولكن هذه الحرب كبّدت أمريكا مليارات الدولارات وشوهت صورتها عالمياً وكي تعود أمريكا "عظيمة" حسب شعار الرئيس المُنتخب، لن يتحقق ذلك بإنفاق أموال دافعي الضرائب فيها على مزيد من التدمير لغزّة ولبنان وغيرهما"، لافتة إلى أن "ترامب يدرك ذلك ولذا تعهد في "خطاب النصر" بوضع حدّ للحروب في جميع أنحاء العالم والسعي لتحقيق السلام والاستقرار العالميين".
أما صحيفة "عكاظ" السعودية، فأكدت أن "معظم ما يحدث بالمنطقة (العربية) من نزاعات وحروب، وحروب بالوكالة، ما هي إلا من المعارك الدائرة ضمن الحرب الشعواء في ما بين القوى الدولية، والإقليمية، وتنافسها على موارد المنطقة وإمكاناتها". وقالت: "هي الموارد التي يسيل لها لعاب القوى العظمى والكبرى. وهذا العدوان، أو التسلط، عبر التدخل في الشؤون الداخلية لمعظم دول المنطقة، يمكن أن يُرى بالعين المجردة، وأحياناً لا بد من "مايكروسكوب" مكبر لرؤيته".
من جهتها، رأت صحيفة "الوطن" البحرينية أن "سياسة ترامب في المنطقة العربية لا تزال غير متوقعة، فهو رجل صفقات وقد يسعى لإبرام اتفاقات قد تبدو متناقضة"، كما اعتبرت أنه "ليس "حمامة سلام"، إذ يمكنه اتخاذ قرارات صعبة كما فعل سابقاً في القدس والجولان، ولهذا يجب علينا الاستعداد لمواجهة سياسات قد تحمل تبعات طويلة الأمد، خاصة فيما يتعلّق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وملفات أخرى ساخنة".
وتطرقت صحيفة "الراية" القطرية، في مقال، الى عودة ترامب الى البيت الأبيض وتداعياتها "حيث ليس بوسعنا أن نتوقعَ من ترامب أو أي سياسي أمريكي آخر حلًّا جذريًّا لقضية غزّة أو غيرها من الأزمات العالمية؛ فأمريكا نفسها باتت هي المشكلة". وأضافت: "فالحقيقة أن بعض الأزمات الحالية قد تجد طرقها للحل من تلقاء نفسها لو توقفت أمريكا عن الدعم التام لإسرائيل أو رفعت يدها عن إثارة التوترات في أوكرانيا"، على حدّ قولها.
وكتبت صحيفة "الأهرام" المصرية "المؤكد أن نتنياهو سيحاول استغلال الفترة الحالية لخلق واقع جديد يفرضه على ترامب عندما يتبوأ مقعده بالبيت الأبيض. وهذا يعني التحرك على كل الجبهات المفتوحة وأولها غزّة باستكمال عمليات الإبادة ونفس الأمر سيفعله مع لبنان لإنشاء منطقة آمنة بالجنوب ما يعني تكثيف الضربات لـ"حزب الله"، لتخلص إلى نتيجة مفادها أن "إسرائيل ستحاول خلق ظروف وأوضاع قبل مجيء ترامب تتيح لها بمساعدته ودعمه رسم الخريطة الجديدة للشرق الأوسط التي وعد بها نتنياهو في بداية الحرب".
وسلطت صحيفة "القدس العربي" الضوء على التحديات والأسئلة الإضافية التي يطرحها مجيء ترامب إلى السلطة، "والتي تزيد في العبء السابق الموروث من عهد الإدارة الديمقراطية بالنسبة لشعوب فلسطين ولبنان، ومستقبل الكيانات السياسية، تجعل هذين الشعبين في عين العاصفة، فلا يعود السؤال ماذا سوف يفعل ترامب، وحده مطروحاً، بل كذلك ما الذي على القوى التي تقود اليوم، الدولة والمجتمع والجميع، أن يفعلوه، للتعامل مع كل هذه القضايا، أو تتجنّب كما يقول السياسيون، أن تسود الفوضى أو الحروب".
ووفق صحيفة "الدستور" الأردنية، فإن "المصالح ستظل، لدى نظام ملالي التقية الإيراني، فوق وقبل المبادئ"، منبهة أن "عودة ترامب تمثل خسارة استراتيجية يُمنى بها ملالي إيران، الذين سيتراجع مشروعهم الإمبراطوري الفارسي التوسعي وينكفئ، مثلما سيصبح مشروعهم النووي وبالًا عليهم وجلابًا للقاصفات".
(رصد "عروبة 22")