تتسارع وتيرة الإتصالات والمحادثات العربية والدولية، وتتجه الأنظار إلى القمة العربية الإسلامية في الرياض لتلمّس بصيص أمل بموقف عربي إسلامي مقرون بخطوات عملية ملموسة لوقف حمام الدم الإسرائيلي في المنطقة، بينما لا تشي تطورات المعارك الميدانية بقرب التوصل لإتفاق جدي لوقف النار في غزةّ ولبنان. فالمشاهد المتداولة من مخيم جباليا تؤكد تطبيق "خطة الجنرالات" ضمنياً مع تطهير عرقي ودمار هائل وحصار مشدّد يمنع دخول الغذاء والمساعدات، أما في لبنان فمجازر الإحتلال المتنقلة وتوسيع رقعة البلدات المستهدفة والتوقيع على توسيع العملية البرية عوامل تؤكد أننا لا نزال في المخاض الأول.
فتسريبات إسرائيل الإعلامية عن "نواياها" إرساء إتفاق في لبنان، وفق شروط سبق وتم رفضها، يهدف إلى رمي الكرة في ملعب الطرف الآخر وإتهامه بعرقلة المفاوضات والتسويات بما يبيحُ للاحتلال الاستمرار بحربه المفتوحة دون أي أفق واضحة. وبات من المعروف أن تل أبيب تضع شرطاً رئيسياً يقضي بحرية التحرك في لبنان قصفاً أو تدخلاً برياً متى رأت الحاجة إلى ذلك، أي تكرار المشهد السوري، وهو أمرٌ لا يمكن للبنان القبول به لأنه يطلق يد إسرائيل ويعطيها "الضوء الأخضر" و"الغطاء" لاستكمال الأعمال الاجرامية تحت ستار "محاربة حزب الله والقضاء على ترسانته".
وأمام هذا الشرط المُعرقل تقف المفاوضات دون تقدم رغم كل الأجواء التي ينشرها الإعلام العبري. فسيناريو مفاوضات القاهرة أو الدوحة يتكرر في لبنان لجهة إيجاد "مطلب" يتمسك به رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لتفجير المفاوضات وتفخيخها، و"لازمة" معبر فيلادلفيا تتكرر في لبنان ولكنها تتجلى بمنح تل أبيب إذن "حصري" لاستباحة أرضه وسيادته كلما ارتأت ذلك.
وضمن هذا السيّاق، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنّ إسرائيل والولايات المتحدة ولبنان تبادلوا مسودة اتفاق لوقف النار، مشيرة إلى أنّ "هناك تقدماً كبيراً في المحادثات". وتحدثت عن أنّ "الرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب يريدان إنهاء الحرب في لبنان قبل التنصيب في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل". وبموازاة ذلك، أفادت "هيئة البث الإسرائيليّة"، بأن رئيس الأركان هرتسي هاليفي صادق على خطط جديدة تتعلق بتعميق العملية العسكرية على الجبهة الشمالية.
وتأتي هذه التصريحات المتداولة لتواكب التطورات على المستوى السياسي، إذ خطفت زيارة وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر إلى واشنطن الأضواء، خاصة أنها أتت بعد زيارة"سرية" قام بها إلى روسيا لبحث سبل التوصل الى تسوية في غزّة ولبنان. وكان بيان صادر عن مكتب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ذكر أنه سيجتمع مع الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، يوم غد الثلاثاء، لبحث الأزمتين.
وفي الإطار عينه، برزت اللقاءات التي قام بها رئيس هيئة أركان الجيش السعودي، الفريق الأول فياض الرويلي مع مسؤولين إيرانيين في طهران يوم أمس الأحد، وذلك في إطار زيارة "نادرة" لضابط عسكري سعودي كبير إلى إيران. وبحسب ما أعلنت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا)، فإن "تطوير الدبلوماسية الدفاعية وتوسيع التعاون الثنائي من بين المواضيع الرئيسية لهذا الاجتماع".
وبظل محاولة طهران فتح قنوات تواصل مع السعودية وتخفيف من الضغوط الممارسة عليها، أجرى الرئيس الايراني مسعود بزكشيان اتصالاً هاتفياً بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث أشاد بمبادرة الرياض عقد قمة متابعة عربية إسلامية مع استمرار العدوان الإسرائيلي، متمنياً لها النجاح والتوفيق. يُذكر أن قادة الدول العربية والإسلامية بدأوا بالتوافد إلى السعودية استعداداً لقمّة تُعقد اليوم الإثنين، لمناقشة الحرب في غزّة ولبنان والمستجدات في المنطقة، وفق ما أفادت وكالة الأنباء السعودية.
وفي التطورات أيضاً، اعترف نتنياهو، لأول مرة، بتنفيذ إسرائيل عملية تفجير أجهزة "البيجر" في لبنان في أيلول/ سبتمبر الماضي، موضحاً أنه تواصل مع الرئيس الاميركي المُنتخب دونالد ترامب 3 مرات خلال الأيام القليلة الماضية، بـ"هدف تعزيز التحالف القوي بين إسرائيل والولايات المتحدة". بالتزامن، توالت الغارات الإسرائيليّة العنيفة، إذ سُجلت حصيلة غير نهائية للمجزرة في بلدة علمات في جبيل، والتي تم استهدافها للمرة الأولى، حيث ناهزت الـ30 شهيداً بينهم 7 أطفال وأشلاء وعدد كبير من الجرحى. وفي قضاء صور، سقط 14 شهيداً، بينهم 7 مسعفين.
وتزنز جرائم الاحتلال القرى والبلدات اللبنانية مع استهداف بات شبه يومي على خطوط الامداد التي تربط بين لبنان وسوريا، إلى جانب استهداف عناصر "حزب الله" في دمشق وتصفيتهم، تماماً كما حصل في منطقة السيدة زينب الواقعة جنوب دمشق حيث أوقعت غارة إسرائيلية 9 قتلى على الأقل، بينهم مسؤول ملف الجولان علي موسى دقدوق و القيادي في الحزب سليم عياش (المتهم المدان من المحكمة الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري)، وذلك وفق ما نقلته وسائل اعلام إسرائيليّة دون تأكيد أو نفي من قبل"حزب الله" حتى الساعة.
وبينما يتابع "حزب الله" قصف المستوطنات الشمالية والقواعد العسكرية ويهدد عودة سكان الشمال إلى منازلهم، اعتبر وزير الأمن الإسرائيلي الجديد، يسرائيل كاتس، أن اسرائيل هزمت "حزب الله". وقال إن "تل أبيب تسعى في المرحلة المقبلة لمواصلة الضغط لتحقيق ثمار النصر من خلال تغيير الوضع الأمني في لبنان"، على حدّ قوله.
وفي سياق ذي صلة، وسّعت القوات الاسرائيليّة عمليتها العسكرية في شمال قطاع غزّة، حيث جددت قصفها الجنوني والعشوائي لمخيم جباليا وبيت لاهيا، في خضم حصار خانق يزيد من وطأة المجاعة التي حذرت وكالات أممية من مخاطرها وتداعياتها. وكان أكثر من 60 فلسطينياً بينهم حوالي 40 إستشهدوا في ضربة واحدة مع محاولة الاحتلال دفع من تبقى من الأهالي إلى المغادرة.
وعليه، تمحورت عناوين الصحف العربية الصادرة اليوم حول:
أشارت صحيفة "الأهرام" المصرية إلى أن "إسرائيل تسعى إلى كسب المزيد من الوقت من أجل تنفيذ الأجندة التي يتبناها نتنياهو والائتلاف اليميني الذي يقود الحكومة الحالية"، موضحة أن "هذه الأجندة هي التي تدفع إلى تنفيذ المزيد من العمليات العسكرية داخل قطاع غزّة، كما استمرارها في لبنان، والتي تهدد بدورها بنشوب أزمة إنسانية لا تبدو هينة. فضلاً عن أنها تُحفِّز إسرائيل على محاولة توسيع نطاق الحرب الحالية لتشمل دولاً أخرى في المنطقة، مثل إيران".
من جهتها، رسمت صحيفة "الدستور" الأردنية سيناريوهات لمرحلة تسلم الرئيس المُنتخب دونالد ترامب مقاليد الحكم لتصل الى نتيجة أساسية ومفادها "أهمية التحرك الاستباقي ووضع تصور عربي لطرحه على الإدارة الأمريكية، قبل أن تتبنى توجهاً بشكل منفرد، وقبل كل ذلك على الفلسطينيين إيجاد صيغة للتفاهم ونبذ خلافاتهم لمواجهة السيناريوهات المقبلة، ودون ذلك ستُفرض عليهم صيغ تضع تطلعاتهم نحو دولة فلسطينية مستقلة في مهب الريح".
أما صحيفة "الراي" الكويتية، فشددت على أن "الخطوط الحمر التي لم يكن ممكناً لإسرائيل تَجاوُزها في لبنان إبان ولاية بايدن لجهة التوسع في العمليات خارج مناطق "حزب الله" أو "بنك الأهداف" المرتبط به، ستصبح أشدّ مع ترامب الذي يقيم على وعد بإنهاء الحرب في أسرع وقت، ولا تنتهي بأنّ موسكو التي "ترتاح" لعودة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض قد "تأخذ" في حرب أوكرانيا، وإن ضمن حدود، قابلة لأن "تعطي" في ملف حرب لبنان انطلاقاً من علاقتها مع إيران والقدرة التي أثبتتها منذ "طوفان الأقصى" على تحييد النظام السوري".
وعن قمة الرياض، كتبت صحيفة "القدس العربي" "ما تواجهه القمة العربية ـ الإسلامية اليوم، "هو أخطر بكثير مما واجهته القمة الأولى، وهو ما يجعل أعضاء المنظمتين، والدول الإسلامية والعربية الوازنة فيهما، أمام تحديات وجودية خطيرة"، معتبرة أن هذه التحرّكات، وجولات اللجنة الوزارية قبلها، لا تتناسب مع حجم الصدوع الدولية واحتمالات الطوفان الكبير الذي يمكن أن يغرق المنطقة، وهي احتمالات ستضطر الدول العربية والإسلامية الوازنة في معادلات الاشتباك الراهنة أن تنظر إلى أبعد من مصالحها الآنية".
بدورها، رأت صحيفة "عُمان" العمانية أن "القوة الأمريكية لن تكون الوسيلة الرئيسية في عملية إضعاف إيران لكنها ستكون العقوبات الاقتصادية والحصار النفطي ودعم المعارضين لتفكيك النظام من الداخل". وتابعت: "الموضوع النووي الإيراني كذلك -على الأغلب- لن يكون حله عسكريًا لأنه يتطلب مشاركة أمريكية مباشرة لا تتفق مع أفكار ترامب الانعزالية الراغبة في عدم التورط في حروب جديدة".
الى ذلك، تحدثت صحيفة "الاتحاد" الإماراتية عن الصراع بين "حزب الله" وإسرائيل "الذي يبقى معقداً بسبب الأبعاد العسكرية والسياسية والاجتماعية المتشابكة. فبينما يمتلك كل طرف نقاط قوة وضعف، يواجه كل منهما تحديات كبيرة تتطلب استراتيجيات مرنة وتكيّفاً مستمراً مع الواقع المتغير". وقالت: "ومع استمرار هذا الصراع، يبقى الوضع الإنساني المتدهور والتحديات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان وإسرائيل من أهم العوامل التي تضغط على الطرفين للوصول إلى حل سياسي يضع حداً لهذا الصراع الطويل".
من جهة آخرى، تناولت صحيفة "الوسط" الليبية العملية السياسية في ليبيا "والتي وصلت إلى طريق مسدود بعد 10 سنوات من تعثر عجلة التحول الديمقراطي"، عازية السبب إلى "نتاج لمتغيرات داخلية وخارجية، ولكن يبقى العامل الأبرز هو غياب الإرادة السياسية لدى الأطراف الفاعلة للذهاب إلى انتخابات، حيث تعمل هذه الأطراف على تكرار نفس التجربة بنفس الأدوات من خلال إصرارها على استمرار المراحل الانتقالية عبر إنتاج أصحاب مصلحة جُدد والرغبة في تشكيل حكومات جديدة".
(رصد "عروبة 22")