تُعربد إسرائيل في لبنان وغزّة وينادي وزراء في الحكومة اليمينية المتطرفة بإعلاء سياسة الاستيطان بينما يعيش أهل القطاع ويلات الجوع المدقع والحصار والقصف اليومي الذي لا يتوقف منذ أكثر من 400 يوم. وتغيب الحلول والمفاوضات المرهونة بـ"مزاجية" رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو المُتهم بالفساد، والذي يتنصل من المحاكمات بذريعة "انشغاله بالحرب".
واذ يرتفع عداد الشهداء والجرحى بشكل يومي ويتكبد الشعبين اللبناني والفلسطيني فاتورة مرتفعة من استمرار العدوان الاسرائيلي، تنتظر ساحات هذه الدول بوادر أميركية فعلية لدفع نتنياهو نحو إبرام تسويات لا تزال مضامينها وبنودها غير جاهزة رغم كل الضخ الإعلامي.
وأمام هذا المشهد اليومي المتكرّر، عُقدت القمة العربية الإسلامية المشتركة في الرياض لتعكس حجم التضامن مع القضايا العربية الطارئة، وشكلت نقطة التقاء لكبار القادة بما يؤكد الدور الذي تحاول السعودية القيام به لرص الصفوف وتوحيد المواقف وإعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها الطبيعي باعتبارها قضية العرب المركزية.
ومن هذا المنطلق، هيمن الإحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة ولبنان على خطابات الرؤساء في قمة الرياض كما في بيانها الختامي الى جانب اللقاءات التي عُقدت على الهامش، حيث كان الإطار العام واضحاً لجهة الدعوة إلى قرار ملزم لوقف إطلاق النار في غزّة، والعمل لـ"تجميد" عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة ومطالبة جميع الدول بحظر تصدير الأسلحة لإسرائيل، وسط التعبير عن مخاوف حقيقية من "خطورة التصعيد وتبعاته الإقليمية والدولية، ومن توسع رقعة العدوان الذي امتد ليشمل الجمهورية اللبنانية، وانتهاك سيادة العراق وسوريا وإيران".
أما لبنان فقد حضرت معاناته بقوة عبر كلمة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي سلط الضوء بالأرقام على الخسائر الإنسانية والإقتصادية الفادحة التي تتسبب بها الحرب الإسرائيليّة المستمرة. في وقت دعت القمة الى تنفيذ كامل للقرار الدولي 1701 والإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة استناداً للدستور وتنفيذ اتفاق الطائف". كما أكدت على "دعم الجيش باعتباره الضامن لوحدة البلاد".
وعلى وقع انعقاد القمة، كان الاحتلال الاسرائيلي يواصل ارتكاب المجازر في لبنان ويستكمل التطهير العرقي والإبادة الجماعية في غزّة، بل ويعلن عن خطط استيطانية جديدة ليكون "عام 2025 عام السيادة على الضفة الغربية"، وفق كلام وزير المالية الإسرائيليّة بتسلئيل سموتريتش الذي أعرب عن أمله أن يدعم الرئيس الاميركي المُنتخب دونالد ترامب هذا التحرك. ويستند الأخير في "طموحاته التوسعية" الى كلام ترامب، الذي أعلن عنه في شهر آب/ أغسطس الماضي بأن مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة وأنه يدعم توسيعها.
وتترافق هذه الدعوات مع اعتقالات يومية واقتحامات وتخريب للبنى التحتية في الضفة التي تشكل شاهداً حياً إضافياً على جرائم الاحتلال، فيما يرزح القطاع تحت معاناة انسانية خانقة مع مطالبات دولية لاعلان المجاعة في عموم غزّة، ولا سيما شمال القطاع، مع مرور أكثر من 50 يوماً من منع إدخال المساعدات أو البضائع لمئات آلاف الفلسطينيين المحاصرين.
وكانت "القناة 12" الإسرائيليّة تحدثت عن مقترح قدمته واشنطن للرئيس الفلسطيني محمود عباس، بشأن مستقبل إدارة قطاع غزّة. ويتلخص في إنشاء بعثة دولية مؤقتة بدعوة من السلطة الفلسطينية لتولي إدارة القطاع، مع انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي، إلا أن الرئيس الفلسطيني لم يرد حتى الآن على المقترح الذي قال مقربين منه "إنه لا يعكس تطلعاته".
وفي لبنان، فقد ارتكب الإحتلال مجزرتين مروعتين، الأولى في بلدة عين يعقوب في قضاء عكار، بعدما استهدف للمرة الأولى مبنى سكني يقطنه نازحون ما أسفر عن وقوع أكثر من 8 شهداء كحصيلة أولية. والثانية في بلدة السكسكية في قضاء صيدا، بغارة أدت إلى استشهاد 11 مواطناً واصابة آخرين. بدوره، أعلن "حزب الله" عن تنفيذ عمليات جديدة ضدّ مواقع وأهداف إسرائيليّة، حيث استهدف قواعد عسكرية وعدد من المستوطنات الشمالية الى جانب تجمعات لجنود موقعاً إصابات مباشرة ضمن صفوفهم.
بالتزامن، شدد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس على أنّه "لن يكون هناك وقف لإطلاق النار أو هدنة في لبنان"، مؤكداً "ضرورة مواصلة العمليات ضد إيران و"حزب الله" حتى تحقيق أهداف الحرب". هذا نقلت وسائل اعلام أجنبية أنّ لقاء سيجمع غداً، الأربعاء، الرئيسين بايدن وترامب حيث ستخيم الأوضاع المشتعلة في لبنان وغزّة على مشاوراتهما بعد تسريبات بأنهما يريدان انهاء الحروب قبل موعد التنصيب في شهر كانون الثاني/ يناير المقبل دون أن تتضح الآليات لذلك مع تعمّد نتنياهو التحايل والمرواغة كسباً للوقت.
وفي تطور بارز، أفادت وكالة "أسوشيتد برس"، بأن الجيش الإسرائيلي باشر بأعمال بناء على طول المنطقة منزوعة السلاح، التي تحرسها الأمم المتحدة، والتي تفصل مرتفعات الجولان عن سوريا. ووفق الوكالة، فقد "التزمت دمشق الصمت" فيما يتعلق بالأعمال الإنشائية الإسرائيليّة.
وأفردت معظم الصحف العربية الصادرة اليوم صفحاتها للحديث عن أهمية قمة الرياض من حيث توقيت انعقادها ودلالات مواقفها الجامعة، إذ:
سلطت صحيفة "الوطن" القطرية الضوء على أهمية القمة حيث أنها "تشكل رسالة للعالم في غاية الأهمية وخلاصتها أن وقف الحرب في قطاع غزّة ولبنان، صار واجباً إنسانياً على كل أصحاب الضمير، وأيضا ضرورة أمنية واستراتيجية حتى لا تنزلق المنطقة بأسرها إلى مصير مجهول، كما أنها تمثل رسالة دعم للفلسطينيين واللبنانيين في هذه الأوقات الصعبة والمؤلمة".
أما صحيفة "الرياض" السعودية، فعلقت بدورها على انعقاد القمة قائلة: "بمبادرات لا تنقطع وعمل مكثف لا يهدأ على مدار الساعة، تواصل المملكة جهودها السياسية لوقف الحرب الدائرة في أكثر من مكان بالشرق الأوسط، وعلى رأسها قطاع غزّة والجنوب اللبناني، وجاء انعقاد القمة العربية والإسلامية غير العادية لتتوج هذه الجهود من خلال تعزيز وحدة الصف العربي والإسلامي، والخروج بقرارات تُسهم في إعادة الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط".
وفي رأي مشابه، اعتبرت صحيفة "الأهرام" المصرية أن القمة "شكلت أهمية كبيرة من حيث التوقيت والدلالات والمخرجات، حيث أرسلت رسالة مهمة للجانب الإسرائيلي برفض مخططات تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير القسري أو إعادة احتلال القطاع"، كما "أرسلت برسائل مهمة للمجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة للضغط على الجانب الإسرائيلي لإطلاق مسار سياسي تفاوضي يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية والعمل من أجل منع التصعيد الإقليمي الذي ينذر بعواقب وخيمة على المنطقة والاستقرار العالمي".
بدورها، لفتت صحيفة "اللواء" اللبنانية إلى أن "قرارات قمة الرياض كرست وقوف الدول العربية والإسلامية إلى جانب لبنان في محنته الحالية". وتابعت: "يبقى من الأهمية بمكان أن يقف اللبنانيون على إختلاف إنتماءاتهم، إلى جانب دولتهم، ليستعيدوا ثقة الخارج.. لأن مثل هذا الإهتمام العربي والدولي قد يتلاشى، إذا لم تظهر البوادر الضرورية لقدرة السلطة الشرعية على تنفيذ تعهداتها والمباشرة بفرض سيادتها وحصر السلاح مع الجيش والأجهزة الأمنية".
وتساءلت صحيفة "الخليج" الإماراتية "هل يمكن تجميد عضوية إسرائيل؟" وذلك على خلفية خطوات عربية رسمية بتقديم طلب تعليق عضويتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتشير إلى أن تل أبيب "ومنذ اليوم الأول لإنشائها أكدت أنها دولة لا تريد السلام، ولم تلتزم أبداً بميثاق الأمم المتحدة ولا بقراراتها، ولا بالقانون الدولي الإنساني، وجاء عدوانها الأخير ليقدم دليلاً جديداً على خروجها عن كل ما تعهدت به".
في سياق متصل، تناولت صحيفة "الدستور" الأردنية الوضع المأساوي في قطاع غزّة، حيث دعت مجلس الأمن الدولي الى تحمل "المسؤولية أمام أزمة الجوع التي صنعتها إسرائيل من خلال ارتكاب جريمة التجويع واستخدامه كأداة لتنفيذ الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين بهدف القضاء عليهم". وقالت: "آن الأوان للإعلان رسمياً عن المجاعة في عموم قطاع غزّة، وخاصة في شماله الذي يتعرض لحصار وقصف وحرمان من المواد الأساسية التي لا غنى عنها للبقاء".
الى ذلك، رأت صحيفة "الراي" الكويتية أن "طموحات نتنياهو لإحداث نكبة أخرى للفلسطينيين أو إخضاع "حزب الله" في لبنان أثبتت أنها غير واقعية". وأضافت: "لا يمكن تحقيق حل حقيقي - بما في ذلك عودة السجناء الإسرائيليين المحتجزين في غزّة وإعادة توطين الإسرائيليين النازحين من الشمال - إلا من خلال المفاوضات. وتغليب خيار السعي إلى السلام يقع على عاتق نتنياهو... ولكن عليه الاقتناع بذلك أولاً"، وفق تعبيرها.
(رصد "عروبة 22")