صحافة

"المشهد اليوم"...ترامب يختار "الصقور" لمواجهة الصين وإيران "حزب الله" يكثف هجماته الصاروخية وإسرائيل تدكّ الضاحية الجنوبية

من اللقاء الذي جمع الرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب في البيت الأبيض أمس (وكالات)

يترقبُ لبنان والمنطقة برمتها مرحلة حكم الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب بعد السنوات "العجاف" لإدارة الرئيس جو بايدن وما تخللها من حروب وسفك للدماء وغياب الحلول والمواقف الاميركية الحازمة، والتي أثرت على عدد كبير من الملفات المشتعلة ذات الأولوية المحلية والعالمية. ومع انعدام حلها وإرساء التسويات المطلوبة، فإن هذه القضايا سيرثها ترامب لتشكل تحدياً جديداً أمام إدارته.

ولكن المُطلع على الأسماء التي يطرحها ترامب لتولي مناصب مهمة وحساسة في حكومته، يعي بأننا بصدد مرحلة سيكون فيها شعار دعم اسرائيل هو العنوان الرئيسي، وذلك بسبب اختياره شخصيات يُعرف عنها دفاعها المستميت عن تل أبيب تماماً كما سفيرة اميركا في الأمم المتحدة إليز ستيفانيك التي تُعتبر من ألد الخصوم للمهاجرين وللفلسطينيين، حيث وصفت الحرب على غزّة بأنها "حرب بين الخير والشر" ودعت لوقف تمويل "الأونروا" متهمة إياها بـ"معاداة السامية". والأمر نفسه بالنسبة لوزير الدفاع المقترح بيتر هيغسيث ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف.

هذه العينة من التشكيلة الحكومية الجديدة تشي بأننا أمام مشهد مختلف بكل تفاصيله ومعالمه، خاصة أن الأسماء المطروحة معروفة بعدائها الشديد للصين وايران وخطابها "العنصري" ضد المهاجرين والأجانب، كما تماهيها التام مع اسرائيل وأحلامها التوسعية ولو على حساب الدول الآخرى. ومن هنا تبدو الصورة "ضبابية" بالنسبة لوعود ترامب بالسلام المزعوم مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، وحرب الإبادة الإسرائيليّة على قطاع غزّة والتنافس الأميركي مع الصين من أجل السيطرة على الاقتصاد العالمي.

وإزاء هذه المعطيات، خطف اللقاء الذي جمع الرئيسين بايدن وترامب في البيت الأبيض الأضواء، بعد سنوات من غياب الود والتراشق الكلامي بين الطرفين، حيث تعهدا بانتقال سلس وسلمي للسلطة. وأتت هذه الزيارة التي عادة ما تكون بروتوكولية، حاملة طابعاً مميزاً، لاسيما أن ترامب لم يتقبل بصدر رحب على الإطلاق خسارته عام 2020، بل اتهم فريق بايدن بالتزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات.

ورغم هذا المشهد "الايجابي" القادم من الولايات المتحدة، إلا أن وقائع الحرب الاسرائيليّة المستمرة على لبنان وقطاع غزّة تُنذر بالكثير من المخاطر والتطورات الدراماتيكية مع تعمد تل أبيب توسيع نطاق عملياتها والمضي قدماً بمخططاتها. ومع أن وسائل الاعلام تضج بأخبار عن محادثات وتقدم ملموس على الجبهة اللبنانية، لا تعكس المعطيات الميدانية حقيقة ذلك بل توحي بأننا أمام مسار طويل من الحرب يتزامن مع استمرار التهديد والوعيد الاسرائيلي وهو ما عكسته تصريحات وزير الأمن، يسرائيل كاتس، الذي جدد رفضه أي تسوية ما لم تقترن بنزع سلاح "حزب الله". وقال "لن نوقف إطلاق النار في لبنان ولن نسمح بأي تسويةٍ من دون تحقيق أهداف الحرب".

وترافقت هذه التصريحات مع الحدث الأمنيّ الذي وُصف بـ"الصعب جدًا" على الحدود بعد مقتل ما لا يقل عن 6 جنود، بينهم ضابط، ينتمون للكتيبة 51 التابعة للواء غولاني في تفجير منزل مفخخ في بلدة عيناتا بالقرب من بنت جبيل الجنوبية. هذا وكثّف "حزب الله" من عملياته الجويّة حيث شن بمسيرات انقضاضية نوعية هجوماً، للمرة الأولى، على قاعدة "الكرياه" مقر وزارة الأمن الإسرائيليّة في تل أبيب. وأطلق صليات صاروخية مستهدفاً مستوطنات شمالية وعدة قواعد عسكرية كما تجمعات للجنود على وقع احتدام العملية البرية في أكثر من محور.

بموازاة ذلك، يتعمّد الاحتلال الاسرائيلي استهداف النازحين حيث انضمت منطقة عرمون المُصنفة ضمن المناطق "الآمنة" إلى دائرة الاستهداف، بعدما قصف الإحتلال مبنى يقطنه نازحون من الجنوب موقعاً 8 شهداء وعدد كبير من الجرحى. وعلى وقع توالي إنذارات الإخلاء، شنّ الطيران الإسرائيلي غارات عنيفة ومكثفة استمرت حتى ساعات الصباح الأولى على الضاحية الجنوبية لبيروت واستهدفت مناطق حارة حريك، وبئر العبد، والليلكي والغبيري كما المشرفيه التي تم قصفها لاول مرة منذ بدء العدوان.

وفي إطار سياسة تضييق الخناق على "حزب الله"، نفّذت طائرات إسرائيليّة مساء أمس، الأربعاء، سلسلة غارات جوية على منطقة القصير في ريف حمص، استهدفت حواجز للفرقة الرابعة وجسوراً على نهر العاصي. وتزامن الهجوم الإسرائيلي في سوريا، مع غارة استهدفت قرية حوش السيد علي عند الحدود اللبنانية - السورية، من جهة القصير ومحافظة بعلبك الهرمل اللبنانية.

سياسياً، شكلت زيارة وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي فرصة للتشديد على أولوية القاهرة بوقف اطلاق النار في لبنان، إذ أشار، خلال اللقاءات السياسية التي عقدها، إلى أنّ بلاده "لا يمكن أن تقبل بأي أفكار أو تسوية تمسّ بسيادة لبنان ووحدة أراضيه"، مشدداً على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية "من دون إملاءات خارجية وعلى الرئيس أنّ يكون توافقيّاً من دون إقصاء أيّ طرف". وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أفادت بأن إسرائيل تعد خطة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان خلال شهر يناير/ كانون الثاني المقبل "كهدية" للرئيس ترامب عند تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة.

أما المشهد في غزّة، بعد تجميد جولات التفاوض وغياب أي حديث جدي عن حلول، فيبدو سوداوياً قاتماً خاصة بعد التقرير الذي نشرته صحيفة "هآرتس" ومفاده بأن إسرائيل تؤسس للبقاء في القطاع على الأقل حتى نهاية عام 2025. واستندت الصحيفة بتقديراتها إلى ممارسات الجيش على الأرض وإقامة بنى تحتية ومواقع عسكرية وشق طرق وتوسيع بعض المناطق.

في غضون ذلك، أجبر الاحتلال مئات الفلسطينيين على النزوح قسراً من مراكز إيواء ومنطقة سكنية في بلدة بيت حانون شمالي القطاع تحت وابلاً من النيران والقصف المدفعي الكثيف، في ظل مواصلته عمليات الإبادة الجماعية في مخيم جباليا ومحيطه دون أن تلقى المناشدات الأممية لتسهيل حركة قوافل المساعدات وتخفيف الحصار المفروض أي آذان صاغية.

وضمن السيّاق، ذكرت "هيئة البث العامة الإسرائيلية" أن إدارة بايدن، لا تعتزم إجراء أي تغيير في سياسة تزويد إسرائيل بالأسلحة والمساعدات العسكرية. بينما أشار موقع "أكسيوس" إلى أن مسؤولين أميركيين دعوا إلى ضرورة تعليق، ولو جزء من المساعدات العسكرية، إلّا أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن فضل سياسة الامتثال بالضغط على المسؤوليين الإسرائيليين فقط.

وركزت الصحف العربية الصادرة اليوم على المخاوف من ضم إسرائيل الضفة الغربية كما العدوان المستمر على لبنان، إذ:

تطرقت صحيفة "الخليج" الإماراتية إلى دعوة وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان فيها، حيث لفتت إلى أنها "لا تنفصل عن سياسة الحكومة الإسرائيلية اليمينية الرافضة لقيام دولة فلسطينية مستقلة وإنكار وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية المشروعة". وخلصت إلى أن "تصريح سموتريتش وغيره لن يغير من الواقع التاريخي للأرض الفلسطينية، وحرب الإبادة لن تثني الشعب الفلسطيني عن مقاومة الاحتلال، لكن يبدو أن الوزير الإسرائيلي يعيش وهم التطرف القاتل".

وفي موقف مشابه، رأت صحيفة "الدستور" الأردنية أن تصريحات سموتريتش "تعد تهديدا لاستقرار المنطقة برمتها وأن أي استعداد لتنفيذ هذا الهدف هو انتهاك سافر للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة"، مؤكدة ضرورة التصدي لتلك "التصريحات المستهجنة التي تؤجج التطرف والعنف وأن يتحمل المجتمع الدولي المسؤولية في حماية حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره، وهو الحل الوحيد والعملي لإنهاء الصراع بالمنطقة والخروج من دوامة العنف والدمار".

وكتبت صحيفة "القدس العربي"، تحت عنوان "ترامب يكافىء ناخبيه المسلمين بضم الضفة لاسرائيل"، "أراد كثير من الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين الانتقام من الإدارة الأمريكية الحالية والثأر من دورها في الإبادة الجارية حتى الآن في غزة، كما صوّت بعضهم لترامب، لأن أجندته الاجتماعية المحافظة أقرب إلى قيمهم الدينية والاجتماعية، وهما حجّتان متهافتتان فلا "إنهاء الحرب" يعني إنهاءها لصالح الفلسطينيين، ولا احتقار حق الإجهاض، والتأمين الصحي، والأقليات الدينية والجندرية يعني أن إدارة ترامب ستحترم حقوق العرب والمسلمين وقيمهم".

من جهتها، لفتت صحيفة "البلاد" البحرينية إلى أن "الثقة في ترامب ورغم كل محاولات التشكيك في نزاهته وقدرته على الحكم، تعززت بعد أربع سنوات من إدارة مهتزة ومهترئة لجو بايدن وكامالا هاريس"، مشددة على أن "الانتخابات جرت في أجزاء واسعة منها برسم "التصويت العقابي"، فعلى سبيل المثال صوت عدة ملايين من العرب والمسلمين لصالح ترامب، والذي وعد بإحلال السلام في الشرق الأوسط، لاسيما بعد أن أخفقت إدارة بايدن في وقف المذابح الإسرائيلية في قطاع غزّة، وتاليًا في لبنان".

أما صحيفة "الشروق" الجزائرية، فأوضحت أن "العرب والمسلمون عموما، والفلسطينيون على الخصوص، يتوجسون خيفة من ترامب الذي عُرف بقراراته الارتجالية في المشرق والمغرب على السواء"، وأضافت: "لم نلطم الخدود أو نشق الجيوب على هزيمة المرشحة الديمقراطية، كما أننا لم نُفرغ الأقداح أو نُقِم الأفراح لانتصار المرشح الجمهوري، فالاثنان - في نظرنا - شخصان أحلاهما مُرّ"، على حدّ وصفها.

بدورها، نفت صحيفة "الجريدة" الكويتية "وجود أي مؤشرات جدية حول الوصول القريب إلى لحظة وقف إطلاق النار، فإسرائيل لم تحقق أهدافها حتى الآن على الرغم من الضربات التي وجهتها لحزب الله". وقالت: "يراهن نتنياهو على ترامب لمساندته في فرض تغييرات جوهرية بالتوازنات إما عسكرياً أو سياسياً. في المقابل، فإن ما يتلقاه لبنان من جهات دبلوماسية غربية وعربية، يشير إلى التخوف الأكبر من "عصر ترامب" الذي يريد تكريس العصر الإسرائيلي".

في إطار متصل، سلطت صحيفة "الأهرام" المصرية الضوء على أهمية زيارة وزير الخارجية المصري الى لبنان "لجهة التأكيد على الرفض المصري التام للعدوان الغاشم، والتعبير عن إصرار القيادة السياسية المصرية على تقديم أشكال الدعم كافة كما إعادة تأكيد الثوابت المصرية، وصولاً إلى أنها تأتي كرسالة لكل العرب بحتمية المسارعة إلى دعوة المجتمع الدولي إلى التعجيل بالتدخل لدى إسرائيل لوقف انتهاكاتها الوحشية ضد هذا البلد الوديع المسالم".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن