لم تحمل الزيارة الإيرانية الأخيرة إلى لبنان والتي أتت مع "تباشير" المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار في لبنان أي جديد يُذكر، حيث أعاد مستشار المرشد الإيراني علي لاريجاني الكلام "المعسول" نفسه عن احترام قرارات لبنان وسيادته ووحدة أراضيه والتأكيد على وقوف طهران "قلباً وقالباً" مع لبنان وشعبه الشقيق، وهي رسائل ديبلوماسيّة سياسية لطالما تلقفها لبنان الذي، كما سوريا، يبدو في الفترة الأخيرة قبلة الوفود الإيرانية.
وتتوالى الزيارات الايرانية إلى سوريا، فبعد لاريجاني وصل وزير الدفاع عزيز نصير زاده على رأس وفد أمني رفيع لإجراء محادثات مع المسؤولين السوريين. وفي هذا الصدد، ذكرت "وكالة الأنباء السورية" الرسمية أن الوفد الإيراني سيبحث "آخر المستجدات في المنطقة بشكل عام وتعزيز التنسيق والتعاون بين الجيشين الصديقين، بما يسهم في مواصلة محاربة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار".
ويأتي هذا اللقاء على وقع العمليات الاسرائيليّة المتصاعدة والتي تنتهج نهجًا تدميريًا وتستهدف شخصيات رفيعة المستوى الى جانب مقرات ومستودعات ذخيرة وأسلحة لـ"حزب الله" أو من يدور في الفلك الايراني، وآخرها القصف الذي استهدف شخصيات تابعة لـ"حركة الجهاد الاسلامي" في غارات ضاحيتيّ المزة وقدسيا بالعاصمة السورية، دمشق. ونعت الحركة، في بيان، كل من عبد العزيز الميناوي (عضو المكتب السياسي) ورسمي يوسف أبو عيسى مسؤول العلاقات العربية.
كما يتزامن الحراك الايراني مع استمرار الصمت المُريب للنظام السوري عن ما يتعرض له "حزب الله" بعدما نأى بنفسه عن صراعات المنطقة ضمن سياسة الحياد التي يتبعها بأوامر من الرئيس بشار الأسد. كما تترافق مع استمرار العدوان الاسرائيلي على الجبهة اللبنانية بظل معلومات متداولة عن "تفاؤل حذر" بإمكانية التوصل لاتفاق لوقف النار وفق المسودة الاميركية التي تسلمها لبنان مساء يوم الخميس الماضي والتي فتحت "ثغرة" في جدار الأزمة المتدحرج الى مزيد من التوسع والتصعيد.
ورغم أن معدلات التفاؤل تجاوزت الـ50%، وفق تصريحات رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الا أن النوايا الاسرائيليّة تبقى غامضة ويعتريها الكثير من انعدام الثقة بعدما بات افشال المفاوضات وخلق العثرات وتفخيخ أي تفاهمات السمة السائدة لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته اليمنية المتطرفة. اذاً، إزاء هذا المشهد المتداخل والمُعقد، تضغط كل من ايران واسرائيل للوصول الى تسوية قبل دخول الرئيس المُنتخب دونالد ترامب البيت الأبيض، ومن هنا يمكن فهم حركة الوفود الايرانية الى عواصم لطالما تغنت بأن لها "اليد الطولى" فيها.
وضمن هذا السيّاق، نقلت "هيئة البث الإسرائيليّة" عن مصادر أنّه "من المتوقع حصول تقدم كبير بشأن محادثات وقف إطلاق النار في لبنان الأسبوع المقبل"، وتحدثت عن زيارة محتملة للموفد الأميركي أموس هوكشتاين الذي من المقرر أن يصل إلى إسرائيل، الأربعاء، بعد زيارة إلى لبنان.
وبانتظار الرد اللبناني على مسودة الاقتراح الاميركي، أشارت القناة 12 الإسرائيليّة إلى أن نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس وافقا على رفع وتيرة الضربات في لبنان للضغط على "حزب الله". بدورها، أفادت وسائل إعلام إسرائيليّة، أنّ الجيش أقر سياسة هجومية تقضي بشن غارة كل ساعتين في لبنان، مشيرة إلى أنّ "المنظومة الأمنية قررت زيادة عدد الغارات في لبنان لدفع "حزب الله" إلى التسوية".
وتُخاض هذه المفاوضات تحت نار الغارات التدميرية العنيفة على صور والنبطية والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت وسط ارتفاع معدل الشهداء والجرحى مع استهداف الطواقم الإسعافية بشكل مباشر، ناهيك عن الخراب والدمار الهائل الذي حول عدد من البلدات الى أرض قاحلة لا حياة فيها، لاسيما تلك الواقعة على الحدود الجنوبية التي اختفت معالم معظمها. في وقت لاقى "حزب الله" هذا المخطط بتوسيع ورفع وتيرة استهدافاته في العمق الاسرائيلي حيث دوت صافرات الإنذار في حيفا والكرايوت وعكا وسمع دوي انفجارات خلفت اضراراً فادحة في الممتلكات.
وأعلن "حزب الله"، في سلسلة من البيانات، عن قصف تجمعات لقوات الجيش الإسرائيلي كما التصدي للتوغل البري في عدة نقاط، حيث يحاول الاحتلال التقدم نحو "قرى الخط الثاني" التي تشهد معارك ضارية ومحتدمة منذ أيام. في حين، أكدّ رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، أنّ "إسرائيل ستواصل القتال والتقدم إلى الأمام والهجوم في العمق وإلحاق ضرر كبير بـ"حزب الله". وقال هاليفي، خلال مقطع فيديو عممه الجيش الإسرائيلي مدعياً أنه من جنوب لبنان وتحديداً من بلدة كفركلا، إنّ "حزب الله سيدفع ثمناً باهظاً".
هذه التصريحات لا تعكس حقيقة الواقع، بعدما أشارت صحيفة "يسرائيل هيوم"، إلى أنّ "الجيش الإسرائيلي فقد 894 جنديًا منذ بداية الحرب، إلى جانب قتلى من الشرطة وجهاز الأمن الداخلي، الشاباك، والمدنيين". وكانت قنبلتين ضوئيتين سقطتا أمام منزل نتنياهو الذي لم يكن موجوداً في قيساريا وسط البلاد، في حادث سارعت تل أبيب الى وصفه بالـ"خطير".
وأمام المشهد الدموي المتكرر يومياً في قطاع غزّة، جدّد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بأنه "لن يقبل بصفقة لتبادل الأسرى تؤدي إلى وقف الحرب على غزّة". وأضاف "أنه سيكون هناك حتماً استيطان"، وهي خطوة باتت بحكم المؤكدة مع استغلال وصول ترامب للحكم و"المباركة" التي سيقدمها لهذه الخطوة وفق مقابلات اعلامية وتصريحات سابقة.
هذا وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنه وثق عشرات جرائم القتل العمد والإعدامات الميدانية الجديدة التي نفذتها قوات الاحتلال شمال القطاع في إطار الإبادة الجماعية التي تنفذها ضد الفلسطينيين منذ أكثر من 13 شهرًا.
وعكست الصحف العربية الصادرة اليوم ما يجري من وقائع وأحداث في غزّة والضفة الغربية كما على الجبهة اللبنانية نتيجة إستمرار العدوان الإسرائيلي:
أشارت صحيفة "الدستور" الأردنية إلى أنه "بدون مواربة ستحظى خطوات المستعمرة التوسعية الالحاقية في الضفة الفلسطينية بالدعم الرسمي من قبل فريق الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب"، معتبرة أن "الأيام السوداء القاتلة التي مرت على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، طوال العام، سيتلوها قرارات سياسية تشمل الضم والإلحاق وإزالة أي مظاهر يمكنها مراكمة الوضع الإنساني والسياسي وصولاً إلى حل الدولتين".
أما صحيفة "الشروق" الجزائرية، فقد لفتت إلى أن "الاحتلال قد أكّد بشكل لا لبس فيه أنه يرفض تقسيم فلسطين مع الفلسطينيين ولو تعلّق الأمر بـ22 ٪ منها فقط، ويريدها كلّها دولة يهودية خالصة من النهر إلى البحر، ويواصل ابتلاع ما بقي منها تدريجيًّا"، متسائلة "أليس من الأجدى إذن للزعماء العرب طيُّ هذه الصفحة المهينة، أي التشبّث بـ"حل الدولتين" بلا طائل، والإعلان جماعياً عن موت "عملية السلام"، وأنّهم يدعمون المقاومة في غزّة والضفة بالسِّلاح والمال والدعم السياسي والإعلامي…؟".
ووفق صحيفة "الأهرام" المصرية، فإن "منطقة الشرق الأوسط تعيش مرحلة مفصلية وفارقة في تاريخها منذ عملية طوفان الأقصى...فالتوازنات السياسية والاستراتيجية في المنطقة لن تعود إلى ما كانت عليه قبل هذا اليوم"، متحدثة عن "هدف أشمل وأعمق، وهو إعادة رسم الخريطة السياسية للشرق الأوسط وتغيير الواقع الاستراتيجي فيها، بحيث تصبح إسرائيل هي القوة العسكرية المهيمنة فيها وصاحبة التأثير الأكبر في أوضاعها وتوازناتها"، بحسب تعبيرها.
بدورها، قالت صحيفة "عُمان" العمانية "هل يمكن للعرب أن يخرجوا من عالمهم الخاص لكي يخوضوا معركة سياسية واقتصادية ودبلوماسية ليس دفاعاً عن حقوق الفلسطينيين وإنما دفاعاً عن حقوقهم ومستقبل أوطانهم"، مستنتجة أن "المستقبل خطير ويُنذر بضياع أوطان وحقوق شعوب أسلمت مقاليد أمورها إلى حكامها..فنحن بجدّ أمام خطر داهم، بل نحن أمام تحديات وجود".
وتحت عنوان "هدنة لبنان مرهونة بغزّة"، كتبت صحيفة "الخليج" الإماراتية "قد تكون اللحظة الآن مناسبة للتوصل إلى هدنة في لبنان، لكن الجانب الإسرائيلي، وخصوصاً مع حكومة المتطرفين بقيادة نتنياهو، يبقى غير مأمون الجانب ولا موثوقاً به". وأضافت: "هذه الهدنة المفترضة لا معنى لها دون التوصل إلى وقف شامل للعدوان على غزّة، التي كانت شرارة كل هذا التصعيد في المنطقة، بسبب حرب الإبادة والتجويع والتهجير وتصفية المنظمات الإنسانية والأممية، وفي صدارتها وكالة "الأونروا".
وفي الشأن اللبناني، نقلت صحيفة "الراي" الكويتية عن مصادر إشارتها إلى "أن مقترح الحل الذي أظهّر (رئيس مجلس النواب نبيه) بري نقطتين رئيسيتين تحتاجان لنقاشٍ وإعادة نظر فيه، ليس جاهزاً بعد لعبور سريع من نفق المناورات وبالونات الاختبار التي أُشيع أن لبنان الرسمي "تحسب" لها وسيقوم بتقديم جوابه في شكل "لا يقفل الباب" على الحلّ بمقدار ما يفتح على أسئلة "مشروعة" حول ما بين السطور وربما العبارات المتروكة لـ "ملء فراغات حمّالة أوجه".
(رصد "عروبة 22")