ساعات قليلة فاصلة عن موعد وصول الموفد الأميركي أموس هوكشتاين الى لبنان والتي سترسم أفق المرحلة المستقبلية، فإما اتفاق لوقف النار وبدء مفاوضات جدية وفعّالة وإما تدهور الأمور وخروجها من عقالها نحو مرحلة جديدة ستحمل المزيد من التدمير والقصف والقتل، لاسيما أن استهداف بيروت للمرة الثالثة بأقل من 24 ساعة يعتبر عامل قلق ومؤشر خطير في سياق الحرب التدميرية التي يقودها الاحتلال.
وقد تلقف "حزب الله" الرسائل الاسرائيليّة الأخيرة بعد تصعيد العدوان على الضاحية الجنوبية كما استهداف مناطق تُعتبر "آمنة" في بيروت وتُعرف باختلاطها الطائفي والسكاني كما ضمها لعدد كبير من مراكز الإيواء، فكان رده حاسماً بقصف تل أبيب الكبرى موقعاً قتلى وجرحى كما أضرار جسيمة في الممتلكات وسط أنباء عن إغلاق مطار بن غوريون. فإذاً هو "التفاوض بالنار"، بعدما جدد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه المعادلة، في خطابه أمس، دون التطرق لمسار المفاوضات أو التسوية التي يُحكى عنها.
عليه، ينتظر لبنان المباحثات التي سيجريها مع هوكشتاين بعد تضارب اعلامي حول موعد الزيارة التي تقررت اليوم قبل أن يزور بعدها إسرائيل لوضع اللمسات الاخيرة على الاتفاق، في حال اتمامه والاعلان عنه بمباركة أميركية فرنسية بالدرجة الاولى. ولكن، رغم كل الاجواء الايجابية، التي حاول لبنان الرسمي إشاعتها، وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد حصوله على موافقة "حزب الله" الضمنية بقبول بنود المسودة الاميركية التي "إعتبرت قابلة للنقاش" مع وجود بعض الملاحظات، الا أن العبر تبقى في الخواتيم بظل مخاوف من عدم التزام نتنياهو وتفجير المفاوضات بشروط تعجيزية، خاصة أنه لا يبدو مستعجلاً لإنهاء الحرب.
ويحاول لبنان تقديم الحل السياسي على العسكري وعدم اعطاء نتنياهو أي ذريعة لنقض المفاوضات ورمي "كرة العرقلة" في ملعبه، تماماً كما كان يفعل في غزّة. ومن هنا تبدو الأجواء ضبابية يعتريها الكثير من الغموض والقلق بفشل إرساء تسوية تضع حداً للحرب الاسرائيليّة التي تستمر بحصد أرواح الابرياء مع تدمير ممنهج في الأرزاق والممتلكات ناهيك عن المواقع التاريخية والحضارية التي تشكل هدفاً للعدوان.
بموازاة ذلك، أكدت الخارجية الأميركيّة، في بيانٍ لها، أننا "منخرطون في جهود التوصل لاتفاق بين لبنان وإسرائيل والطرفان وضعا ملاحظاتهما على المقترح". فيما لفتت "هيئة البثّ الإسرائيليّة"، من جهتها، إلى أن إسرائيل وافقت على بحث النقاط الخلافيّة بشأن الحدود البرية الدولية في إطار تسوية مع لبنان.
بدوره، كشف موقع "أكسيوس" أن إسرائيل طلبت من إدارة الرئيس جو بايدن خطاباً جانبياً يضمن "حرية عملها" في لبنان. وقال مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إن "الخطاب سيتضمن التزاماً أمريكياً بالسماح لإسرائيل باتخاذ إجراء عسكري إذا لم يمنع الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة "حزب الله" من إعادة تأسيس نشاطه بالقرب من الحدود، أو من تهريب أسلحة ثقيلة إلى لبنان".
وفي خضم هذه المساعي، استهدف العدو الاسرائيلي منطقة زقاق البلاط في قلب بيروت، والقريبة من السراي الحكومي، ما أدى لسقوط 5 شهداء وأكثر من 18 جريحاً. في وقت، ذكرت إذاعة العدو أن "الهدف من الهجوم هو استهداف لغرفة عمليات وليس محاولة اغتيال". وهذه هي المرة السابعة التي تُستهدف فيها العاصمة بيروت منذ بدء العدوان الاسرائيلي على لبنان.
وضمن سياسة التصعيد، سجل خلال الـ 48 ساعة الماضية 300 غارة جويّة وقصف على مناطق مختلفة من لبنان بمعظمها في النبطية (131 غارة) والجنوب (135 غارة) ليصل العدد الإجماليّ للاعتداءات منذ بداية العدوان إلى 13522 إعتداء، وفق احصاءات رسمية. هذا وتتواصل المعارك البرية المحتدمة بين عناصر "حزب الله" والقوات الاسرائيليّة التي باتت، وفق معلومات ميدانية، تسيطر على خط القرى الأول بالنار بينما تتوسع نحو خط القرى الثاني لفرض منطقة عازلة، وهو أمر يضعه "حزب الله" في الإطار الطبيعي للمعركة مع تأكيد قدرته على استهداف هذه القوات وتحقيق إصابات مباشرة.
في المقابل، جدد نتنياهو الحديث عن ضرب القدرات الصاروخيّة لـ"حزب الله" قائلاً "دمرنا من 70 إلى 80% من قدراته، وأمرت بقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله لأنّه ليس قائداً للحزب فحسب، بل لأنه كان قائداً مهماً جداً وهو الابن المدلّل للمرشد الإيراني علي خامنئي والمشرف على خطة تدمير إسرائيل". وأضاف نتنياهو "ردنا يجب أن يكون رداً وقائياً وهو منع إعادة بناء قدرات "حزب الله" ووقف تزويده بالسلاح عبر سوريا".
من جهة آخرى، أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" بأن هناك جهداً إسرائيلياً "داخلياً" لتحريك صفقة تبادل أسرى مع "حماس"، أو استكشاف أفكار للخروج من المأزق. وتشير تقديرات المؤسسة الأمنية في الوقت الراهن، إلى أن عدد المحتجزين الأحياء يبلغ 51، من أصل 101 من المحتجزين في غزّة. ووفقاً للصحيفة، سيوضح قادة المؤسسة الأمنية لنتنياهو، أنه دون إبداء إسرائيل مرونة فلن تكون هناك صفقة، ما يعني التخلي عن المحتجزين.
وكانت الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي دعت إلى زيادة المساعدات التي تصل للمحتاجين في قطاع غزّة وحذرت من تردي الأوضاع في القطاع الذي يشهد على جرائم إبادة وتطهير عرقي مع استهداف مُركز على المدنيين لدفعهم الى النزوح، لاسيما في شمال القطاع. يُشار إلى أن بايدن كرّر، خلال مشاركته في قمة مجموعة العشرين المنعقدة في ريو دي جانيرو، أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها بعد أسوأ مذبحة لليهود منذ المحرقة. لكن كيف تدافع عن نفسها ... يهم كثيرا". وقال: "سنواصل الضغط لتسريع اتفاق وقف إطلاق النار الذي يضمن أمن إسرائيل ويعيد الرهائن إلى ديارهم وينهي معاناة الشعب الفلسطيني والأطفال".
إلى ذلك، لم تغب القضايا الرئيسية عن عناوين الصحف العربية الصادرة اليوم، حيث:
سلطت صحيفة "الخليج" الإماراتية الضوء على طرح قضية ضم الضفة الغربية والتي هي بـ"غاية الخطورة، وذلك بسبب تأثيراتها على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ناهيك عن أنها تشكل مخالفة كبيرة للقانون الدولي في التعامل مع الأراضي المحتلة"، مؤكدة أن "الخطة الإسرائيليّة الجديدة لن تعرقل أي محاولة لتسوية الصراع سلمياً وحسب وإنما ستقود إلى إشعال حروب جديدة دونها الحرب الدائرة حالياً في المنطقة".
ومن وجهة نظر صحيفة "القدس"، فإن "التعيينات والتصريحات الأميركية المعلنة تشير إلى اتجاه حقيقي لدى الجمهوريين والإسرائيليين في حسم الصراع في فترة ترامب، الذي سيدفع باتجاه إجراء تعديلات على صفقة القرن من أجل إعادة الترويج لها". وتابعت "ربما تلجأ حكومة نتنياهو إلى إعلان جزئي لضم بعض المناطق مثل الأغوار، ثم تبدأ بتوسيع عملية الضم في باقي المناطق خلال السنوات المقبلة. وكل هذه السيناريوهات متوقعة وستكون حاسمة اذا ما تمت مواجهتها فلسطينياً وعربياً ودولياً".
وشددت صحيفة "الدستور" الأردنية على أن "ما يحدث في شمال قطاع غزّة ومخيم النصيرات لا يمكن أن يتصوره عقل بشري ويشكل كارثة بحق الإنسانية ويعد شاهدا على الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني". وقالت: "لا يمكن استمرار صمت المجتمع الدولي أمام مواصلة إسرائيل انتهاكاتها ما يعكس غياب رد دولي فاعل يلجم حكومة الاحتلال ويجبرها على احترام القانون الدولي ووقف عدوانها على غزّة وما يخلفه من قتل ودمار وكارثة إنسانية غير مسبوقة".
الى ذلك، اعتبرت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "ايران تتعامل بحذر شديد وحسابات دقيقة في بلورة معالم السياسة الممكنة مع هذه الإدارة (أي إدارة الرئيس المُنتخب دونالد ترامب) وكيفية إدارة الصراع مع إسرائيل"، متسائلة "هل من الممكن أن تقبل إيران بالدخول في صفقة مع الرئيس الأمريكي الجديد أم أنها سوف تختار المواجهة انطلاقاً من أن هذا الرئيس (ترامب) لا يعرف أنصاف الحلول، وأنه حتماً سيسعى إلى فرض مشروع جديد جوهره "الانتصار لإسرائيل؟".
ولفتت صحيفة "البلاد" البحرينية إلى ما أسمته "الانسداد السياسي بعد الانسداد العسكري في لبنان وغزّة"، موضحة أنه "بنظر اسرائيل لا توجد قيادة تصلح للمفاوضات، لا "حماس" بوضعها المهترئ الراهن، ولا السلطة الفلسطينية بحالتها المزرية التي لا تمتلك معها أية سلطة.. ولهذا غزّة في مهب الريح ومعها لبنان، لكن إلى أي مدى يمكن إطلاق الهجوم المضاد من غيبوبته، متى يمكن أن تكون لدينا حرب للتحرير، مثلما كان لدينا أكثر من سوء للتدبير وأسواق للتفسير؟".
وفي الشأن اللبناني، أشارت صحيفة "الراي" الكويتية إلى أن "تشدُّد هوكشتاين في رفض أي محاولةٍ لاستنزاف مهمته يعكس دقة المرحلة التي استوجبت في الأساس استئناف ما قد يكون المسعى الأكثر جدية لاستيلاد حلّ"، محذرة من "حجم التعقيدات التي تتحكم بمسار وقف الحرب، ومعها الخشية من أن يخرج ثوران البركان عن كل إمكان احتواءٍ بحال بقي منطق "الثور الهائج" سائداً في تل أبيب، وتمسَّكت إيران بإدارة الحرب ومخرجاتها وفق حسابات تُعلي مصالح "المحور".
وضمن السيّاق عينه، تناولت صحيفة "اللواء" اللبنانية التطورات الأخيرة "حيث أصبح واضحاً أن نتنياهو يحاول تعديل مضمون القرار 1701، وفرض بنود جديدة، في مقدمتها مسألة حرية التدخل العسكري، بمجرد ملاحظة وجود تهديد لأمن الدولة العبرية"، واضعة هذه الخطوة في إطار "انتهاك أبسط مبادئ السيادة اللبنانية، وجعل البلد مشرعاً أمام التدخلات الإسرائيليّة، بسبب أو بدون أي سبب، على خلفية ممارسة الرقابة الأمنية وحق التدخل المباشر، ولو من طرف واحد، دون إنتظار موافقة الطرف الآخر".
(رصد "عروبة 22")