لا يزال "حزب الله" يحاول تكريس معادلة "تلّ أبيب مقابل بيروت" في الميدان حيث وسع من استهدافاته التي طالت عمق إسرائيل، ردًا على المجازر الإسرائيلية فيما يشهد القطاعان الشرقي والغربي من جنوب لبنان اشتباكات حامية ومواجهات ضارية تدور رحاها عند محورين، الأول في بلدة الخيام التي لا تزال تقاوم رغم القصف العنيف، أما في محور شمع - طيرحرفا فيسعى العدو للوصول الى بلدة البياضة الاستراتيجية، كونها منطقة تكشف سهلي صور والناقورة.
وبالتزامن مع الغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت بعد إصدار أوامر إخلاء لـ12 مبنى قصفتهم إسرائيل تباعًا بحجة وجود مقار ومواقع لـ"حزب الله"، يبدو واضحًا أنّ مرحلة جديدة دخلها لبنان وتتمثل بالتدمير الممنهج على وقع سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحقيق "مكاسب" برية تعزز نهج التفاوض "بالنار" وفرض شروطه على الجانب اللبناني.
ورغم "الأجواء" الايجابية التي ينشرها الاعلام العبري عن قرب التوصل لاتفاق ووجود ضوء أخضر، الا أن المعلومات لا تزال متضاربة في هذا الصدد دون أن يكون هناك معطيات حاسمة يمكن الاستناد اليها لتحديد الوجهة المستقبلية، ولكن الثابت الوحيد هو الضغوط الاميركية التي تمارسها إدارة الرئيس جو بايدن لتحقيق مكسب ما قبل مغادرته البيت الابيض.
الضغوط الأميركية على نتنياهو رغم جديتها لم تحقق، حتى الساعة، أهدافها مع استمرار خلق الذرائع ووضع العثرات امام المقترح الاميركي بهدف عرقلة الاتفاق والمماطلة كسباً للوقت الذي يريده رئيس الوزراء الاسرائيلي أن يصب لصالحه. فيما يدفع لبنان والمجتمع الدولي نحو التسوية بعد شهرين من العمليات العسكرية التي خلفت ضحايا وجرحى ودمار هائل قدر خسائره وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام بأنه يتراوح بين 15 الى 20 مليار دولار.
وأمام هذه المستجدات والتهديدات الإسرائيليّة، فضلًا عن التصريحات الأميركيّة الّتي وضعت حداً زمنياً لوساطتها للضغط على طرفي النزاع، حذر مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، من أن لبنان "على شفير الإنهيار"، داعياً إلى "وقف فوري لإطلاق النّار وتطبيق القرار 1701 من الفرقاء جميعهم". واذ أكد أهمية الضغط على اسرائيل و"حزب الله" للقبول بالمقترح الأميركي، أعلن عن "الاستعداد لدعم الجيش اللبناني بمبلغ 200 مليون يورو". يُشار أن بوريل يغادر منصبه نهاية العام الحالي لصالح رئيسة وزراء أستونيا السابقة كايا كالاس، بعد فترة تميزت بانتقاداته اللاذعة لاسرائيل، لاسيما لجهة جرائمها في غزّة.
وبالعودة الى التطورات اللبنانية، نفذ "حزب الله" أمس الأحد، الهجوم الصاروخي الأكبر من نوعه منذ اندلاع المواجهات المباشرة مع إسرائيل في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، واستهدف مناطق شمال ووسط إسرائيل ومدنًا أخرى، وفقًا لما أوردته القناة 13 وإذاعة الجيش الإسرائيلي. وبأكثر من 350 صاروخ رسم الحزب إطاراً جديداً للمعركة وذلك على وقائع استمرار الجرائم الاسرائيليّة بقاعاً وجنوباً وتوالي انذرات الاخلاء لقرى جنوبية يريدها العدو خالية من سكانها. وكان الاحتلال قصف، صباح الأحد، حاجزًا للجيش اللبناني في منطقة العامريّة على طريق صور - الناقورة، ما أدى إلى استشهاد جندي وإصابة 18 آخرين .
وفي تصعيد ضد الدولة اللبنانية، ادعى زعيم حزب "معسكر الدولة" الوزير السّابق بيني غانتس، أن "الحكومة اللبنانية تطلق يد حزب الله". وقال "حان الوقت للعمل بقوّة ضدّ أصولها و اتخاذ الإجراءات الصارمة لضرب ما تبقى من بنية "حزب الله". هذا وكانت صحيفة "معاريف" نقلت عن مراسلها العسكري أن الجيش الإسرائيلي يدرس خيار استهداف مبنى مجلس النواب في بيروت، كخطوةٍ رمزية لإعلان "النصر" والضغط على الحزب سياسيًّا.
الوضع اللبناني لم يحجب الانظار عن الواقع الانساني في غزّة بعد غرق خيم النازحين نتيجة هطول الأمطار. ووسط مناشدات بضرورة توفير الغذاء والتدفئة للعالقين في القطاع المحاصر وخاصة في شماله مع تعمّد الاحتلال منع دخول أي مساعدات لإجبار الاهالي على النزوح، توجه نتنياهو إلى سكان غزة مخيّراً إياهم بين "الحياة" أو "الدمار والموت"، حيث جدّد عرضه المادي بقيمة 5 ملايين دولار لمن يكشف معلومات عن أماكن المحتجزين في القطاع.
في سيّاق مختلف، أعلنت الحكومة الإسرائيليّة العثور على جثة الحاخام الإسرائيلي وعضو حركة "حباد" اليهودية، تسفي كوغان، المفقود منذ الخميس في دولة الإمارات العربية المتحدة. في وقت أكدت أبوظبي القبض على الجناة، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الإماراتية (وام). ولم تكشف السلطات الإماراتية حتى الآن عن ملابسات مقتل كوغان، الذي يُشتبه في أن يكون تعرض للاختطاف قبل القتل، وتحوم الشكوك حول ثلاثة أشخاص يحملون الجنسية الأوزبكية، ممن يُعتقد أنهم على صلة بإيران، بحسب تقارير إعلامية إسرائيليّة.
ولم يغب قرار المحكمة الجنائية الدولية بإعتقال نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت عن تحليلات ومقالات الصحف العربية الصادرة اليوم لجهة أهميته بظل ما تمرّ به المنطقة ولاسيما غزّة ولبنان مع استمرار المجازر الإسرائيليّة والانتهاكات اليومية:
لفتت صحيفة "الدستور" الأردنية إلى أنه "وبصرف النظر عن تنفيذ أمر الاعتقال الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو، أو عدمه، فقد حقق الشعب الفلسطيني إنجازاً جديداً لصالح مستقبله، ووقوع المستعمرة وقياداتها تحت سقف التعرية والعزلة والانكفاء". وقالت: "لم ولن يتمكن الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية المكافحة تحقيق الانتصار بضربة قاضية يوجهها للمستعمرة، بل سيواصل الإنجاز التراكمي لصالح مستقبله في الحرية والاستقلال والعودة".
وفي الإطار عينه، كتبت صحيفة "الجريدة" الكويتية "مع إصدار مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت أثبتت المحكمة بطريقة مقبولة، إلى حدً ما، جديتها والتزامها في محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الدولية الخطيرة بغض النظر عن جنسياتهم أو حصاناتهم الوظيفية"، منوهة بـ "تجاوزها للاتهامات الدولية بالتسييس، وتأثير الدول الغربية عليها لتكون أداة لمعاقبة المتهمين من دول العالم الثالث وخاصة الدول الإفريقية".
أما صحيفة "الشروق" المصرية فأكدت أن "الأثر الرمزي والأخلاقي للقرار الجنائي الدولي لا يمكن تحديه، حتى لو جرى تعطيله بصورة أو أخرى. فهو يؤكد عدالة القضية الفلسطينية وحق شعبها فى اكتساب حريته فوق أرضه"، مشددة على أنه في حال "نُفذت أو لم تُنفذ مذكرتا التوقيف فإنه لا يمكن إلغاء الأثر التاريخي النافذ، إسرائيل دولة "مارقة" تتصور نفسها فوق القانون الدولي ومصانة من أي مساءلة عن جرائم الحرب التي ترتكبها".
بدورها، أوضحت صحيفة "القدس العربي" أن "قرار محكمة الجنايات الدولية هذه المرة من شأنه أن يقلب الموازين ويعيد تشكيل التحالفات الدولية بما يخدم الأمن والسلم الدوليين"، موجهة سلسلة من الأسئلة من بينها "إذا حدث ذلك فسيكون الشرق الأوسط والعالم أكثر أمنا واسترخاء وأقرب ألى منطق العدل والحرّيّة، أليس هذا ما يتطلع إليه عالم القرن الحادي والعشرين؟".
وأعادت صحيفة "الشروق" الجزائرية الحديث عن تداعيات قرار الاحتلال الإسرائيلي بإنهاء عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) الذي رأت فيه "تحولًا خطيرًا في سياق الهجوم الشامل على حقوق الشعب الفلسطيني"، منبهة أن "هذا القرار ليس مجرد إجراء إداري، بل جزء من إستراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد تهدف إلى طمس قضية اللاجئين الفلسطينيين والضغط على المجتمع الدولي لتصفية هذه القضية عبر محو ملامحها السياسية والإنسانية".
الى ذلك، تطرقت صحيفة "الوطن" البحرينية الى التصريحات الايرانية المتضاربة، اذ اعتبرت أن "إيران تسعى إلى معرفة النوايا الفعلية لإدارة (الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد) ترامب، وعلى أساسها ستتحرك نحو التصعيد أو التهدئة". وأضافت: "سيراقب المرشد الأعلى الايراني الخطوات الميدانية لواشنطن في الانسحاب أو التواجد في الشرق الأوسط مع تفاعلات دول الجوار مع الإدارة الجديدة ليقرر وقتها مستوى التصعيد الذي سيقدم عليه سواء بالاستمرار في الحرب بالوكالة والمواجهة مع إسرائيل أو الذهاب إلى رفع الراية البيضاء".
وعن اتفاق التسوية لوقف النار في لبنان والعراقيل الاسرائيليّة، أشارت صحيفة "الخليج" الاماراتية إلى أن "مسألة استبعاد فرنسا من لجنة المراقبة شكلية ويمكن حلها، إلا إذا كانت إسرائيل تريد أن تجعل منها ذريعة للتغطية على قضايا خلافية أخرى"، متسائلة عما "إذا كانت فرنسا ستقف مكتوفة الأيدي، وهي التي تملك أوراقاً كثيرة يمكن أن تلعبها على الصعيدين الثنائي والأوروبي، فهل يمكن أن ترد فرنسا على إسرائيل بخطوات قوية ومؤثرة؟".
(رصد "عروبة 22")