تطغى التطورات السياسيّة والميدانيّة المتسارعة على المشهد اللبناني العام، حيث يسود الترقّب "الحذر" لمعرفة ما ستحمله الساعات أو الأيام القليلة المقبلة بعد "الضخ الايجابي" الذي عكسته الوسائل الاعلامية الإسرائيليّة عن قرب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وتذليل العراقيل أمام المسودة الاميركية بعد تدوير الموفد الاميركي آموس هوشكتاين زواياها.
هذه المستجدات أرست جواً من التفاؤل في صفوف اللبنانيين الذين ينتظرون "بشرى" مع اقتراب موسم الأعياد، التي لطالما جمعت لبنان المُقيم بشقه المغترب وساهمت بدعم الاقتصاد القائم أصلاً على تحويلات المغتربين وقطاع السياحة، على حدٍ سواء. "تباشير الأمل" تزامنت مع مواصلة الاعتداءات الإسرائيليّة وتحديداً في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت، فيما ساحات التوغل البري تغلي وتشتعل، ولاسيما في القطاعين الغربي والشرقي، حيث المواجهات العسكرية على أوجهها بين قوات الاحتلال وعناصر "حزب الله".
وبات معلوماً أن المعارك الميدانية يجهد فيها "حزب الله" لصدّ أي تقدم للقوات الاسرائيليّة التي تعمد الى تفخيخ وتفجير المربعات السكنية وسط قصف جوي عنيف تماماً كما حصل أمس في بلدة الخيام ومحيطها التي يخوض فيها عناصر الحزب مواجهة ضارية مستمرة منذ أكثر من أسبوع، أما بلدة شمع فكانت شاهدة على همجية الاحتلال الذي دمر مئذنة مسجد البلدة مع معلومات، لم تتأكد صحتها، عن تفجيرات طالت قلعة شمع التاريخية.
وفي وقت استأنف فيه الحزب ضرباته على المستوطنات الشماليّة وهاجم تجمعات العدو في أكثر من نقطة، برز كلام المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوغاريك الذي أكد أن الهجمات على الجيش اللبناني تشكل "انتهاكاً صارخاً لقرار مجلس الأمن رقم 1701". هذا وكان الجيش أصدر حصيلة تحدثت عن استشهاد 45 جندياً على الأقل في الاعتداءات التي وقعت مؤخراً وطالت مراكزه وآخرها يوم الأحد الماضي في مدينة صور.
وبالعودة إلى وقف اطلاق النار، نقلت وكالة "رويترز"، عن 4 مصادر لبنانيّة رفيعة المستوى قولهم "نتوقع أن يعلن الرئيسين جو بايدن وايمانويل ماكرون عن وقف إطلاق النار في لبنان في غضون 36 ساعة". في حين حسم البيت الأبيض كل التأويلات بعدما أوضح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، أن "الاتصالات مستمرة لكن لا تطور يمكن الحديث عنه"، مضيفًا "أننا وصلنا إلى نقطة في نقاشاتنا تدفعنا للاعتقاد أن المباحثات تسير بطريق إيجابي جدًا".
من جهتها، علّقت الرئاسة الفرنسية بالقول: "إن المحادثات حققت تقدماً كبيراً، ونواصل العمل مع شركائنا الأميركيين في هذا الاتجاه ونأمل أن تغتنم جميع الأطراف المعنية الفرصة في أقرب وقت". هذا ويجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون السياسية والأمنيّة (الكابينت) اليوم، الثلاثاء، للمصادقة على الاتفاق، وفق ما أورده موقع "والا" العبري، مما يشير إلى تقدم في المفاوضات الجارية رغم التعقيدات التي قد تحول دون الإعلان الرسمي.
وتتضمن مسوّدة اتفاق وقف إطلاق النار فترة انتقالية مدتها 60 يومًا ينسحب خلالها الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، بينما ينتشر الجيش اللبناني في المناطق القريبة من الحدود، وينقل "حزب الله" أسلحته الثقيلة إلى شمال نهر الليطاني. وتتضمن المسوّدة أيضاً لجنة إشرافية بقيادة الولايات المتحدة وعضوية اسرائيل وفرنسا ولبنان و"اليونيفيل" لمراقبة التنفيذ ومعالجة الانتهاكات.
هذه البنود "مُلتبس" بعضها خاصة مع التصريحات الاسرائيليّة عن ضمانات أميركية بحرية الحركة في لبنان، في حال انتهاك الشروط، وعدم الموافقة اللبنانية على مدة الشهرين للانسحاب كما تتجلى النقطة الخلافية الثالثة حول عضوية فرنسا التي "تتحسس" منها اسرائيل، خاصة بعد الخلاف الاخير بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وماكرون، والتصريحات الفرنسية بشأن المحكمة الجنائية الدولية. ووسط معلومات متداولة عن تذليل العقدة الثالثة لوجود رغبة أميركية بأن يكون لباريس دور، لأنها الأكثر قدرة على التواصل مع "حزب الله" وقيادته، ما يجعلها شريكاً ضرورياً في المرحلة المقبلة.
وبالتوازي مع الحديث عن قرب الاتفاق على وقف النار، تصاعدت الأصوات المعترضة عليه من أقطاب اليمين الحاكم والمعارضة الإسرائيليّة، إذ عبر الوزير إيتمار بن غفير عن رفضه الاتفاق مع لبنان، واصفاً إياه بـ"خطأ كبير ويفوّت الفرصة للجم "حزب الله". أما زعيم "معسكر الدولة"، بني غانتس، فشدّد على أن "أي اتفاق يجب أن يمكننا من حرية الحركة وضرب منشآت عسكرية في لبنان".
وفي السيّاق نفسه، تواصل اسرائيل مهاجمة مستودعات "حزب الله" وقياداته في سوريا كما استهداف المعابر الشرعية وغير الشرعية لتضييق الخناق عليه وقطع طرق إمداداه بالأسلحة، حيث أفادت وكالة الأنباء السورية "سانا"، عن هجوم إسرائيلي استهدف جسوراً في منطقة القصير، بريف حمص الغربي. ويأتي ذلك بالتزامن مع إعلان الجيش الإسرائيلي شن هجمات واسعة النطاق في سوريا، استهدفت "الوحدة 4400" في "حزب الله"، "المسؤولة عن نقل السلاح الإيراني من سوريا إلى لبنان"، بما في ذلك اغتيال قائدها محمد جعفر قصير في بيروت، وخليفته علي حسن غريب في دمشق، وعدداً من القادة الكبار فيها، وفق البيان المنشور.
أما في غزّة، فالوضع الانساني يتفاقم سوءاً مع المنخفض الجوي الذي ضرب القطاع وأدى الى غرق خيام النازحين المهترئة اصلاً وسط تحذيرات من كارثة انسانية جديدة مع مواصلة الحصار وشح المساعدات الغذائيّة والطبيّة. وفي هذا الصدد، قالت المتحدثة الرسمية باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) لويز ووتريدج، إن "الوضع في قطاع غزّة أسوأ من أي وقت مضى، والناس يتصارعون للحصول على قطع الخبز". في المقابل، ذكرت صحيفة "هآرتس" أن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش دعا إلى خفض عدد سكان غزّة إلى النصف من خلال تشجيع الهجرة الطوعية، وذلك لتسهيل السيطرة على القطاع بشكل كامل.
وركزت الصحف العربية الصادرة اليوم بمعظمها على اتفاق وقف النار في لبنان وتداعياته، إذ:
تناولت صحيفة "الخليج" الإماراتية مساعي وقف النار في لبنان، حيث شددت على أن ما "يواجهه هوكشتاين ومفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ليس في بيروت، إنما في تل أبيب، مع مماطلة نتنياهو ووضع الشروط، وتصعيد اعتداءاته واستهداف المدنيين". وخلصت إلى أننا "أمام دوامة من المفاوضات العقيمة، إلا إذا اقتنع نتنياهو بأنه لن يتمكن من تحقيق أهدافه، وتخلى عن عناده بربط الحرب بمصيره السياسي".
من جهتها، أشارت صحيفة "عكاظ" السعودية إلى أن "إسرائيل مستعدة لوقف الحرب على جبهة جنوب لبنان، بأي ثمن. لكن معركتها الأساسية في حقيقة الأمر على جبهة غزّة، لتتمكن من الناحية الاستراتيجية من الاستيلاء على كامل فلسطين التاريخية". وقالت: "إذا انتصرت إسرائيل على جبهةِ غزّة وتمكّنت من وأد الانتفاضة في الضفة الغربية، فإن هذا كل ما تريده، ليفشل مشروع الدولتين، للأبد".
ورأت صحيفة "الراي" الكويتية أنه اذا كان مسار "إبرام الاتفاق المتعلق بوقف اطلاق النار رهناً بموافقة المجلس الوزاري المصغّر الاسرائيلي عليه ثم ردّ لبنان، فإن هذا ينطوي على ما يدعو إلى الإبقاء على الحذر من أي إفراطٍ في التفاؤل"، محذرة من "فخاً تريد عبره تل أبيب وضع بيروت أمام أمرٍ واقعٍ من خلال تظهير أنها في موقع من سهّل وتبنّى الاتفاق وأن لبنان يتحمّل تبعات ما سيحلّ ولاسيما في الميدان".
أما صحيفة "اللواء" اللبنانية، فنبهت بأنه من "السابق لأوانه التسليم بالوعود الاميركية، وما نسمعه من الجانب الإسرائيلي، قبل أن نرى خطوات عملية على الأرض تتجاوز التوقيع"، مؤكدة "انعدام الثقة بمواقف نتنياهو، المعروف بمناوراته الخبيثة، والتي ظهرت بعض فصولها الدرامية في مفاوضات الدوحة للتوصل إلى صفقة لإطلاق الرهائن ووقف الحرب في غزّة".
الى ذلك، اعتبرت صحيفة "الوطن" البحرينية أن "5 ميليشيات إيرانية في 5 دول عربية عليها أن تحسم أمرها في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزّة، وتقرر قرارها بالقبول بتسليم سلاحها للدولة، أفضل لها من أن تماطل بانتظار أن يقرر النظام الإيراني مصيرها وفقاً لمصالح دولته". وأضافت: "القوى السياسية الموجودة على الساحة في تلك الدول العربية تفاوض تلك الميليشيات لإقناعها بتسليم السلاح والعودة للدولة بدلاً من المماطلة لصالح استقرار الدولة والمنطقة بل حتى لصالح الميليشيات وما تبقى منها".
وسلطت صحيفة "الغد" الأردنية الضوء على "المعايير الأميركية التي تعتمد الازدواجية، وباتت أسلوبًا مُتبعًا في كل القضايا المصيرية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، أو دول العالم الأُخرى بشكل عام"، موضحة أن "مُذكرة الاعتقال بحق نتنياهو، تضع العالم الغربي (المُتحضر)، الذي يصف نفسه بأنه أب للحُريات والديمقراطية والعدالة، بين خيارين، أحلاهما مر، فإما أن يسرف ويمُعن بمواصلة الدعم والمساعدة لكيان وحشي غاصب، أو ينسلّ رويدًا رويدًا من ذلك الدعم، خصوصاً أن هامش المُراوغة بدأ يضيق".
وفي إطار مختلف، تحدثت صحيفة "الأهرام" المصرية عن الأوضاع في السودان، حيث "أن المشهد الحالي أُفقه مسدود، رغم الجهود الدولية، وما لم تتفق الأطراف المتحاربة على وقف التصعيد، فإن المعارك التي وصلت إلى الخرطوم ودارفور ستستمر، بينما يظل المدنيون أكبر ضحايا هذا النزاع"، لافتة إلى أن "هناك دعوات للحل تسعى الدول الإقليمية، خاصة العربية، إلى التوسط بين الأطراف، ولكن الانقسامات العميقة تجعل الوصول إلى تسوية أمراً بالغ الصعوبة".
(رصد "عروبة 22")