دخل لبنان "اليوم التالي" بعد سريان وقف إطلاق النار عند الساعة الرابعة من فجر اليوم، الأربعاء. عامٌ ونيّف من المواجهات المفتوحة عند الحدود الشمالية بين "حزب الله" واسرائيل وشهرين من الحرب التدميرية التي حولت قرى وبلدات لبنانية الى ركام مخلّفة خسائر بشرية واقتصادية واجتماعية ستلقي بثقلها، خصوصاً مع استمرار الأزمة السياسية والشغور الرئاسي منذ أكثر من عامين.
أسئلة وعلامات استفهام كثيرة ستكون موضع نقاش في المرحلة المقبلة، لاسيما ما يتعلق بسلاح "حزب الله" ودوره بالتفرّد بقرار الحرب والسلم، خصوصاً أن معضلة "الجيش والشعب والمقاومة" ستكون مدار خلاف مع رفض معظم اللبنانيين أن يبقى بلدهم ساحة مفتوحة لإيران ومخططاتها التوسعية في المنطقة العربية.
وعليه، بدأت مرحلة "الهدنة" رسمياً في لبنان وفق مقترح أميركي ودعم فرنسي عكسه البيان المشترك الصادر عن الجانبين. أسبابٌ كثيرة أملت وصول الأمور إلى خواتيم إيجابية، منها ما هو علني وآخر سري يتعلق بالـ"مكافآت" التي سيحصل عليها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الادارة الأميركية، ولاسيما في مجال التسليح كما توفير الغطاء المناسب لرفض تنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية بعد إصدارها مذكرة اعتقال بحقه. الى جانب ما يُشاع عن اطلاق يد نتنياهو لتنفيذ مخططاته الاستيطانية في الضفة الغربية كما دعمه في حربه المستمرة ضد حركة "حماس" لإضعافها.
وفي سيّاق إعلانه عن موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار في لبنان، حدّد نتنياهو 3 أهداف رئيسية. أولها "التركيز على التهديد الإيراني" الذي يعتبره التهديد الرئيسي لإسرائيل. ثانيًا، "إعادة تنشيط القوات" والتغلب على القيود المفروضة على توريد الأسلحة، أما ثالثاً، فهو فصل جبهة غزّة عن جبهة لبنان" و"عزل" حماس نهائياً.
وبينما أكد أننا "سنرد بقوة على أي محاولة من "حزب الله" لإعادة التسلح، كما سنحافظ على حريتنا العسكرية الكاملة إذا تحرك "حزب الله" ضدنا". نشرت وسائل اعلامية إسرائيليّة نص ورقة الضمانات الأميركية الجانبية، والتي تتلخص بحق اسرائيل بالتحرك والرد على أي تهديد قادم من الأراضي اللبنانية والالتزام بكبح أنشطة إيران المزعزعة في لبنان، بما في ذلك منع نقل الأسلحة أو أي دعم من طهران.
هذا ورحب الجانب اللبناني بالقرار الذي من المفترض أن يناقش خلال جلسة مجلس الوزراء التي ستنعقد صباح اليوم في السراي الحكومي. وقد استبقت اسرائيل هذا الاعلان بتصعيد ميداني على مختلف المناطق اللبنانية. فلأول مرة، أطلق المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، تحذيرات لسكان العاصمة بيروت، ما أدى الى حالة من الفوضى والبلبلة وحركة نزوح كبيرة.
وشملت الغارات الإسرائيليّة المكثفة خلال الساعات الأخيرة عدة قرى وبلدات جنوبية، كما نفذت المسيرات سلسلة استهدافات طالت مناطق للمرة الأولى، في قلب بيروت الإدارية، موقعة عدد من الشهداء والجرحى خاصة أن بعضها أتى دون تحذير أو إنذار. وبلغ عدد المواقع المستهدفة في بيروت وضاحيتها نحو 180 هدفًا خلال الأربعة وعشرين ساعة الأخيرة، بحسب بيان الجيش الإسرائيلي.
وقبل التصعيد الجنوني الليلي، استهدفت الطائرات الإسرائيليّة دون إنذار منطقة النويري ببيروت، مدمرةً مبنى سكني بالكامل، ليكون الهجوم الثامن على العاصمة منذ بدء المواجهات في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي. من جهة آخرى، قُتل عنصران من القوات السورية، في قصف إسرائيلي استهدف معابر حدودية بين لبنان وسوريا، وهي العريضة في ريف طرطوس للمرة الأولى، والدبوسية وجوسيه في ريف حمص. واستهدفت الغارات كذلك معابر غير رسمية في وادي خالد و3 جسور على نهر الكبير الفاصل بين الحدود السورية واللبنانية. ومنذ بداية التصعيد، استهدفت إسرائيل المعابر الحدودية بين البلدين 36 مرة، بحسب تقرير "المرصد السوري لحقوق الإنسان".
وفي المواقف السياسية، لفت الرئيس بايدن إلى أنّه "لن تكون هناك قوات أميركية في جنوب لبنان والغرض من الاتفاق أن يكون وقفاً دائماً للأعمال القتالية"، مؤكداً أنّ إسرائيل "تملك حق الدفاع عن نفسها، في حال خرق "حزب الله الاتفاق". واعتبر أنّ "الاتفاق "يدعم سيادة لبنان ويشكل بداية جديدة لهذا البلد ويقود شعبه لمستقبل ينعم فيه بالسلام"، مؤكداً أنّ "اميركا ستقدم المساعدات المطلوبة لضمان تنفيذ الاتفاق".
أما البيان المشترك بين بايدن والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، فقد شدد على "أن الإعلان اليوم سيوقف القتال ويحمي إسرائيل من تهديد "حزب الله" والمنظمات الإرهابية الأخرى العاملة من لبنان". كما جرى التأكيد أن هذا الاتفاق من شأنه أن "يوفر الظروف اللازمة لاستعادة الهدوء الدائم والسماح للسكان في البلدين بالعودة بأمان إلى منازلهم على جانبي الخط الأزرق".
وفي هذا الإطار، علمت "الشرق الأوسط" أن اللجنة الخماسية التي تقودها الولايات المتحدة، وتضم أيضاً فرنسا بالإضافة إلى لبنان وإسرائيل و"اليونيفيل"، ستُشرف على تنفيذ عمليات إخلاء "حزب الله" من مناطق الجنوب "على 3 مراحل تتألف كل منها من 20 يوماً، على أن تبدأ الأولى من القطاع الغربي". في موازاة ذلك، أشارت "يسرائيل هيوم" إلى، أنّه وفي اطار الاشراف على تنفيذ الاتفاق، "سيتمركز في المنطقة جنرال أميركي وسيتم إنشاء مركزي مراقبة لغرض التحرك أحدهما في بيروت والآخر في صفد".
وعلى صعيد غزّة، يتوجه وفد أمني مصري إلى تل أبيب، في الساعات المقبلة، لإجراء محادثات مع مسؤولين إسرائيليين حول صفقة تبادل الأسرى، بحسب ما أفادت صحيفة "العربي الجديد". ووفقاً للتقرير، يضم الوفد مسؤولين من جهاز المخابرات العامة المصرية ويهدف إلى مناقشة مقترحات تتعلق بإدارة القطاع بعد وقف الحرب.
ومع استمرار المجازر الاسرائيليّة والابادة الجماعية بحق سكان القطاع، اعتبرت "لجنة التحقيق المدنية في كارثة 7 أكتوبر"، التي تشكلت في إسرائيل، أن نتنياهو، مسؤول بقدر بالغ عن القرار بعدم توجيه ضربة استباقية لـ"حماس"، وعن تجاهل التحذيرات". ويأتي ذلك على ضوء استمرار التظاهرات المطالبة بعقد صفقة فوراً مع "حماس" وتبادل الأسرى.
على المقلب الآخر، تجري إيران محادثات بشأن برنامجها النووي مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا، يوم الجمعة المقبل في جنيف، بعد أسبوع من قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي انتقد عدم تعاون طهران.
وفي جولة اليوم على الصحف العربية التي ركزت بمعظمها على الحدث اللبناني مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، حيث:
أشارت "الخليج" الإماراتية، في مقال، إلى أنه "ثمة تحديات كثيرة ينتظرها لبنان خاصة بعد نهاية الحرب القائمة، منها مالية واقتصادية ومنها اجتماعية وسياسية، وصولاً إلى طبيعة النظام الذي يمكن أن يرسو الوضع عليه"، مؤكدة أن هناك "تحديات ذات مخاطر عالية بعضها يتصل بكيانه ووجوده كنظام ودولة في النظام الإقليمي الذي يمكن أن ينشأ في منطقة تعج بالمشاريع التي لا قدرة لدولها على أن يكون لها رأي فيها، وهو ما ينذر بتحديات أكثر خطورة".
من جهتها، كتبت صحيفة "الراية" القطرية، تحت عنوان "هدنة أم سلام؟"، "ومع تحمّل المدنيين العبء الأكبر، واستمرار الانقسامات الطائفية، تزداد هشاشة دول مثل لبنان، الذي يقف على حافة الانهيار"، مشددة على أن "السلام الحقيقي لا ينبع من هدنة تفرضها الطبيعة أو حسابات سياسية مؤقتة. السلام يتطلب قرارات جريئة وغير مريحة، وإرادة حقيقية لمواجهة الحقائق المؤلمة".
أما صحيفة "الراي" الكويتية، فلفتت إلى أن "الموافقة على قرار الأمم المتحدة الرقم 1701، يسمح لـ"حزب الله" بتجنب صراع شامل من شأنه أن يزعزع استقرار لبنان من دون التضحية بقدرته على مقاومة إسرائيل"، معتبرة أنه "ما دامت إسرائيل موجودة على حدوده وتتمتع بأطماع توسعية وتمتلك ترسانة أسلحة ضخمة ودعم دولي يغطي جرائمها ويمنع تمكين الجيش بأسلحة ردعية، فإن الاستقرار الدائم بعيد عن لبنان".
وقالت صحيفة "اللواء" اللبنانية إنه "وبقدر ما أدت هذه التسوية إلى إنقاذ المنظومة السياسية من حالة الإرباك والعجز التي هيمنت على الوضع السياسي برمته طوال فترة الحرب، فإنها في الوقت نفسه ضاعفت مسؤولية أهل السلطة والسياسة في القيام بواجبات لبنان في هذه التسوية التي عومّت القرار 1701"، موضحة أنه "وفي حال تخلف لبنان عن القيام بإلتزاماته، يُكرْس تصنيفه كدولة فاشلة، لا تنفع معها عمليات الإنعاش الطبيعي ولا الإصطناعي".
ومن وجهة نظر صحيفة "عُمان" العمانية، فإن "المشهد السياسي في اسرائيل هو مشهد مرتبك، ونتنياهو يبحث عن طريق إنقاذ من السقطات والكوارث العسكرية والاقتصادية والسياسية التي تجمعت عليه". وأضافت: "سقوط نتنياهو هي مسألة وقت، كما أن صدور مذكرة التوقيف الدولية من محكمة الجنايات الدولية والمداولات الأخرى في محكمة العدل الدولية قد أحكمت الخناق عليه وعلى حكومته المتطرفة".
بدورها، دعت صحيفة "الدستور" الأردنية الى "مساءلة الاحتلال ومحاسبته على جرائمه وانتهاكاته وإرهاب مستعمريه"، مطالبة "المجتمع الدولي بالتدخل ورفع الحصار عن قطاع غزّة، ما يتيح الدخول المستمر للطعام والماء والوقود والمساعدات الطبية والإنسانية، كما أهمية العمل من قبل مجلس الأمن لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وإحقاق حقوقه وخاصة في تقرير المصير والاستقلال والعودة للاجئين إلى ديارهم".
(رصد "عروبة 22")