تتسابق الأحداث في لبنان وسوريا فيما ملف غزّة يبقى عُقدة العقد مع محاولات لإحياء فرص المفاوضات والوصول لتسوية تمنح الفلسطينيين بعض الأمل مع مرور أكثر من عام كامل على القتال. واذ يبدو أن المنطقة برمتها تنتظر وصول الرئيس المُنتخب دونالد ترامب الذي سيدخل البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير المقبل، تشتعل الملفات والقضايا في منطقة الشرق الأوسط العائمة على بحرٍ من الدم والصراعات والتدخلات الخارجية.
فوعود ترامب لإحلال السلام المزعوم باتت محل نقاش وتساؤل، لاسيما بعد الخروقات الإسرائيليّة المتواصلة لاتفاق وقف النار في لبنان منذ اللحظة الأولى لسريان العمل به وسط مخاوف جدية من انهيار الهدنة ودخول البلاد في أتون النفق المظلم وهو ما لا تريده كافة الاطراف اللبنانية ولا الدول الراعية للاتفاق، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.
هذا وتجذب سوريا الاهتمام العربي والدولي لتقاطع مصالح عدة دول على أراضيها وذلك بعد التقدم الميداني المستمر للجماعات السورية المسلحة المناهضة للرئيس بشار الأسد، الذي أخمد ثورة شعبية انطلقت ضده بمساعدة الروس والايرانيين وتحديداً ميليشياتها المسلحة العراقية منها كما اللبنانية المتمثلة بـ"حزب الله"، الذي رغم انشغاله بما يحدث في لبنان يرصد بحذر ما يجري في دمشق من مستجدات، خاصة أنها تعتبر الخط الأول لمدّه بالأسلحة والعتاد.
وإزاء هذه المعطيات تقف المنطقة على فوهة بركان مع تفجر قضاياها وما يخلفه ذلك على المستويات الاقتصادية والحياتية. ففي سوريا، يمكن اختصار المشهد بحصد الفصائل المسلحة المزيد من "الإنجازات" الميدانية، حيث وللمرة الأولى منذ اندلاع النزاع في العام 2011، أصبحت حلب بأكملها خارج سيطرة قوات النظام بعد سيطرة الفصائل على كلّ الأحياء بما فيها مطار النيرب العسكري، المجاور لمطار حلب المدني الدولي.
ورداً على ذلك، شنّ الطيران السوري والروسي غارات عنيفة ودموية على مناطق سيطرت الفصائل، في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، وفي حلب أيضاً، ما أسفر عن سقوط عدد كبير من المدنيين، بينهم أطفال ونساء. توزاياً واصلت فصائل الجيش الوطني المدعوم من تركيا، السيطرة على القرى المتبقية تحت سيطرة الوحدات الكردية وقوات النظام، في ريف حلب الشمالي، وتحديداً في محيط مدينة تل رفعت التي سيطرت عليها سابقاً.
سياسياً، قال الكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان ناقشا الأوضاع في سوريا، حيث أعربا في بيان "عن دعمهما غير المشروط لإجراءات السلطات الشرعية في سوريا، لاستعادة النظام الدستوري والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة السورية". وفي أحدث التطورات ايضاً، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إنه من المحتمل أن تحتضن الدوحة الأسبوع المقبل اجتماعا يضم قطر وايران وتركيا وروسيا لبحث الوضع بسوريا في إطار عملية أستانا. ويتزامن هذا التصريح مع جلسة يعقدها مجلس الأمن الدولي بشأن الأوضاع في سوريا اليوم، الثلاثاء.
وعلى المقلب اللبناني الذي يسير بين الأشواك بعد "سقوط" اتفاق وقف النار وعودة الغارات والقصف الاسرائيلي لساعات معدودات، وذلك رداً على استهداف "حزب الله" موقع رويسات العلم التابع لجيش العدو الإسرائيلي في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة. وقد استغل العدو، الذي خرق الاتفاق 74 مرة، هذه الحادثة ليشنّ سلسلة من الغارات الجويّة العنيفة على مناطق جنوبية وبقاعية مختلفة موقعاً 12 شهيداً وعدد من الجرحى وسط حالة مكثفة من النزوح التي شهدتها القرى والبلدات الجنوبية.
ووضع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ما جرى بأنه "يشكل انتهاكاً خطيراً لوقف إطلاق النار، وأن إسرائيل سترد على ذلك بالقوة". وأكد التصميم "على مواصلة فرض وقف إطلاق النار والرد على أي انتهاك من جانب "حزب الله" سواء كان صغيراً أو خطيراً". بينما نقلت "هيئة البثّ الإسرائيليّة"، أن تل أبيب أبلغت واشنطن نيّتها تنفيذ سلسلة هجمات في لبنان رداً على إطلاق "حزب الله" صواريخ.
وكان موقع "أكسيوس" نقل عن مصادر إشارتها إلى أن الإدارة الأمريكية أعربت سرًّا للإسرائيليين عن قلقها من احتمال انهيار وقف إطلاق النار، وقالت إن هوكشتاين نقل لإسرائيل قلقه بشأن ضرباتها المستمرة في لبنان. وهو موقفٌ يناقض مما جاء على لسان المتحدث الرسمي بإسم وزارة الخارجية الأميركية الذي وصف الإتفاق بـ"الناجح"، قائلاً: "نحن توقعنا وجود اختراقات في وقف إطلاق النار وهناك آلية للنظر فيها".
وبالتالي ستكون الأيام المقبلة هي الميزان والفصل سواء بسقوط التسوية بالضربة القاضية وما سيترتب عن ذلك من تداعيات أو صمود وقف النار، خاصة أن اللجنة الخماسية ستباشر رسمياً عملها بانتظار وصول المندوب الفرنسي غداً الأربعاء، حيث من المتوقع بعد اكتمال عقدها من مباشرة التنسيق مع الجانب الإسرائيليّ فورًا، وحثّه على وقف خروقاته.
ولم تغب قضية غزّة عن الإطار العام، وذلك على ضوء التهديد الذي أطلقه الرئيس ترامب الذي أعطى حركة "حماس" مدة 50 يوماً، أي قبل موعد توليه منصبه، لاطلاق سراح الرهائن المحتجزين لديها، وإلا "فسيكون هناك جحيم يُدفع ثمنه في الشرق الأوسط". وترافق ذلك مع الرسالة التي وجهتها "حماس" لنتنياهو وقالت فيها إن 33 رهينة قُتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب استمرار الحرب.
على خط موازٍ، ترافقت تأكيدات مصر على رفضها البقاء الإسرائيلي في الجانب الفلسطيني من "معبر رفح" الحدودي مع قطاع غزة و"محور فيلادلفيا"، مع مساعٍ حثيثة تبذلها بالتعاون مع الولايات المتحدة لإنهاء الحرب وسط أحاديث إسرائيليّة بشأن إبرام هدنة بالقطاع "قريباً" بعد ازدياد الضغط على نتنياهو من قبل عائلات الأسرى.
وضمن الجولة اليومية على الصحف العربية الصادرة التي ركزت بمعظمها على ما يجري في سوريا من أحداث متسارعة:
تحت عنوان "الارهاب مجدداً"، كتبت صحيفة "الخليج" الاماراتية قائلة "إن ما يجري في سوريا ليس مجرد عاصفة في فنجان، إنه جزء من محاولة جديدة لخلط الأوراق في المنطقة، وقد تزداد خطراً إذا ما اتسعت لتشمل جنوب سوريا المحاذي لفلسطين المحتلة". وتابعت: "هناك خطر فعلي ليس على سوريا فقط، بل على كل المنطقة العربية من عودة الإرهاب مجدداً ولكن وفق أجندة جديدة تخدم مشاريع التقسيم ورسم خرائط جديدة تصب في مخطط "الشرق الأوسط الجديد".
واعتبرت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "سوريا المنهكة الممزقة لم تكن بحاجة إلى مزيد من المتاعب، فهي منذ اندلاع خريف الخراب العربي أرض مستباحة وساحة تنافس بين الدول الإقليمية والكبرى، على حساب المواطن السوري وحياته وأمنه". وأضافت: "حلقة جديدة مقلقة بدأت فصولها في حلب بشكل مريب وفي وقت شديد الخطورة، وكأنها خطوة لضمان استمرار التوتر والأزمات في المنطقة العربية بشكل دائم".
من جهتها، رأت صحيفة "القدس" أن "ما يحدث اليوم ليس مجرد تصعيد عابر أو مجموعة من الأحداث المنفصلة، بل هو امتداد لرؤية استراتيجية أمريكية إسرائيلية متشابكة تسعى إلى تفتيت الدول وتحويلها إلى كيانات هشة وغير قادرة على مقاومة الهيمنة"، مشددة على أن "هذه الرؤية ليست وليدة اللحظة، بل ترسخت مع إعلان الولايات المتحدة وإسرائيل عن مشاريع سابقة مثل ما سمي بالربيع العربي، وما اعلنته قبل ذلك بعقدين كونداليزا رايس بخصوص الشرق الأوسط الجديد والفوضى المنظمة ومن ثم "صفقة القرن".
وتناولت صحيفة "الغد" الأردنية ما يجري من أحداث في المنطقة العربية بعد أحداث "طوفان الأقصى" والتي "كانت نقطة البداية لتغيرات جوهرية ستطال المنطقة برمتها"، مشيرة إلى "أن المعركة التي ابتدأت من غزة وغدت الآن في حلب ولاحقاً سورية كلها والعراق واليمن ما تزال بعيدة تماماً عن التسويات وإن هناك الكثير من التغيرات غير المقروءة حتى اللحظة، والتي لا يمكن التنبؤ بها بدقة، بالتالي فإن الموعد مع الدم ما زال مفتوحاً إلى أجل غير مسمى".
وفي هذا الصدّد، أوضحت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "إيران وروسيا طرفان رئيسيان في الأزمة السورية منذ بدايتها، ولكل منهما مصالحه ومآربه وأهدافه، ولكن إسرائيل وأمريكا لا يمكن إلا أن يكونا أطرافاً فاعلة ولو من خلف الستار ولهما مصالحهما وأهدافهما أيضاً"، مؤكدة أن "ترك القضية في الملعب الإقليمي والدولي فقط لن يعود بالخير لا على سوريا ولا على الدول المجاورة ولا على الأمة العربية وربما يؤدي إلى تفتيتها وتقسيمها وإعادة ترتيب المنطقة برمتها".
وفي الشق اللبناني، تطرقت صحيفة "القدس العربي" لما يجري، فمن وجهة نظرها، فإن "الرد الإسرائيلي يعكس استعداداً للذهاب أبعد في الخروقات، وبالتالي وضع الاتفاق أمام اختبار عسير". وقالت: "المرغوب إسرائيلياً تحويل الاتفاق إلى وقف إطلاق نار من طرف واحد: "حزب الله". وبالتالي، التحضير لاستمرار احتلال القرى الجنوبية الحدودية المنكوبة ومنع أبنائها من العودة إليها واستمرار القصف لمواقع للحزب بوتيرة تزيد حيناً وتنخفض حيناً آخر".
(رصد "عروبة 22")