على الرغم من تراجع وتيرة الإستهدافات الاسرائيليّة في سوريا مؤخراً، إلا أن المعطيات اليومية تشي بأن تل أبيب تمضي قدماً بتنفيذ سياسة "خنق" خطوط إمداد "حزب الله" العسكرية وعدم السماح بإعادة تسليحه مجدداً. ومن هنا فهي تعلن مجاهرة إلتزامها اتفاق وقف النار، الذي دخل حيّز التنفيذ في لبنان الأسبوع الماضي، ولكن مع احتفاظها بهامش الحرية لقصف أي تحركات تعتبرها مشبوهة سواء في لبنان أو في سوريا وسط "مخاوف" عراقية جدية من جرّ البلاد نحو أتون هذه الفوضى لارتباطاتها الجغرافية والسياسية.
واذا كانت وحدة المسار والمصير لطالما ربطت بين لبنان وسوريا، فإن الوقائع اليوم تؤكد بأن هناك تغيراً في موازين القوى في المنطقة وأن طهران أكثر من يراقب بحذر وتوجس ما يجري من الناقورة اللبنانية حتى دير الزور السورية وصولاً الى قطاع غزّة، حيث أن المشترك بين هذه الدول الثلاث، التي تشهد عدواناً اسرائيلياً، هو التمدّد الايراني الذي لطالما فاخرت به طهران في تصريحات مسؤوليها.
من هذا المنطلق، كان تصريح الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم الذي تحدث عن "انتصار يفوق ما تحقق في العام 2006"، حيث أن الحزب يعتبر أن عملية شطبه من الحياة السياسية باء بالفشل وأنه حافظ على وجوده رغم كل الضربات التي تلقاها ولهذا يسعى الى التأكيد على انخراطه في الحياة السياسية اللبنانية الى جانب "عمل المقاومة".
وفي آخر التفاصيل، تخيّم حالة التوتر على لبنان مع مواصلة اسرائيل خروقاتها واعتداءاتها اليومية لاتفاق وقف النار، بظل مساعي وجهود حثيثية داخلية وخارجية لمنع تدهور الأوضاع وعودة الحرب. في حين يستكمل الجيش اللبناني انتشاره في الجنوب مع بدء انسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى التي دخلها بإنتظار انعقاد "اللجنة الخماسية" التي تضطلع بمراقبة اتفاق وقف النار، حيث من المتوقع ان تباشر مهامها في الساعات المقبلة، تزامناً مع وصول وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو إلى بيروت.
وكان الملف اللبناني بتطوراته ومستجداته حاضراً خلال اللقاء الذي جمع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث، بحسب البيان المشترك، "أكّدا أنّهما سيواصلان الجهود الدبلوماسيّة لتعزيز وقف إطلاق النار بين إسرائيل و لبنان". كما شددا على ضرورة "إجراء انتخابات رئاسيّة في لبنان، بهدف جمع اللبنانيين وإجراء الإصلاحات اللازمة لاستقرار البلاد وأمنها".
وعلى المقلب السوري، تستمر الاعتداءات الاسرائيليّة وعمليات الاغتيال "المحددة"، حيث أعلن جيش الإحتلال عن اغتيال سلمان نمر جمعة، الذي وصفه بأنه "موفد "حزب الله" لدى الجيش السوري"، وذلك في هجوم جوي استهدفه في ريف العاصمة السورية، دمشق. ويأتي ذلك على وقع موافقة المستوى السياسي في إسرائيل، على تكثيف الضربات الجوية عند الحدود السورية - اللبنانية، بحسب ما أوردته وسائل الإعلام الإسرائيليّة.
ووفق إحصائية صادرة عن مركز "حرمون" للدارسات، فإن إسرائيل نفّذت 54 ضربة موزعة على 6 محافظات، خلال شهر واحد فقط (من تاريخ 15 تشرين الأول/ أكتوبر وحتى 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2024). مؤشرات خطيرة ترسم ملامح المرحلة المقبلة في سوريا التي بالتزامن مع الضربات الاسرائيليّة تشهد تطورات ميدانية متسارعة بعد سيطرت الفصائل السورية المسلحة على كامل حلب وريفها وسط معلومات ميدانية بأنهم باتوا "على أبواب" محافظة حماة وسط سوريا.
بموازاة ذلك، أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، خلال تصريحات صحافية، أن بلاده "ستدرس إمكانية إرسال قوات إلى سوريا إذا طلبت دمشق ذلك"، محذراً من أن "تمدّد" ما وصفها بـ"المجموعات المسلحة" في سوريا "ربما يضرّ بالدول" المجاورة، مثل العراق والأردن وتركيا أكثر من إيران. وكان الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان بحثا الأوضاع في سوريا. وبحسب الكرملين، فإن "بوتين شدد على ضرورة إنهاء العدوان الإرهابي لجماعات متطرفة على الدولة السورية بسرعة". بينما أكد أردوغان، من جانبه، دعم تركيا لوحدة الأراضي السورية مع تأكيده "أهمية فتح مساحة أكبر للدبلوماسية في المنطقة، وضرورة انخراط النظام السوري في عملية الحل السياسي في هذه المرحلة".
وفي السيّاق، شهدت أروقة مجلس الأمن الدولي اشتباكاً كلامياً بين مندوبي الولايات المتحدة وروسيا على خلفية الأوضاع في سوريا، إذ اتهمت كل منهما الأخرى بدعم "الإرهاب". بدوره، نبه مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، من أن الأوضاع "خطيرة ومتغيرة"، مضيفاً أن هناك "مساحات شاسعة من البلاد تخضع لسيطرة أطراف من غير الدول، وأن الوضع قد يؤدي إلى عودة ظهور تنظيم "داعش".
أما تطورات المشهد في غزّة مع دخول اليوم الـ425 للعدوان الاسرائيلي، فيمكن إيجازها بإستمرار الدفع نحو مفاوضات وخلاصات تقضي بوقف الحرب واطلاق سراح الرهائن، إلا أن ما يجري على أرض الواقع لا يوحي بنية قريبة للانسحاب. وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، قد كشفت، عن بناء الجيش الإسرائيلي قواعد عسكرية وهدم المباني الفلسطينية، في خطوة تشير إلى أن تل أبيب قد تستعد لممارسة سيطرة طويلة الأمد على المنطقة.
ومع اشتداد القصف على شمالي القطاع، خاصة على بيت لاهيا، وذلك بعد غارات عنيفة على دير البلح ورفح، ومدينة غزة، وخانيونس أسفرت عن 35 شهيداً، كشف مصدر فلسطيني مطلع في تصريحات لـ"الشرق الأوسط"، عن أن "حركتي "فتح" و"حماس" اتفقتا بشكل مبدئي عقب سلسلة اجتماعات بالقاهرة، على تشكيل لجنة تحمل اسم الإسناد المجتمعي ستكون معنية بإدارة قطاع غزّة في اليوم التالي لانتهاء الحرب".
ولا تزال الأوضاع السورية تشكل محور اهتمام وعناوين الصحف العربية الصادرة اليوم. وأبرز ما جاء فيها:
سلطت صحيفة "عكاظ" السعودية الضوء على ما يجري في مدينة حلب، إذ رأت أن "هذه المرة مختلفة عن السابقة؛ فسيطرة "هيئة تحرير الشام" ليست مجرد احتلال لأحياء معزولة، بل هي سيطرة كاملة على المدينة، مدعومة بتحولات عسكرية وإستراتيجية كبيرة"، معتبرة أن "المشهد في حلب وسوريا عمومًا يعكس تحولات عميقة في موازين القوى، حيث أصبح الداعمون الرئيسيون للحكومة السورية منشغلين بقضاياهم الخاصة، مما أضعف من قدرتها (الحكومة السورية) على استعادة المناطق التي فقدتها".
الموقف عينه تبنته صحيفة "الراية" القطرية التي أوضحت أن "نظام الأسد اعتمد طويلًا على دعم حلفائه، لكن المشهد تغير بشكل ملحوظ ما جعل قوات النظام مكشوفة، وغير قادرة على مواجهة الهجوم الواسع الذي تقوده المعارضة". وخلصت إلى أن "التحديات التي تواجه المعارضة ضخمة، خاصة في الحفاظ على وحدة الصفوف وصياغة رؤية سياسية جامعة تتجاوز العمل العسكري. أما النظام، فإن فشله في استعادة السيطرة على حلب سيترك أثرًا كبيرًا على قدرته على البقاء"، على حدّ تعبيرها.
أما صحيفة "الراي" الكويتية، فوضعت ما يحصل في سوريا بخانة "تعدد المصالح في وقت يُسمح لحلفاء دمشق بطرح واقع جديد على (الرئيس السوري بشار) الأسد". وأضافت: "المفاوضات لن تبدأ إلا حين يصطدم الطرفان عسكرياً على الأرض ويتحدد حجم قوة كل طرف وإمكاناته العسكرية التي تَفرض شكل التفاوض والشروط المتبادلة. وهذا يعني أن صوت الحرب لم ينته بعد في بلاد الشام التي يبدو أنها تتجه نحو التقسيم الطويل الأمد، عدا المفاجآت غير المتوقَّعة".
ونبهت صحيفة "الأهرام" المصرية بأن "الوضع في حلب، يعكس تحديات كبيرة تواجهها سوريا، ليس فقط من قوى المعارضة الداخلية، بل أيضا هناك ضغوط إقليمية ودولية، تتشابك مع المصالح الكبرى في المنطقة". وتابعت: "وفيما تسعى دمشق لاستعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها تظل محاولات التطبيع مع أنقرة، ورفع العقوبات الاقتصادية، من أبرز القضايا التى تتطلب حلا عاجلا، لضمان استقرار سوريا فى المستقبل القريب".
ومن وجهة نظر صحيفة "الدستور" الأردنية، فإن "المنطقة على موعد مع مفاجآت غير سارة في ظل ما يحدث خلال المرحلة الحالية، وحتى لا تكون هذه المواعيد قيد الانتظار المقلق، يجب أن يتم تكثيف الجهود للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ينهي كل تبعاتها ويعيد لسوريا أمنها واستقرارها ويحفظ سيادتها"، بحسب ما أورده المقال.
من جهتها، ركزت صحيفة "الشروق" الجزائرية على تصريح الرئيس المُنتخب دونالد ترامب الذي "أطلق تهديدا ينطوي على الكثير من الصّلف والعجرفة والغرور، وهو بذلك يريد تخويف "حماس" ودفعها إلى إطلاق سراح الأسرى الصهاينة مجّانا، وإسقاط شروطها المعروفة وهي: الوقف الكامل للحرب، وانسحاب جيش الاحتلال من غزة كلّها، وعودة النازحين وإغاثة سكان القطاع، وعقد صفقة تبادل أسرى جدّية ومنصفة"، متسائلة "ما الذي يستطيع ترامب أن يفعله في غزّة أكثر ممّا فعله الاحتلال بها إلى حدّ الساعة؟".
وتحت عنوان "هل يصمد وقف إطلاق النار"، تناولت صحيفة "الخليج" الإماراتية ما يجري في لبنان، إذ لفتت إلى "أن إسرائيل تسعى من خلال الخروق اليومية إلى فرض واقع، الأمر الذي يضع الاتفاق في مهب الريح ويعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل 7 نوفمبر/تشرين الثاني"، مشددة على أن الاتفاق "أمام اختبار صعب طالما أن تل أبيب تريد تطبيقه على طريقتها من دون الأخذ بمضمونه ومندرجاته، أو الاستماع إلى التحذيرات الصادرة عن واشنطن وباريس بعدم اللعب بالنار، لأن القرار الذي اتخذ في لبنان هو قرار نهائي ومُلزم".