الوجه المضيء للبشاعة

أوقات الأزمات الشديدة التي تهدد بانهيار الإنسان والأشياء، وحين يبدو القاع قريبًا جدًا، تلوح فرصة كبيرة جدًا للتغيير، لأنّ الأزمة من شأنها زعزعة الاستقرار خصوصًا ذلك الاستقرار الشبيه بالاستكانة والاستسلام، الأشياء التي كان الشخص يغض عنها الطرف، أو ينكر خطورتها لكي لا يضطر للمواجهة أو هي مواجهة مؤجلة كان يأمل ألا يأتي زمانها.

السودان يختبر نهاية الحكايات الكبرى، السوداني يواجه ذاته و يحدق في مرآة روحه، من هنا إما نواصل الاستسلام ونبلغ القاع ونظل فيه، أو نقبل هذه الكارثة ونتعلم منها. فالحرب تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، تجاه أنفسهم أولًا، ماضيهم وحاضرهم، وتجاه الآخرين، والوطن... فماذا نحن فاعلون؟.

عقب الثورات الكبيرة، والحروب، يدخل الناس في فترة توهان قيمي، قد يلجأون للغيب والخرافة لتطمين مخاوفهم وقد يبدأون في الشك في كل شيء، وربما يغرقون في الحنين إلى الماضي هربًا من الحاضر. ولكن نحن موجودون الآن ونحدق في المستقبل بقوة، تعلّمنا كثيرًا من هذا الخراب ومن لحظات انكسارنا وانتصاراتنا، وإن كنا فقراء ونبدو ضعفاء إلا أننا مسلّحون بخبرة قلّ أن تتوفّر لشعب بهذه الكثافة، عرفنا شيئًا عن أهمية التنوّع الثقافي وثرائه، عن الدين، وسهولة التلاعب به من أجل السلطة، عن الرجال السودانيين والنساء السودانيات، ليس فقط الذين أنجبونا، ولا أنفسنا فحسب، ولكن أيضًا أولادنا وبناتنا، الذين كنا نظن أنهم ينتمون لثقافة أخرى وبعيدون عنا يحلّقون في عوالم بعيدة، رأيناهم، شجاعتهم، اعتناقهم للحرية، وعنادهم الذي لطالما أغضبنا، كيف صار عاصفة ووعي في وجه تجار الدين ولوردات الحروب، والانتهازيين، والمرتشين، والعسكر، العسكر الذين يحلم كل واحد منهم بحكمنا والتسلط على رقابنا، الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة في وجه العدو أو من أجل الوطن، كانت رصاصاتهم دائمًا في صدورنا نحن، والحدود مستباحة للطائرات في الوقت الذي ظلت فيه لعقود ميزانية الدولة تستكثر على التعليم والصحة وتوفر لشركات الجيش والدفاع، ولا توظف لتطوير الجيش أو لخدمات المنتسبين إليه ولكن تذهب لشركات الاستثمار في السلع الغذائية وتطير لبنوك تركيا وماليزيا، وحين احتاجت البلاد للحماية، يطالب المدنيين بحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وحراسة ممتلكاتهم والتخلص من المليشيات المتمرّدة!

هذا الشعب كان وحيدًا يسند نفسه لعقود، في العلاج و الصحة، يرتكز على إرثه الأفريقي في التضامن والإيثار، ذلك الإرث الذي اكتشفنا في ساحة الاعتصام أن سنوات الإنقاذ العجاف لم تنل منه، انبعث نابضًا بالحياة، لكن عملية البعث هذه تم بترها قبل أن تكتمل، بمجزرة القيادة، واتبعتها الحرب التي أطلقت الغرائز البشرية في ظل الجوع والتهديد بفقدان الحياة، نعيش الهلع والطمع وصدمة الحرب، و سنكتشف سويا في مقبل الأيام من نحن؟ ما القيم التي تعبّر عنا، وما هي القيم التي سنعتنقها ونتمثلها في حياتنا؟ هل سنقبل الهزيمة ؟ أم سنتسلّح بكل ما فهمناه واختبرناه و نكمل مشروع ثورتنا إلى نهاياته؟


لقراءة المقال كاملًا إضغط هنا

("التغيير") السودانية

يتم التصفح الآن