عقب إخفاق منتخب ليبيا في التأهّل لنهائيات كأس أمم أفريقيا لكرة القدم، هتف جمهور ملعب طرابلس الدّولي "الله ومعمّر وليبيا وبس"، ولاحقًا المطالبة علانيّة بعودة نجل القذّافي. وسارعت السّلطات لإغلاق ميدان الشّهداء في وسط طرابلس، الذي شهد الواقعة الأخيرة، بسياج حديدي، بدعوى تجديده وصيانته، استعدادًا لاحتفالات الذّكرى الـ14 للإطاحة بالقذافي، في 17 فبراير/شباط المقبل.
كان القذّافي حاضرًا في المشهدَيْن، "حيًّا" في أذهان مواطنيه، الذين استحضروا اسمه فقط كنوع من "الحنين". واعتبر ديبلوماسيّون في العاصمة طرابلس، أنّ ما حدث مؤشر لا يمكن تجاهله إلى أنّ الشعب الليبي في غرب البلاد، قد فقد الثّقة في السّلطات هناك. وقال مصدر ديبلوماسي لـ"عروبة 22": "ربما الأمر على صلة باستفزاز حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة إلى حدّ ما، لكنّه أيضًا تعبير واضح عن الاستياء الشّعبي من فشل العمليّة السياسيّة، التي تقودها بعثة الأمم المتحدة في البلاد لإقامة نظام سياسي جديد بعد القذّافي".
لم تُفلح الحكومات المتعاقبة على السّلطة منذ عام 2011، في تحقيق الاستقرار والأمن، وانقسمت البلاد إلى حكومتَيْن، واحدة في الشّرق موالية للبرلمان وللجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، والثانيّة في الغرب وتحظى بتأييد الميليشيات المسلّحة وجيش المرتزقة السّوريّين الموالين لتركيا. ولم تحدّد بعثة الأمم المتحدة، عقب اجتماع في تونس، أي مواعيد محدّدة لخروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوّات الأجنبيّة.
لكن هذا التّقسيم الحاصل فعليًّا على الأرض، لم يمنع حكومة الوحدة المؤقتة، من تسجيل ما وصفته بزيادةٍ كبيرة وغير مسبوقة في إنتاج النفط، الذي بلغ 1,380,470 برميلًا من النّفط الخام والمكثّفات، بينما وصل إنتاج الغاز إلى 198,190 برميلًا (مكافئ).
إنتاج النفط في تصاعد
واستمرّت زيادة الإنتاج بوتيرةٍ متصاعدة؛ بهدف الوصول إلى معدل 1.4 مليون برميل يوميًّا نهاية العام الجاري، على أن يصعد إلى مليونَيْن بحلول 2027.
وبحسب المؤسّسة الحكوميّة المسؤولة عن النفط، فقد حقّقت الحقول النّفطية قراءات جديدة على سلّم زيادة إنتاجها من النّفط الخام، إذ زاد خلال يوم واحد فقط بمعدّل 5,377 برميلًا، ليصبح إجمالي إنتاج النّفط الخام والمكثّفات 1,391,407 براميل، فيما سجلت قراءات الغاز إنتاج 194,914 برميلًا (مكافئ).
وفي تفسيرٍ قدّمه رئيس مؤسّسة النفط فرحات بن قدارة، أنّ "الطلب على النّفط سيتضاءل، إذ تتوقّع منظمة "أوبّك" نهاية طلب النّفط بحلول عام 2035، وهو ما تتوقّعه منظمة الطّاقة العالميّة بحلول عام 2032، لذا ينبغي الإسراع في إنتاج النفط، قبل أن يصبح من دون قيمة".
وكان رئيس المجلس الأعلى لـ"أمازيغ ليبيا" الهادي برقيق، واضحًا عندما أكّد، عقب اجتماعه الأخير مع القائم بأعمال السّفارة الأميركية جيريمي برنت، على "دعم زيادة إنتاج النّفط وضرورة إدارة الموارد النّفطية بشكل واضح وشفّاف، من دون سيطرة أي طرف على هذه الموارد".
لكن التّقرير السّنوي لديوان المحاسبة، تحدّث في المقابل عن نفقاتٍ غير متناسبة في مؤسّسة النفط، مشكوك فيها، وتثير المخاوف.
فساد وخطط
وتمّ حبس مسؤول نفطي بتهمة فساد مالي بقيمة نحو 2,8 مليار دولار أميركي؛ بينما أقيل وزير سابق للنّفط، ما دفع بريطانيا إلى اعتبار حالة الفوضى والفساد في ليبيا، مهدِّدةً لأسواق النّفط العالميّة.
وثمّة مخاوف من أن تكون الخطّة المفاجئة لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، لإنهاء عملية مبادلة النّفط بالوقود، جزءًا من نزاعه المعلن ضد مجلس النوّاب، الذي نزع مؤخّرًا صلاحيته كقائد أعلى للجيش، في إطار الخصومة المتصاعدة بين الطرفَيْن، وسط عجز البعثة الأمميّة أو الأطراف المحليّة والإقليميّة عن حسمها.
قال مفتي عام ليبيا الشيخ الصادق الغرياني إن تصرف المؤسسة الوطنية للنفط بدون محاسبة ولا شفافية وتأخر الإيرادات وفق ما أعلن المصرف المركزي وعدم تساوي ما تعلن عنه مؤسسة النفط من زيادة الإنتاج وما يحول من إيرادات يعد تضاربا في البيانات وينذر بعدم الاستقرار ولا يمكن السكوت عنه ويحتاج… pic.twitter.com/7bq65ZTF6l
— قناة التناصح (@TanasuhTV) November 27, 2024
وهناك من يعتقد أنّ إعلان المنفي، مرتبط بمطالبة الصادق الغرياني مفتي ليبيا المُقال من منصبه، بوقف مقايضة الوقود بالنّفط، لأنه يفتح أبواب الفساد.
وعلى الرّغم من نفي الدبيبة، معيشة 40% من الشّعب اللّيبي تحت خط الفقر، رصد البنك الدولي ارتفاع معدّلات الفقر، لتستمرّ الأزمة المنظّمة، وسط اتفاق ضمني بين الفرقاء المحليين، برعاية أممية - أميركية، على بقاء حالة الفوضى إلى إشعار آخر، بعد مرور 13 عامًا على التّوالي، منذ إقصاء القذّافي.
باختصار، ليبيا التي كان بمقدورها أن تصبح سويسرا العرب فيما سبق، تناضل حاليًّا للخروج من نفق فساد الميليشيات المسلّحة والنّفط، بلا أفق سياسي!.
(خاص "عروبة 22")