صحافة

"المشهد اليوم".. المرحلة الانتقالية السورية تنطلق وإسرائيل تكثّف ضرباتهاإيران تؤكد الانسحاب الكامل بعد سقوط الأسد ووفد إسرائيلي بالقاهرة لبحث صفقة غزّة

من دخول الفصائل السورية المسلّحة مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في دير الزور (حسام شبارو)

تغيرات جذرية تعيشها منطقة الشرق الأوسط منذ بدء "طوفان الأقصى" وما تبعها من حرب غزّة المستمرة ثم العدوان الاسرائيلي على لبنان، والذي استمر 66 يوماً، وصولاً الى السقوط المدوي لنظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. ورغم أن جميعها تصب في إطار تقليم أذرع إيران ونفوذها وكبح مخططاتها التوسعيّة، إلا أن ذلك يطرح الكثير من الهواجس عن "اليوم التالي" في هذه البلدان الثلاث تحديداً وفي المنطقة عموماً، حيث كان لإيران وميليشياتها دور وصلة، والمقصود هنا ايضاً الساحتين العراقية واليمنية.

فالعام الحالي حمل في أشهره الاخيرة تطورات مفصليّة أعادت رسم خريطة موازين جديدة ستتضح ماهيتها ومعالمها التفصيليّة في الأيام المقبلة، خاصة أن لبنان وسوريا كما غزّة، أمام تطورات حاسمة. ففي لبنان، لا تزال معضلة إعادة الاعمار شبه متوقفة بظل ما يرزح تحته البلد من أزمة اقتصادية حادة وسط ترقب لبداية العام الجديد وما ستحمله جلسة انتخاب رئيس للجمهورية وشكل نظام الحكم الذي سيُبنى عليه الكثير على ضوء المستجدات ولاسيما لجهة ما يُعرف بمعادلة "جيش وشعب ومقاومة" ودور "حزب الله" المستقبلي بعد سلسلة الضربات الإسرائيليّة التي تلقاها على المستوى القيادي والتنظيمي.

أما في سوريا، فتخطف التطورات السياسية الجارية أنظار العالم لمعرفة مصير المرحلة الانتقالية وذلك على ضوء اختيار محمد البشير رئيساً لحكومة تصريف الأعمال حتى الأول من شهر آذار/ مارس من العام المقبل، وسط تشديد على أنّ المطلوب تعزيز اللحمة الداخلية وإعطاء انطباع ايجابي للعالم بأنّ "سوريا الغد" تسير نحو الاستقرار والحفاظ على التعددية والتنوع المجتمعي بعيداً عن الفوضى.

وفي غزّة، تبدو المؤشرات "ايجابية" لجهة ابرام صفقة لوقف الحرب واطلاق سراح الرهائن بعد أكثر من عام من المجازر والإبادة والتهجير. في حين تبرز معضلات جسيمة أمام ما ستكون عليه طبيعة المرحلة المقبلة بظل الاصرار الاميركي - الاسرائيلي بعدم وجود حركة "حماس" في المشهد الغزاوي، ناهيك عن عملية الاعمار والدور الاسرائيلي في القطاع.

وإزاء ذلك، تقف المنطقة أمام مسارين: فإما التوافق الداخلي واعادة اطلاق مسار المصالحات وتعزيز الوحدة الوطنية كمعبر ضروري لاطلاق العملية السياسية، وإما الخراب والدمار وما سيرافقه ذلك من أزمات اقتصادية واجتماعية جمة. دون أن نغفل الدور الاميركي المستجد مع وصول الرئيس المُنتخب دونالد ترامب وأطماع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يواصل "منح الأذونات" لخرق اتفاق التسوية في لبنان وتدمير مقدرات الجيش السوري العسكرية كما مواصلة القتل والتطهير العرقي في غزّة.

وفي تفاصيل "المشهد اليوم"، نبدأ من الأحداث السورية بعد اشتراط الولايات المتحدة الأميركية 4 مبادىء أساسية للاعتراف بالحكومة السورية الجديدة ودعمها "بشكل كامل"، وفق ما جاء على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن. وأولى هذه الشروط، أن تؤدي عملية الانتقال السياسي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي وبما يتفق مع مبادئ قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ثانياً أن تسهل الحكومة الجديدة تدفق المساعدات الإنسانية، ثالثاً منع استخدام سوريا كقاعدة للإرهاب أو تهديد جيرانها، في حين طالب في الشرط الرابع، بـ"ضمان تأمين أي مخزونات للأسلحة الكيماوية أو البيولوجية وتدميرها بأمان". ويأتي ذلك بينما تدرس واشنطن "بجدية" رفع "هيئة تحرير الشام" من قوائم "الإرهاب" التي دخلتها في العام 2013.

تزامناً، كشفت وزارة الدفاع عن زيارة أجراها قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا إلى سوريا وشملت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وذلك بهدف الاطلاع عن كثب على تقييم يتعلق بحماية القوات الأميركية ومنع عودة تنظيم "داعش". ويُشار، في هذا الصدد، إلى أن الفصائل السورية المسلّحة أعلنت أمس، سيطرتها الكاملة على مدينة دير الزور بعدما انسحبت منها "قوات سوريا الديموقراطية"، وكذلك الحال في مدينة منبج بعد التوصل إلى اتفاق برعاية أميركية.

من جهته، أعرب نتنياهو عن رغبته بـ" علاقات مع النظام الجديد" في سوريا، لكنه حذّر من أن "إسرائيل سترد بقوة في حال السماح لإيران بنقل أسلحة إلى "حزب الله" في لبنان"، مهدداً بمصير مشابه لما "حدث مع نظام الأسد المخلوع". وترافقت تصريحات نتنياهو مع غارات مكثفة وعنيفة على سوريا، استهدفت مواقع عسكرية ومخزونات الأسلحة الاستراتيجيّة، حيث قال الجيش الإسرائيلي إنه نفّذ 480 غارة خلال الساعات الـ48 الأخيرة.

وضمن الخروقات أيضاً، توغل العدو الاسرائيلي داخل الأراضي السورية، وسيطر على المنطقة العازلة، وتمدّد نحو مناطق خارجها، كما وصلت قواته إلى منطقة قطنا، في ريف دمشق الجنوبي الغربي، والتي تبعد قرابة 20 كيلومتراً عن دمشق. وشجبت دول عربية في بيانات رسمية صادرة عن الامارات والسعودية وقطر والكويت والأردن والعراق وجامعة الدول العربية، استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة العازلة مع سوريا. من جهتها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس "إن هناك مخاوف مشروعة بشأن مخاطر العنف الطائفي في سوريا وتجدد التطرف في البلاد".

وفي تصريح يحمل الكثير من الدلالات، قال قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي "إن بلاده ليس لها أي وجود عسكري في سوريا"، معتبراً "أن الجمهورية الإسلاميّة لم تضعف ولم تتقلص قوتها بعد سقوط حليفها بشار الأسد في سوريا". من جهة آخرى، أعلن جهاز "الخوذ البيضاء" أنه قدم طلباً إلى الأمم المتحدة للحصول على خرائط بمواقع "السجون السريّة" من الرئيس المخلوع بشار الأسد بعد انتهاء عمليات البحث عن معتقلين محتملين في زنازين وسراديب سريّة غير مكتشفة" داخل سجن صيدنايا. في وقت لا تزال آلاف العائلات تنتظر معرفة مصير ذويها الذين غيّبهم النظام داخل أقبيته القمعية لسنوات طويلة دون محاكمات عادلة أو تهم تُذكر.

وعلى المقلب الفلسطيني، تبرز مؤشرات حقيقية عن قرب التوصل الى صفقة، حيث ذكرت صحيفة "العربي الجديد" أن وفداً أمنياً إسرائيلياً رفيع المستوى، يضم رئيسي الشاباك رونين بار، والموساد دافيد برنياع، زار العاصمة المصرية القاهرة، أمس، حيث عقد اجتماعات مع رئيس جهاز المخابرات المصرية حسن محمود رشاد. وتركزت المباحثات، وفق المصادر المطلعة، على الأسماء المقرر إطلاق سراحها ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق الذي يجري التفاوض بشأنه، إضافة إلى مناقشة البنود التي ستتضمنها الصفقة، مثل وضع معبر رفح البري أثناء تنفيذ الاتفاق، والترتيبات الأمنية على الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة.

بموازاة ذلك، مثُل نتيناهو أمام المحكمة، أمس الثلاثاء، للإدلاء بشهادته لأول مرة في محاكمته المستمرة منذ فترة طويلة بتهم تتعلق بالفساد. وقد حضر الجلسة محاطاً بعدد من الوزراء وأعضاء الكنيست من "الليكود" وأحزاب الإئتلاف، فيما تظاهر أنصاره خارج القاعة مرددين شعارات الدعم والتأييد له.

وفي جولة على الصحف العربية الصادرة اليوم، تصدّر المشهد السوري بتفاصيله بما فيها الاعتداءات الاسرائيليّة المتواصلة والمخاوف من التفكك والتقسيم. وأبرز ما جاء:

أكدت صحيفة "الراية" القطرية أن "أي محاولة لتقسيم سوريا أو تفكيكها ستكون انتكاسة كبيرة، ليس فقط للسوريين، بل للمنطقة بأكملها"، مشددة على أنه "لا يُمكن السماح بتحويل سوريا إلى ساحة لصراعات النفوذ أو المصالح الأجنبية". وقالت: "الشعب السوري وحده هو الذي يجب أن يقرر مُستقبله، بعيدًا عن أي تدخلات خارجية تسعى لاستغلال هذه اللحظة التاريخية لصالح أجندات خاصة".

ومن وجهة نظر صحيفة "الأهرام" المصرية، فإن "وحدة الشعب السوري هي الملاذ الوحيد الذي يجعل عودة واستعادة الوطن سريعا جدا"، داعية إلى "سرعة الالتئام بين السوريين من أجل إعادة الوطن الى المسار الصحيح وعودة سوريا قلبا ينبض بالعروبة من جديد. فالمنطقة العربية تواجه تحديات دولية واقليمية وعالمية كبيرة تنهش من جسدها وعظامها الهشة من أجل تنفيذ المخطط الصهيو - أمريكي بتدمير البلدان العربية للوصول الى ما يُسمى الشرق الأوسط الجديد".

بدورها، تناولت صحيفة "الخليج" الاماراتية الاعتداءات الاسرائيليّة على سوريا حيث وضعتها في إطار "وجود مخطط مكشوف تسعى إسرائيل إلى تنفيذه، بعدما بات واضحاً أن نتنياهو يعمل على تغيير خريطة الشرق الأوسط بما يتوافق مع أهدافه"، معتبرة أننا "أمام واقع باتت فيه دولة خارجة على كل القوانين والمواثيق تمارس حروب الإبادة، من دون حساب أو عقاب، وكأن شريعة الغاب باتت هي وحدها التي تتحكم في مصائر الدول والشعوب، في حين أصبح المجتمع الدولي والهيئات الدولية التي تمثله عاجزاً ومشلول الإرادة أمام جبروت القوة الغاشمة".

وتحت عنوان "سوريا وخطوط الدفاع الايرانية"، أوضحت صحيفة "اللواء" اللبنانية أن "ما يجري في سوريا اليوم هو عنوان مرحلة جديدة في المنطقة كلها، وليس فقط في بلاد الأمويين، نظراً لأهمية الدور السوري في الحركة الإقليمية، وتأثيره في مسار القضايا العربية، قبل أن يعزل بشار الأسد دمشق عن محيطها القومي"، مستنتجة أن "الوهن الذي أصاب محور الممانعة بعد حربيّ غزة ولبنان، شجع خصوم إيران على توجيه الضربة القاضية لنظام الأسد، والقضاء على كل ما إستثمرته طهران في سوريا ولبنان، لتوسيع نفوذها الإقليمي، والهيمنة على مقدرات المنطقة العربية".

من جهتها، نبهت صحيفة "الوسط" الليبية إلى أن "نظام بشار الأسد الذي ورثه عن أبيه كمعظم الحكام العرب سقط، ولم يكن هذا سبب سقوطه، فالوراثة إرث عريق في الثقافة السياسية العربية، فكل عربي قوي يستأسد على الجماعة التي يعيش في وسطها ويجعلها ملكية له غير قابلة للتداول". وقالت:"نظام الأسد الوراثي لم يسقطه في حقيقة الأمر أبو محمد الجولاني ورفاقه المسلحين رغم تصميمهم وجرأتهم ورغم رغبة الغالبية الساحقة من الشعب السوري في ذلك، بل يرجع إلى تصميم تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل".

وفي سياق متصل، كتبت صحيفة "الشروق" الجزائرية عن "ازدواجية المعايير الغربية التي ترفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان بينما تقدم الدعم الكامل للاحتلال الإسرائيلي في المحافل الدولية". واضافت: "ترامب، الذي يسعى إلى استعادة قاعدة شعبية متطرفة في الولايات المتحدة، يستغل تحالفه مع اليمين الإسرائيلي لتعزيز صورته كمدافع عن المشروع الصهيوني. هذا التحالف يضع الفلسطينيين في مواجهة جبهة متكاملة من الاستعمار والاستبداد، حيث تزداد التحدّيات السياسية والاقتصادية على خلفية غياب الدّعم الدولي الفاعل للقضية الفلسطينية".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن