من المهم أن يعرف متخذو القرارات في شتى بلدان العالم بماذا تفكر شعوبهم. وإذا ما كان الشباب يمثلون نسبة هائلة من المواطنين، فمن الأجدر أن ندرك طبيعة ما يشغل تفكيرهم.
هذا ما حاول كشفه قبل أيام استطلاع سنوي لرأي الشباب العربي، حيث أظهر أن نحو «نصف الشباب العربي في دول شرق المتوسط (بنسبة 53 %)، وما يقارب النصف في شمال أفريقيا (بنسبة 48 %)»، يفكرون جدياً في مغادرة بلدانهم بحثاً عن فرص أفضل، وتحديداً فرص العمل. وتبين أن الغالبية العظمى من الشباب في دول الخليج العربي يفضلون البقاء في أوطانهم في حين أن نحو ثلث الشباب في دول الخليج (27 %) يفكرون ملياً في الهجرة.
السؤال الذي أثار فضولي هو إلى أين يريد هؤلاء الهجرة وهم ينعمون في بلدان لا تستقطع ضريبة على الدخول (...) كانت الإجابة أنّ نحو ثلثهم يريدون الهجرة إلى كندا (34 %)، بعدها أمريكا (30 %)، ثم ألمانيا وبريطانيا (20 % لكل منهما)، في حين كانت فرنسا خيارهم التالي.
وبشكل عام، يرى العرب المشاركون في الاستطلاع الخامس عشر الصادر عن شركة «أصداء بي سي دبليو»، أنّ الوظائف تحتلّ مكانة رفيعة ضمن أولوياتهم، يأتي ذلك في ظل ارتفاع نسبة البطالة إلى 25 في المائة وهي النسبة الأعلى والأسرع نمواً عالمياً بحسب التقرير استناداً إلى منظمة العمل الدولية. ويعتبر نصف الشباب الذين يريدون الهجرة (49 %) أن دافعهم وراء ذلك هو «البحث عن فرص عمل».
وأنا أتأمل هذه الأرقام أشعر بالحسرة، عندما يضطر الشاب إلى مفارقة أهله وأحبابه ليحصل على أبجديات الحياة، وهي أن ينعم بوظيفة جيدة. وأنا في الواقع لا أرى أن الوظيفة هي وحدها طوق النجاة، فحري بشتى بلدان العالم العربي، أن تفكر جدياً كيف ينخرط الشباب في العمل الحر، وتفكر في كيفية تذليل عقبات المشاريع، وتسهيل التمويل اللازم للشاب، وتقديم أفضل الدورات في عالم التجارة والشركاء الفنيين من جهات وأفراد ليعينوهم على تأسيس مؤسسات تجارية ناجحة في مجالات تلبي شغفهم.
ما الفارق بين بيل غيتس، وستيف جوبز، وغيرهما من الرواد والمبدعين حول العالم. كل ما في الأمر أنهم وجدوا بيئة حاضنة تستفيد من مواهبهم. لا ينتمي معظم رواد الأعمال الكبار حول العالم إلى أسر تجارية بل وجدوا أدوات التفوق والتألق متاحة أمامهم.
وجدوا التعليم المناسب، والاقتصاد المتجدّد الذي يبحث عن آفاق تمكّنه من تعظيم حجمه والمحافظة على متانته. فكرة أنّ أقصى طموح الشاب البحث عن وظيفة لسدّ قوت يومه لن تلامس سقف طموحات المبدعين منهم ولن تمكّن البلد من الاستفادة من قدراتهم.
مشكلتنا كلما وأدنا طموح شاب، فإننا في الواقع نئد طموح عشرات أو مئات سمعوا تلك القصة المثيرة للإحباط. صارت القصص تذاع وتنشر على الملأ في وسائل التواصل.
الحل في أن نتابع تغيّر أمزجة الشباب عبر استطلاعات رصينة دورية، لا نفاخر في الجانب المشرق فيها، بل لنقف عند مواضع الصدمة والألم، ونحاول ردم الهوة بين آمالهم وطموحاتهم وبين ما نقدّمه كبلد لهم.
ولا يتوقع من الحكومات أن تصبح أسيرة فقط لطموحات الشباب، فهي لديها من المستشارين ورجال الدولة والمفكرين ما يكفي لإرشادها إلى القطاعات التي تتطلّب كوادر شابة منتجة فيها حتى تتمكن الدولة من الوصول إلى أهدافها لتحقيق رؤيتها في شتى الميادين.
ولا تُبنى البلدان وقطاعاتها الحيوية إلا بسواعد أبنائها، فهم عماد المستقبل. ولا بد أن تكون لكل بلد رؤية واضحة تتطلع إلى تحقيقها. وإذا ما كانت تلك القطاعات المهمة طاردة فمن باب أولى أن يتم إعادة النظر في مقومات جاذبيتها عبر حوافز مادية ومعنوية.
("البيان") الإماراتية