من العالم

سيناريوات "الرّعب النّووي"... لعبة "الدّيموقراطيّين" الأخيرة!

القاهرة - أحمد أبو المعاطي

المشاركة

يُعيد توقيع الرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين، في التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثّاني الماضي، على مرسومٍ جديد، يَقضي بتغيير العقيدة النّوويّة لروسيا، سيناريوات مفزعة لما قد تنتهي إليه مآلات الحرب الرّوسيّة - الأوكرانيّة الدّائرة منذ نحو عامَيْن، في ظلّ تلويح روسي صريح باستخدام السّلاح النّووي، إذا ما تطلّب الأمر، في مواجهة ما يقدّم لـ"كييف" من دعمٍ لوجيستي أميركي كبير، بلغ حدّ السّماح لها باستخدام الصّواريخ الأميركيّة الدّقيقة في ضرب عمق الأراضي الرّوسيّة، على ما ينطوي عليه ذلك من تغيير حادّ ولافت لقواعد الاشتباك السّارية منذ بدء الحرب.

سيناريوات

يُحَمِّل الكثير من المراقبين إدارة الرّئيس جو بايدن ومن خلفها الحزب الدّيموقراطي، المسؤوليّة الكاملة إزّاء هذا التّطوّر المُخيف في سيناريوات الحرب الرّوسيّة - الأوكرانيّة، الّذي بات يضع العالم على شفا حربٍ نوويّة، بعدما استغلّ بايدن وفريقه "الفترة الرّماديّة" التي تسبِق مراسم تسليمه إدارة شؤون البلاد الى الرّئيس الجمهوري المُنتخب، في العمل على إضافة المزيد من التّعقيدات على مآلات الحرب، التي قال ترامب إنّه قادر على إنهائها في غضون 24 ساعة فقط، ومن ثم حرمانه من أوّل انتصار سياسي له، مع بداية فترة رئاسته الثّانية.

لم تُخفِ إدارة جو بايدن في يوم، دعمها الصّريح لكييف في الحرب الدّائرة منذ نهايات فبراير/شباط عام 2022، وهو ما تجلّى في العديد من التّصريحات التي أطلقتها وزارة الخارجيّة الأميركيّة، وأعلنت خلالها مُواصلة واشنطن دعمَها لـ"المدافعين الشّجعان عن أوكرانيا"، وهو الدّعم الذي بلغت قيمته ما يقدّر بنحو 60 مليار دولار، حسب إحصاءات وزارة الخارجية الأميركيّة، من بينها نحو 19.3 مليار دولار مساعدات عسكريّة فقط، منذ بدء ولاية إدارة بايدن، الذي وقف في مارس/آذار الماضي، ليقول صراحةً وهو يُلقي خطاب الاتّحاد في مبنى الـ"كابيتول": "هناك من يريد منّا أن نترك أوكرانيا، لكنّنا لن نتركها وحيدة".

بدت تصريحات بايدن وكأنّها ترجمة حرفيّة، لما سبق وأكّده وزير خارجيته أنتوني بلينكن قبل أشهر، عندما قال إنّ الولايات المتّحدة ستواصل الوقوف إلى جانب الشّعب الأوكراني وهو يدافع عن حرّيته واستقلاله، ومُعايرَة قدرات الدّفاع الجويّ والنّيران بعيدة المدى والدّقيقة، لتحقيق أفضل إفادة لأوكرانيا في ساحة المعركة، حتى تتمكن كييف من الدّفاع عن نفسها، وتكون في أقوى موقف ممكن على طاولة المُفاوضات، عندما يحين الوقت.

لم تكن المساعدات العسكريّة وحدها، هي ما قدّمته إدارة بايدن بسخاء إلى أوكرانيا خلال الأشهر الأخيرة، من أجل قلب الطّاولة، لكن الأمر امتدّ، حسبما يقول الدّكتور أيمن سمير، الباحث والخبير في العلاقات الدّوليّة، إلى إقرار بايدن ومن خلفه الحزب الديموقراطي للعديد من الخطوات التّصعيديّة، التي لعبت دورًا كبيرًا في استفزاز الجانب الرّوسي، ودفعته للمرّة الأولى منذ بدء الحرب، إلى إحداث تغيير لافت في قواعد الاشتباك، وهو ما تجلّى في الظّهور الأوّل للصّاروخ الباليستي الفرط صوتي "أوريشنيك" الذي أطلقته القوّات الرّوسية، باتجاه أحد أهمّ المصانع العسكريّة في مدينة دنيبرو الأوكرانيّة، ردًّا على وصول عدد من الخبراء العسكريّين الأميركيّين إلى الأراضي الأوكرانيّة، لإدارة ما حصلت عليه كييف من أسلحة أميركيّة متطوّرة، ومن بينها ألغام برّيّة مضادّة للأفراد، وصواريخ دقيقة من طراز "ATACMS" استهدفت ضرب عمق الأراضي الرّوسية، في تطوّر يفتقد الحكمة، ويستهدف حسبما قالت عنه الإدارة الجديدة للرئيس الجمهوري دونالد ترامب، "تقويض المساعي التي سوف يبذلها لوقف الحرب بعد تسلّمه مقاليد السلطة في واشنطن نهاية يناير/كانون الثاني المقبل".

لعب الدّعم اللّوجيستي الكبير الذي قدّمته إدارة بايدن، والذي تراوَح ما بين الدّعم التّقني والعسكري، دورًا كبيرًا في تحقيق أوكرانيا لأكبر اختراق عسكري لها في الحرب مع روسيا، بعد توغّل قوّاتها لعشرات الكيلومترات في منطقة "كورسك" داخل الأراضي الرّوسيّة، وقصف بعض المناطق داخل العمق الرّوسي، وقد كان هذا التطوّر سببًا رئيسًا في دفع الرّئيس بوتين إلى التّلويح باستخدام دفعات كبيرة من الصّواريخ الباليستيّة "أوريشنيك" المسمّاة "شجرة البندق"، والقادرة على حمل رؤوس نوويّة محدودة، يمكن أن تقلب الطاولة رأسًا على عقب. وقد بدا التّلويح الرّوسي باستخدام سلاح الرّدع النّووي، هو ردّ الفعل المباشر لما انتهت اليه أجهزة الاستخبارات الرّوسيّة من معلوماتٍ تفيد بوجود دعمٍ تقني غربي واضح، في توجيه بعض الصّواريخ التي أُطلقت على العمق الرّوسي، من بينها صواريخ أميركيّة وأخرى أوروبّية مثل صواريخ "أتاكمس" و"ستورم شادو" وغيرها، وجميعها تحتاج إلى إمكانات تقنيّة لا تتوافر لدى أوكرانيا، وهو ما يعني حسب القيادة العسكريّة الرّوسيّة، مشاركةً فعليّة من قبل الولايات المتحدة الأميركية في ضرب العمق الرّوسي.

تُعيد التطوّرات المتلاحقة في الحرب الرّوسيّة - الأوكرانيّة حسبما يرى الدّكتور أسامة فاروق مخيمر، الأستاذ المساعد في كليّة السّياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف، أجواء "الحرب الباردة" بين القطبَيْن الكبيرَيْن، التي استمرّت حتّى ثمانينيّات القرن الماضي، وهي التطوّرات التي لا يُخفي الكثير من الخبراء الاستراتيجيّين مخاوفهم من تصاعدها في الأسابيع الأخيرة، بعد منح الولايات المتّحدة الأميركيّة "الضّوء الأخضر" لأوكرانيا لاستهداف العمق الرّوسي بالصّواريخ الدّقيقة، على نحوٍ يبدو أقرب الى سكْب المزيد من الزّيت على النّيران المشتعلة.

ويقول الخبير الاستراتيجي اللّواء سمير فرج، إنّها قد تُفضي الى تغيّرات لافتة في قواعد الاشتباك خلال الفترة المقبلة، إذا ما واصلت الإدارة الأميركيّة الجديدة برئاسة ترامب دعمها للأوكرانيّين.

يبدو الدّعم الأميركي اللّافت لأوكرانيا في نظر الكثير من الخبراء، أقرب الى مُكايدة سياسيّة من قبل الدّيموقراطيّين، لإدارة ترامب والحزب الجمهوري من خلفه، بعدما مُني الدّيموقراطيّون بخسائر فادحة، بداية من الهزيمة السّاحقة في البيت الأبيض بعد هزيمة كامالا هاريس، مرورًا بالكونغرس، وصولًا إلى خسارة الكثير من مناصب حكّام الولايات المختلفة، وهو ما حوّل الديموقراطيّين إلى ما يشبه الأقلّية في المحكمة الدّستوريّة العليا.

ويقول الدّكتور أيمن سمير: "ربّما يفسّر ذلك كيف أخذت قرارات إدارة بايدن الأخيرة بشأن أوكرانيا، منحى يتجاوز كل أعراف المرحلة الانتقاليّة وتقاليدها، التي تقضي بألّا يقوم الرّئيس المنتهية ولايته بأيْ خطوات من شأنها أن تُعرقل خطط الرّئيس الجديد، خصوصًا أنّ ترامب أعلن في غير مناسبة أنّه سوف يوقف الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة فقط، بينما ما تقوم به إدارة بايدن في أيّام الديموقراطيّين الأخيرة، تضع العالم بالفعل على شفا حرب نوويّة مدمّرة"!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن