لا تقتصر قواعد "الترامبية" الجديدة، التي يحاول تكريسها الرئيس الأمريكي المنتخب خلال ولايته الثانية، على إطفاء حرائق الحروب وبؤر الصراع المشتعلة في العالم، كما وعد في حملته الانتخابية، وإنما يتجاوز ذلك إلى توظيف كل ما من شأنه أن يصبّ في خدمة شعاره القديم الجديد "أمريكا أولاً"، حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين، ما يعني أن ولايته الجديدة ستكون مختلفة عن سابقتها، ولن تكون هادئة كما يعتقد البعض.

أولى ملامح هذه السياسة الجديدة ظهرت في سلسلة "تهديدات الضم"، التي بدأت مع التهديد بضم كندا لتصبح الولاية الأمريكية الحادية والخمسين، إذا لم تتوقف عن إرسال المهاجرين إلى الولايات المتحدة. ثم المطالبة بالسيطرة على قناة بنما، وهي واحدة من بين أهم القنوات المائية في العالم، بذريعة فرض رسوم مفرطة على مرور سفن الشحن الأمريكية، مؤكداً، في الوقت ذاته، أن الولايات المتحدة تعرّضت للخداع، عندما وقع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر على معاهدة في عام 1977، تخلت بموجبها واشنطن عن سيطرتها على القناة لصالح بنما، وأصبحت سارية المفعول في عام 1999، واصفاً التنازل عن القناة بأنه "حماقة".

ونشر ترامب عبر منصة "تروث سوشيال" صورة لقناة بنما وعليها العلم الأمريكي، وعبارة: "مرحباً بكم في قناة الولايات المتحدة". وقد رفضت بنما، بطبيعة الحال، تهديدات ترامب، مؤكدة على لسان رئيسها أن سيادة البلاد غير قابلة للتفاوض.

ومن دون الخوض في تفاصيل قصة القناة التي بدأها المستعمرون الإسبان في ثلاثينات القرن السادس عشر للربط بين المحيطين الهادي والأطلسي، حينما كانت كولومبيا تعتبر بنما مقاطعة تابعة لها. لكن تلك الجهود فشلت، فيما سعت الولايات المتحدة في عام 1903 إلى الحصول من كولومبيا على امتياز دائم للقناة، لكن رفض كولومبيا للاقتراح، دفع واشنطن إلى دعم استقلال بنما، والحصول، بالتالي، على اتفاقية تمنحها حقوق بناء القناة وإدارتها إلى أجل غير مسمى. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد هدّد ترامب بضم جزيرة غرينلاند الدنماركية أو شرائها؛ كونها غنية بالموارد الطبيعية، غير أن المسؤولين الدنماركيين ردوا بأن الجزيرة ليست للبيع.

بهذا المعنى، تحاول "الترامبية" الجديدة التحرر من أية قيود واجهت ترامب خلال ولايته الأولى، وهو ما يمكن استنتاجه من سلسلة الأوامر التنفيذية التي قال إنه سيوقعها في اليوم الأول لجلوسه في المكتب البيضاوي. وفي مقدمة أولوياته إغلاق الحدود الجنوبية مع المكسيك، وترحيل المهجرين غير الشرعيين، متعهّداً بالقيام بأكبر عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة. وقال، إنه أبلغ المكسيك وكندا بأنهما ستضطران إلى التدخل، ووقف تدفق المهاجرين والمخدرات غير المشروعة إلى أمريكا، منوهاً بأن هذا ينطبق على الاتحاد الأوروبي، وينطبق على كثير من الأماكن الأخرى.

هذا غيض من فيض، وما على العالم سوى انتظار بدء تطبيق مبادئ "الترامبية" الجديدة، الناعمة والخشنة، على حد سواء.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن