تتصدر الأحداث السورية المشهد العربي والاقليمي وتُكثر التحليلات والنقاشات حول "اليوم التالي" وشكل النظام الجديد والدستور الذي سيُعمل به الى جانب التحديات الجمة التي تلقي بثقلها على البلاد، التي تئن من تداعيات الحرب الداخلية التي نخرت بنيان الدولة وكرستها دولة مافيوية تعتمد على التعذيب والقتل كسبيل للبقاء وهو ما شرعه حافظ الأسد واستكمله بحذافيره الابن بشار الأسد.
ورغم كثرة التعقيدات والمخاوف ورصد ما يحدث في دمشق وحولها وردة فعل العالمين العربي والدولي، الا ان الاحداث الجارية في اليمن مع استمرار صواريخ الحوثيين وتوعّد اسرائيل تلفت الأنظار وسط مخاوف حقيقية من فتح تل أبيب جبهة حرب جديدة وهو ما عزّزته وسائل الاعلام الاسرائيليّة التي تناولت الموضوع من عدة أبعاد وسياقات، متحدثة، في الوقت عينه، عن أن إسرائيل، تدرس توجيه ضربة إضافية للحوثيين، هي الرابعة، فيما كشفت تقارير أخرى، عن حيرة إسرائيليّة، بين استهداف الحوثيين أو إيران.
وأمام هذا المشهد المُعقد في المنطقة والذي شهد تقلبات جذرية في عام 2024، التي يمكن أن نصطلح عليه "عام التغيرات في منطقة الشرق الأوسط"، احتفل المسيحيون حول العالم ولاسيما في سوريا بعيد الميلاد وسط اجراءات أمنية مشددة ومعززة حول الكنائس والأحياء منعاً لأي اعتداء على الطقوس الدينية. وقد تميزت احتفالات هذا العام بسقوط النظام الذي حكم سوريا بقبضة حديدية على مدار 53 عاماً.
وفي السيّاق السوري، برز الزخم الدبلوماسي الذي طبع الأيام الماضية والانفتاح الغربي لاحتضان القيادة السورية الجديدة وبدء وصول الوفود العربية وأبرزها من السعودية وقطر والأردن. هذا وتلقى وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني اتصالات من نظرائه الكويت عبدالله علي اليحيا والبحرين عبداللطيف الزياني ولبنان عبد الله بو حبيب، كما من وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية الليبي وليد اللافي، وقد أكدوا جميعهم على دعم الحكومة الجديدة والاستعداد لتعزيز العلاقات الثنائية مع دمشق.
أما في الميدان، فتتزايد محاولات فلول النظام الأسدي البائد لتأجيج الشارع العلوي وإثارة الفتنة بين السوريين، بحيث اندلعت تظاهرات في عدة مدن على الساحل السوري وحمص، وبعضها ذات أغلبية علوية، لتبيّن خطورة المرحلة ودقتها والتخوف من خضات داخلية خاصة أن هناك من يعمل على إعادة إشعال النيران السورية مستخدمًا التحريض واللغة الطائفية لإزكاء النزاع ودفع سوريا نحو الفوضى. فعلى الرغم من كل مشاهد التحضر التي رافقت السوريين منذ سقوط نظام بشار الأسد إلا أن ما حصل في اليومين السابقين يدق ناقوس الخطر ويطرح علامات استفهام كثيرة لا سيما عن الجهة المستفيدة من إعادة بث فيديو قديم عن استهداف مقام ديني يخص الطائفة العلوية في مدينة حلب لإثارة النعرات والعبث بأمن سوريا.
وإزاء الأحداث، فرضت وزارة الداخلية حظراً للتجوال في كل من مدن اللاذقية والقرداحة وطرطوس وحمص وجبلة وبانياس، لأوقات تصل إلى 12 ساعة، وسط انتشار كثيف من قبل عناصر الأمن العام التابع لوزارة الداخلية، كما تم إرسال تعزيزات كبيرة إلى المناطق التي شهدت تظاهرات، من أجل إعادة ضبط الأمن، بعد مقتل متظاهر ورجال من الأمن.
في سياق متصل، تفاعلت التصريحات الايرانية بعد التهديد المبطن الذي وجهه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي قال إن "من يعتقدون بتحقيق انتصارات في سوريا عليهم التمهل في الحكم فالتطورات المستقبلية كثيرة". وجاء ذلك مع التهديدات التي أطلقها المرشد الإيراني، الذي دعا فيها السوريين إلى الوقوف في وجه الإدارة الجديدة قائلاً: "ليس لدى الشاب السوري ما يخسره.. يجب عليه أن يقف بإرادة قوية أمام أولئك الذين خططوا ونفّذوا لهذه الحالة من انعدام الأمن، وسيتغلب عليهم إن شاء الله".
أما يمنياً، فقد اعترض جيش الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم أمس الأربعاء، صاروخاً قادماً من اليمن، بعد أن دوت صافرات الإنذار وسط إسرائيل. بينما أشار تقرير لـ"هيئة البث الاسرائيلية" إلى أن إسرائيل تخطط لشن هجوم "أعنف" من الهجمات السابقة على الحديدة وصنعاء، وذكر أن سلاح الجو وشعبة الاستخبارات العسكرية يعملان على "تحضير خطط أكثر عنفاً وزيادة بنك الأهداف في اليمن". يُذكر أن إسرائيل دعت، في وقت سابق، إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الهجمات التي يشنها الحوثيون ضدها.
وفي الملف الفلسطيني، تعقدت المفاوضات بحسب ما ذكر بيان لحركة "حماس" والذي اتهم فيه "الاحتلال بوضع قضايا وشروطاً جديدة، تتعلق بالانسحاب ووقف إطلاق النار والأسرى وعودة النازحين، ما أجل التوصل إلى الاتفاق الذي كان متاحاً". في حين رد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على بيان الحركة بالادعاء أن "حماس" هي من تخلق "عقبات جديدة". وتزامن ذلك مع زيارة قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الى محور فيلادلفيا وقال خلالها إن "السيطرة الأمنية في غزّة ستبقى بيد الجيش، وسنضمن وجود مناطق عازلة ومواقع سيطرة."
وكان جيش الاحتلال شن فجر اليوم عدة غارات أسفرت عن سقوط شهداء وجرحى في حي الزيتون بمدينة غزّة على وقع استمرار تفجير محيط مستشفى كمال عدوان ومحاصرته. وفي حادثة آخرى، استشهد 5 صحفيين يعملون لصالح قناة "القدس اليوم" جراء قصف إسرائيلي استهدف مركبتهم في محيط مستشفى العودة في النصيرات بوسط القطاع.
على الصعيد اللبناني، دخل البقاع دائرة الاستهداف، لأول مرة منذ دخول اتفاق وقف اطلاق النار حيّز التنفيذ، بعدما استهدفت غارة إسرائيليّة بلدة طاريا في بعلبك. من جهته، زعم الجيش الإسرائيلي أنّ مقاتلة إسرائيلية هاجمت في البقاع "خلية إرهابية قامت بزرع عبوات ناسفة ضد القوات العاملة في المنطقة". وفي هذا الصدد، نقلت "الشرق الأوسط" من مصادر نيابية أن الموفد الأميركي آموس هوكشتين كان أعلم الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي عزمه على زيارة بيروت ليواكب الدور الذي أُنيط بهيئة الرقابة الدولية للإشراف على تثبيت وقف النار بين لبنان وإسرائيل ومنع خرقه.
وغلب على الصحف العربية الصادرة اليوم المشهد السوري وتفاصيله على ضوء المستجدات والمتغيرات الحاصلة. وأبرز ما ورد:
أشارت صحيفة "البيان" الإماراتية الى أن "أهم شرط أمريكي أوروبي لرفع العقوبات الدولية على سوريا، وبدء تأهيل اقتصادها بالمنح والمساعدات والاستثمارات يتمثل بتعهد (أحمد) الشرع، وهيئة تحرير الشام، والنظام الجديد، كائناً من كان بإسقاط فكرة الجهاد الديني ضد إسرائيل، وعدم استخدام الدين في الخطاب السياسي". وتطرقت الى زيارة الوفد الاميركي الى دمشق ولقائه الشرع قائلة: "كلام واشنطن كان صريحاً، مباشراً، بمنتهى الدقة، وكأنهم يقولون: "تريد دعماً، توقف عن مشروع الجهاد، والتسخين الديني المذهبي".
ومن وجهة نظر صحيفة "الوطن" القطرية، فإنه "رغم قصر المدة ورغم كثافة الملفات ورغم حجم التهديدات الداخلية والخارجية فقد وفّقت سوريا في امتصاص الصدمة الأولى الناجمة عن سقوط النظام رغم كل المآخذ"، لافتة إلى أنه "لا يمكن الجزم طبعا بنجاح المرحلة الانتقالية، فهذا أمر مبكر، لكن المؤشرات القادمة من دمشق في أغلبها تبدو مطمئنة مع غياب الانفلات الأمني ووجود سلطة مركزية اعترف بها المجتمع الدولي".
أما صحيفة "الأهرام" المصرية فرأت، في مقال، أن "تركيا عندما تتصدى لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فإنها تغامر بتعطيل خطة أمريكا التي تعتمد على الأكراد، والذين لا يكمنون أو ينشطون إلا وفق خطط أمريكية". وأضافت "هذه المواجهة مؤشر يُنذر باقتراب انتهاء فترة الابتهاج العام والدخول في مرحلة تناحر داخلي لا يعلم أحد مداه، لأن الاستنزاف لن يتوقف على أوضاع القوى داخل سوريا"، وفق تعبيرها.
هذا وركزت صحيفة "عُمان" العمانية ايضاً على الواقع السوري، إذ نبهت إلى أن "أوضاع الانتقال السياسي المحتمل في سوريا اليوم تبدو استئنافًا جديدًا ومتأخرًا لمناخ نتائج الربيع العربي الذي تزامنت الثورة السورية في أجوائه منذ مارس (آذار) العام 2011"، متسائلة "هل يمكن القول إن مستقبل الانتقال السياسي في سوريا سيكون مختلفًا عن المصائر السياسية للبلدان التي مرت بتجربة الربيع العربي؟".
بدورها، اعتبرت صحيفة "القدس العربي" أن "النظام الجديد، الذي يتلمّس طريقه في سوريا، يواجه تحديات هائلة، وواضح أن الأولوية لديه، وللمنظومتين العربية والدولية، أن ينجح في تأمين استقرار وسلم أهليّ بشكل يوجّه رسائل طمأنة للسوريين أنفسهم، وكذلك لمحيطه العربي والإقليمي وللعالم"، مشيرة إلى أن ذلك "سيسمح ببدء ورشة الإصلاح الاقتصادية والسياسية، وإخراج سوريا عن العقوبات الاقتصادية والسياسية التي ترزح تحتها".
الى ذلك، شددت صحيفة "الدستور" الأردنية على أن "ما يجري في فلسطين حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي وفصل عنصري في ضوء مواصلة ممارسات الاحتلال العدوانية"، داعية "الأمم المتحدة والمجتمع الإنساني إلى مواصلة كل المحاولات والبقاء على تقديم الخدمات في مواجهة هذه التحديات والصعوبات المتزايدة وأهمية قيام المجتمع الدولي بالدفاع عن القانون الإنساني الدولي والمطالبة بحماية جميع المدنيين".
(رصد "عروبة 22")