لا يبدو أن التحرك الإسرائيلي في جنوب سوريا عبر توسيع المنطقة العازلة واحتلال مساحات واسعة من الأراضي في محافظتي القنيطرة ودرعا وصولاً إلى قمة جبل الشيخ، إجراء مؤقت، كما يدعي المسؤولون الإسرائيليون، ريثما يتم معرفة توجهات الإدارة السورية الجديدة بعد سقوط النظام السابق.
ففي ظل الفراغ الأمني والسياسي الناجم عن سقوط نظام الأسد بمثل هذه السرعة، الذي يبدو أنها تفاجأت به، مثل غيرها في المنطقة والعالم، ووجود سلطة جديدة ضعيفة لم تستقر بعد، وجدت إسرائيل نفسها أمام "فرصة لا تتكرر كل مئة عام"، وفق ما يقول الرئيس الأسبق للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، تسفي هاوزر.
وبالتالي فقد سارعت إسرائيل إلى محاولة فرض أمر واقع جديد يتعدى حدود الدفاع عن مواطنيها، كما تدعي، إلى تغيير خرائط المنطقة، عبر تفتيت الداخل السوري إلى دويلات متناحرة، والظهور بمظهر اللاعب الإقليمي الذي يتحكم بمصير المنطقة. وهي نظرة لا تبتعد كثيراً عن رؤية نتنياهو لتغيير الشرق الأوسط، انطلاقاً من مراكمة ما تسميه "إنجازات تكتيكية" لم تكن تحلم بها حتى وقت قريب، ذلك أن الثابت، حتى الآن، أن إسرائيل، وبعد أكثر من 14 شهراً على هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، لم تستطع حسم الحرب في جبهتي غزة ولبنان، بالإعلان عن نصر صريح يكرس هيمنتها المطلقة على المنطقة.
يدخل احتلال المنطقة العازلة والمزيد من الأراضي السورية، رغم انسحابها مؤخراً من بعض القرى لضرورات إعادة التموضع، إلى جانب تدمير مقدرات الجيش السوري من طائرات وموانئ وسفن بحرية وصواريخ ومستودعات أسلحة وبنى تحتية، في إطار تلك "الإنجازات" التي تريد تحويلها إلى "إنجازات كبرى" وفق هاوزر، ليس فقط استغلالاً للحظة تاريخية، وإنما هو تعويض عن "النصر المطلق" الذي لم تستطع تحقيقه حتى الآن.
إذ إن تقطيع أوصال سوريا، سواء عبر خطط تقسيمها إلى دويلات، أو عبر احتلال المرتفعات الاستراتيجية، مثل جبل الشيخ، يتيح لها المراقبة والسيطرة على أجزاء واسعة من سوريا ولبنان. كما أنه يتيح لها إمكانية المساومة مستقبلاً، في حال تكرست قوى إقليمية ودولية داعمة للإدارة السورية الجديدة، بديلاً للقوى التي كانت تدعم النظام السابق. ولن يشفع للإدارة السورية الجديدة إرسالها الكثير من الإشارات بأنها لا تسعى إلى المواجهة مع إسرائيل، والتأكيد على انصرافها إلى الداخل السوري المنهك من الحروب، وعدم رغبتها في الذهاب إلى حروب جديدة.
إن إسرائيل لا تزال تنظر إلى هذه الإدارة على أنها "مجموعات إرهابية" كانت تسيطر على إدلب وتمكنت من مد سيطرتها إلى دمشق، كما يقول وزير الخارجية جدعون ساعر. وبالمحصلة، يخلص هاوزر الذي شغل منصب سكرتير حكومة نتنياهو في عام 2009، إلى أن على إسرائيل أن تتصرف كقوة عظمى إقليمية، ولا ينبغي أن يختبر ما تقوم به في المجال السوري حيال واقع الأمس، بل حيال واقع الغد.
(الخليج الإماراتية)