تحتل ملفات الشرق الأوسط حيزاً هاماً من اهتمامات الولايات المتحدة الاميركية مع بدء العد العكسي لمغادرة الرئيس الأميركي جو بايدن البيت الأبيض وتسلم الرئيس المُنتخب دونالد ترامب زمام الامور. وتتصاعد وتيرة التحديات والقضايا العالقة، من مخاطر التقسيم في سوريا والمواجهات مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وصولاً الى المخاوف من عودة تنظيم "داعش" كما ملف ايران النووي.
وهذا ما يجعل الساحات العربية على اختلافها في حالة انتظار الرياح الاميركية المقبلة مع استمرار حرب غزة وعدم الوصول الى تسوية حقيقية لوقف النار فيما الساحة اللبنانية تشهد حراكاً دولياً وديبلوماسياً متزايداً للدفع نحو انتخاب رئيس للجمهورية يتناسب مع المرحلة الراهنة بعد ما فرضته الحرب الاسرائيليّة الاخيرة من تغيير في موازين القوى الداخلية، لاسيما ما يتعلق بـ"حزب الله". وبات واضحاً بأن القوى ذات التأثير في الملف اللبناني، والمقصود السعودية والولايات المتحدة وفرنسا، تضغط من أجل انجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت ممكن.
وتتصدر سوريا الاولويات مع الزيارات التي يقوم بها وزير الخارجية في الادارة السورية الجديدة أسعد الشيباني، في إشارة واضحة الى الوجهة التي تريد دمشق اتخاذها لطمأنة هواجس العرب أولاً. في حين تتريث الدول الاوروبية في حسم موقفها، رغم انفتاحها المبدئي، حيث تجاهر علنية بضمان حقوق الاقليات وتمثيل الشعب السوري على اختلافه قبل رفع العقوبات المفروضة، وهو موقف يتماهى مع التوجهات الأميركية ايضاً.
في الإطار عينه، أعلنت الولايات المتحدة، أمس، عن إعفاء إضافي من العقوبات على بعض الأنشطة في سوريا خلال الأشهر الستة المقبلة لتسهيل الوصول إلى الخدمات الأساسية بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد من الحكم. وأوضحت الوزارة، في بيان، أن هذه الخطوة جاءت "للمساعدة في ضمان عدم عرقلة العقوبات للخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكم في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي".
وتسعى القيادة السورية الجديدة الى رفع العقوبات من أجل توفير الاموال التي تحتاجها للبدء بعملية الاعمار خاصة أن حجم الخسائر والدمار كبير. ووفقاً لتقارير دولية ومحلية، بلغت الخسائر الاقتصادية الإجمالية في سوريا حتى عام 2023 أكثر من 600 مليار دولار، بمعنى آخر بلغت خسائر كل مواطن سوري من هذا الصراع 26 ألف دولار في 13 عاما.
هذه التحديات الاقتصادية يقابلها تحديات آخرى تتعلق بتثبيت الامن والاستقرار خاصة مع استمرار المواجهات في الشمال السوري بين فصائل مسلحة تدعمها تركيا والقوات الكردية السورية، التي تصفها أنقرة بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني. وضمن هذا السيّاق، جاءت تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال "لا يمكننا أن نسمح تحت أي ذريعة كانت بأن يتمّ تقسيم سوريا، وفي حال لاحظنا أدنى خطر (لحصول ذلك)، سنتخذ سريعا الإجراءات اللازمة". وأضاف "نهاية المسلحين الأكراد تقترب، وأنه لا مجال للإرهاب في مستقبل سوريا"، على حدّ تعبيره.
في موازاة ذلك، برزت زيارة وزير الخارجية السوري الى الامارات حيث أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، أن الزيارة تهدف إلى بحث آفاق التعاون والتنسيق بين البلدين. في وقت جدد وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان تأكيد موقف الإمارات الثابت في دعم استقلال سوريا وسيادتها على كامل أراضيها، مؤكداً الوقوف إلى جانب الشعب السوري، ودعم كل الجهود الإقليمية والأممية التي تقود إلى تحقيق تطلعاته.
لبنانياً، حط الموفد الاميركي أموس هوكشتاين في بيروت بعد الزيارة الخاطفة التي قام بها الى السعودية، إذ تؤكد المعطيات أن هناك توافق سعودي - أميركي يُخيم على الملف اللبناني لاسيما ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي على بُعد يومين من الجلسة المقررة يوم الخميس المقبل. في موازاة ذلك، دخلت فرنسا على الخط من خلال الزيارة التي يقوم بها المبعوث الفرنسيّ جان ايف لودريان الى بيروت، اليوم. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، استبق هذه الزيارة، باعلانه موقف فرنسا تجاه الاستحقاق الرئاسي، حيث شدد على أهمية انتخاب رئيس للجمهورية، معتبرًا أن هذه الخطوة ستسهم في استعادة السيادة اللبنانية الكاملة.
والى جانب الاستحقاق الرئاسي، شهدت الحدود الجنوبيّة اللبنانيّة مستجدّات في غاية الاهمية تمثّلت بانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من عدّة مناطق في القطاع الغربي، ولا سيّما بلدة الناقورة، وذلك قبل انتهاء المهلة المحدّدة بـ60 يومًا. وجاءت هذه الخطوة في أعقاب اجتماعٍ للجنة الخماسيّة في رأس الناقورة، بحضور هوكشتاين الذي قام بجولة سياسية شملت الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي وقائد الجيش جوزف عون. تزامناً، أفادت وثيقة اطلعت عليها وكالة "رويترز"، الاثنين، بأن إدارة بايدن ستحول 95 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر إلى لبنان الذي ينفذ وقفا لإطلاق النار مع إسرائيل، دون الحديث عن المزيد من التفاصيل.
أما الملف الفلسطيني، فقد شهد فرملة للمفاوضات بعد الزخم الاخير مع تأجيل سفر رئيس الموساد دافيد برنياع، إلى العاصمة القطرية الدوحة. وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان، إنه "حتى الآن، لم تتلقَّ إسرائيل أي تأكيد أو تعليق من "حماس"، حول وضع الرهائن الواردة أسماؤهم في القائمة". وفي وقت تنتظر تل أبيب معرفة وضع هؤلاء الاسرى الذين تضمنتهم القائمة المؤلفة من 34 اسماً، رفض أهالي المحتجزين صفقة جزئية، وقال منتدى العائلات "إنه صدم من القائمة وإنه حان الوقت لاتفاق شامل يعيد جميع المختطفين الأحياء منهم والأموات".
ميدانياً، كثف جيش الاحتلال من هجماته وغاراته على قطاع غزة، بينما عادت الاوضاع في الضفة الغربية الى الواجهة بعدما أقرّ نتنياهو سلسلة إجراءات أمنية رداً على عملية إطلاق نار، قرب مستوطنة كيدوميم، والتي أدت إلى مقتل 3 إسرائيليين بينهم شرطي. وتوالت ردود الفعل وأبرزها من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي نادى بـ"الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين في مدينتي نابلس وجنين شمالي الضفة الغربية، كما تفعل تل أبيب في جباليا، شمال قطاع غزة".
وفي مستجدات آخرى ذات صلة، أعلن الحوثيون، مساء أمس، عن استهداف حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس هاري ترومان" شمالي البحر الأحمر ومهاجمة أهداف وسط وجنوب إسرائيل، في 4 عمليات نفذت بصواريخ ومسيّرات، وفق المتحدث العسكري الرسمي.
وعكست الجولة اليومية على الصحف العربية الصادرة القضايا والملفات ذات الأولوية، حيث:
تطرقت صحيفة "الرياض" السعودية الى الأوضاع في سوريا غداة سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، معبترة أنه "ثمة ضوء في نهاية نفق طويل مظلم، امتد لأكثر من سبعين عاماً". وشددت، بعدما حددت أولويات المرحلة المستقبلية، على أنه "قد سنحت الفرصة لقادة سوريا لتحويلها من دولة مقسمة وغير آمنة، وحكومة مستبدة، إلى دولة نموذجية يسودها الأمن والعدل. دولة حديثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى".
ورأت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن "سوريا الخارجة من حكم البعث الذي استمرّ أزيد من خمسة عقود، عاشت السنوات الأخيرة في حالات انقسام عديدة، من حيث توزّع سلطات الأمر الواقع، أو من حيث الانقسام المجتمعي، أو حتى من حيث تباين الموارد واختلاف الحلفاء"، موضحة أنه "من الصعب على من يحكم سوريا اليوم أن يكون بمنأى كامل عن التجاذبات الإقليمية، وبالتالي، فإن تحديد وجهة سوريا إقليمياً سيحدّد طبيعة الداعمين للنظام الجديد، أو المنكفئين عن دعمه".
وتحت عنوان "أيام هامة مقبلة على سوريا"، كتبت صحيفة "الوطن" البحرينية، "دول الخليج العربي تدرك جيداً أن دعم اقتصاد سوريا أمر هام جداً، ولا يقل أهمية عن دعمها سياسياً، ولكن لاكتمال الدعم الاقتصادي لابد من العمل على رفع العقوبات الأمريكية على سوريا"، مؤكدة أن "رفع هذا القانون سيصب في صالح سوريا الجديدة، التي ستمضي قدماً نحو ترميم علاقاتها الاقتصادية مع حلفائها الجدد وبالذات دول الخليج العربي، التي أكدت على تقديم كل الدعم لسوريا في مرحلتها الحالية والمراحل المستقبلية".
بدورها، حددت صحيفة "الأهرام" المصرية وجهة النظر المتعلقة بالملف السوري المستجد، إذ سلطت الضوء على الإطار العام الذى يحكم السياسة المصرية تجاه سوريا و"هو الانحياز للدولة السورية ولمؤسساتها الوطنية وكذلك للشعب السوري، والعمل على تقديم كل أشكال الدعم لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها لتمارس دورها الطبيعي فى محيطها العربي". وخلصت إلى أن "دور مصر في دعم الدول العربية ينطلق بتجاوز أزماتها وتحدياتها، انطلاقا من مسؤوليتها التاريخية في تعزيز الأمن القومي العربي".
من جهتها، دعت صحيفة "الدستور" الأردنية إيران الى "إجراء مراجعة جادة لجميع مواقفها في المنطقة، فلم تعد سوريا مجرد ساحة خلفية وممر لقوات الحرس الثوري الإيراني، ولبنان عليه استحقاقات لا مجال إلا لتسديدها وفي المقدمة منها تجفيف منابع وموارد "حزب الله" والتواجد الإيراني في لبنان"، متسائلة ما إذا "سيكون العراق في مرحلة قادمة هو الوجهة للتغيير والتحوّل بحيث تفرض الدولة العراقية سيادتها وتمد سيطرتها على مختلف الأنحاء مع الاستقلال في القرار والرجوع لحضن العروبة".
أما صحيفة "اللواء" اللبنانية، فقد تحدثت عن أهمية عدم الربط بين انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان واعادة الاعمار، ناقلة خشية بعض الأطراف السياسية "أن يكون شرط الخارج لإنتخاب رئيس قبل المساعدة بإعادة الاعمار، عامل ضغط سياسي لفرض الرئيس الذي يريده الخارج لحساباته السياسية المستقبلية خلال عملية تسوية أوضاع المنطقة، ولا يراعي حساسية ودقّة الوضع اللبناني بعد الحرب".
(رصد "عروبة 22")