الاقتصاد العربي.. وضرورات التكامل

المُتطلِّبات المُعاصِرة للاقتصاد العربي الكلِّي (1/3)

نتناولُ هنا التَّعاونَ الاقتصادي بين الدُّول العربيَّة في مجالاتِ التِّجارة والاسْتثمارِ والمشروعاتِ المشتركةِ وانتقالَ العمالةِ. ونُناقشُ في الجزءِ الثَّاني التَّحدِّيات الاقتصاديَّة الّتي تُواجِه الدُّوَلَ العربيَّة في قضيتَيْ الفَقْرِ والبَطالة، ثم نُناقشُ في الجزءِ الثَّالثِ مستقبلَ التَّعاون في مجالَـيْ النَّفط والغاز والرَّبط الكهربائي بيْن الدُّول العربيَّة، والتَّقدُّم الاقتصادي الذي أحرزَته الدُّول العربيَّة على زيادةِ التَّكاملِ الاقتصادي. ونَخْتَتِمُ من خلالِ مناقشةِ موضوعاتِ اقتصادِ المعرفةِ والتنوُّعِ الاقتصادي والبَحثِ العلمي ودورِها في تعزيزِ قدرةِ الاقتصاداتِ العربيَّة.

المُتطلِّبات المُعاصِرة للاقتصاد العربي الكلِّي (1/3)

بلغَ حجمُ النّاتج المحلِّي الإجمالي حسب القطاعات الاقتصاديَّة (2023) في الدُّول العربيَّة حوالى 3.379 مليارات دولار بعدَ أن كانَ حوالى 3.574 مليارات دولار عام 2022، استنادًا إلى التَّقرير الاقتصادي العَربي الموحَّد 2024، وتُمثِّل قطاعاتُ الإنتاجِ السِّلَعي، وهي: الزِّراعة والصِّناعة والغابات، الصِّناعات الاستِخراجيَّة، الصِّناعات التَّحويليَّة، التَّشييد، الكهرباء والغاز والماء، إجماليّ قِطاعاتِ الإنتاجِ السِّلعي وهي التّجارة والمَطاعم والفَنادق، النَّقل والمُواصلات والتَّخزين، التَّمويل والتَّأمين والمَصارِف، قطاعاتُ الخِدْماتِ الاجتماعيَّة وهي الإسكان والمرافق والخِدمات الحكوميَّة والخِدمات الأخرى. وهذه كلّها تمثِّل القِطاعات الاقتصاديَّة.

الفُرصة مؤاتية لإعادة توطين الأرصدة العربيَّة في الدُّول العربيَّة وتشجيعِ التكامل بين مؤسَّساتِ القطاع الخاصّ العربي

ونتطرّق هنا إلى دعم وتفعيل تحقيقِ التَّكامل الاقتصادي العَربي، والمعوقات التي تَتوافرُ لدى الدَّولة والتي من شأنِها أن تزيدَ من فاعليَّةِ التَّكامُل الاقتصادي العربي، ودور القِطاعِ الخاصّ في حَفْزِ وتشجيعِ وتفعيلِ ذلك التَّكامل، وإرساء استراتيجيَّةٍ للعملِ العربي المُشتَرَك التي تَتضمَّن أهدافًا رئيسيَّة واقعيَّة واضحَةً تَنسَجِمُ مع إمكاناتِ الدُّول العربيَّة، وإطلاقِ القِوى الإبْداعيَّة للمواطنِ العربي من خلالِ مشاركةٍ شعبيَّة فعَّالة في تحمُّلٍ عادلٍ ومتكافئ لأعباء التَّنمية ومسؤولياتِها وأيضًا جني ثمارِها وعوائدِها من خلال تَجمُّعٍ عِلمي وفَنِّي وسياسِي تُسهِم في تنظيمِه واعمالِه المُنظَّمات القائِمة للعملِ العربي المُشترك.

وتعتمِدُ إعادةُ الهيكلةِ القاعدَة الإنتاجيَّة، كُلِّيًا على موادّ النَّفط والمَوادّ الخَّام حيث يَستحوذُ قطاعُ النَّفط على نحو أكثر من 80% من الصَّادِراتِ السِّلَعيَّةِ العربيَّة، لذلك فإنَّه يتعيَّن إعادَة هيكلةِ القاعدة الإنتاجيَّة والعمل على تنوُّع الإنتاجِ وذلكَ عن طريق تَبنِّي استراتيجيَّة الإنتاجِ من أجلِ التَّصدير، ويتمُّ ذلك من خلالِ إقامةِ المشروعاتِ الاستثماريَّة المشتركة، وقيام صناعاتٍ عربيَّةٍ مُتخصِّصة ومتكامِلة تطبّق أساليبَ الإنتاج على أُسُسٍ عِلميَّة.

إنَّ زيادةَ حجمِ الاستثماراتِ العربيَّة البيْنيَّة، وذلك بتوفيرِ المُناخِ المُلائمِ للاستثمارِ في الدُّول العربيَّة، والذي يعتمدُ على توفيرِ الحَوافزِ التي تقدمُها الدُّول للمستثمرِ الأجنبي، ولعلَّ الفُرصةَ تعدُّ مؤاتيةً الآن لزيادةِ حجمِ الاستثماراتِ العربيَّة، واستعادةَ الأرصدةِ العربيَّةِ التي تتواجدُ خارجَ الوَطن العربي وإعادةِ توطينِها في الدُّول العربيَّة، وحَفْزِ وتشجيعِ مُبادراتِ تكامل بين مؤسَّساتِ القِطاعِ الخاصّ العربي، تقومُ على رعايةِ مشروعاتِ التَّكاملِ الاقتصادي بيْن مؤسَّساتِ القِطاع الخاصّ ومدِّها بالدَّعمِ الإداري والتِّقني وتُساعِدُها في حلِّ ما قد يعترضها من مُعوِّقات.

قضيَّة التَّكامل ليست فقط ممكنة في الوطن العربي بل هي مُتَمَيِّزة عن سِواها من تجارب الدُّول الأخرى

من الجَديرِ بالإشارةِ، أنّ الدُّول العربيَّة المُصدِّرة للنَّفطِ تأثَّرت بتراجُعِ قطاع النَّفط إثر تراجعِ الأسعارِ وخفْضِ الإنتاجِ، على الرَّغم من نموِّ الصِّناعات التَّحويليَّة وقطاعِ الخدماتِ بها، مدفوعةً بالإصلاحاتِ الرَّاميةِ إلى تنويعِ الهيكلِ الاقتصادي وتطويرِ القطاعِ الخاصّ. وقد انخفضَ نموّ ناتجِها المحلّي الإجمالي من 6.7% عام 2022 إلى 0.9% عام 2023، وأدّت الحربُ على قطاعِ غزَّة إلى توقُّفِ النَّشاط الاقتصادي فيه، وتراجُعِ الإنتاجِ الزِّراعي في جنوب لبنان، وضعفِ النَّشاط السِّياحي في الدُّول العربيَّة المُجاورة.

ومن المُهمِّ هنا أن نُوضِح أنَّه في الوَطَنِ العَربي تتوافرُ جميع مُقوِّمات التَّكامل الاقتصادي، مما يجعلُ قضيَّة التَّكامل ليست فقط ممكنة، بل هي مُتَمَيِّزة عن سِواها من تجارِبِ الدُّول الأخرى، وذات خصوصيَّة تختصُّ بها، إذ يُعتبرُ الوطنُ العَربي من أغنى مناطقِ العالمِ في احتياطي البِترول الخَام وتُشَكِّلُ حصَّة الدُّول العربيَّة من إجمالي الاحتياطي المُؤكَّد العالمي 55.7%، وتُشكِّل 26.5% من إجمالي الاحتياطي المؤكَّد من الغاز الطَّبيعي عام 2023، كما بَلَغَت مساحةُ الأرَاضي القابلَة للزِّراعة في الدُّول العربيَّة حوالى 197 مليون هكتار، ويُشكِّل إجمالي مساحةِ المراعي الطبيعيَّة حوالى 375.9 مليون هكتار، بينما قُدِّرت مَساحة الغابات بنحو 37.4 مليون هكتار، ويُعتبرُ الوطنُ العربي سوقًا واسعةً قِوامها 415 مليون نسمة، وهي سوق مؤهَّلة لتحقيقِ التَّكامُل الاقتصادي.

السُّوق العربيَّة الواحدة خطوة نحو تعميق التَّكامل الاقتصادي العربي

وعند الحديثِ عن التِّجارة العربيَّة البيْنيَّة، فقد خَطَت الدُّوَلُ العربيَّة خطواتٍ مُهمَّةً لتحقيقِ التَّكاملِ الاقتصادي منذ إطلاقِ منطقةِ التِّجارة الحُرَّة العربيَّة الَتي تستهدفُ زيادة مستويات التِّجارة البينيَّة السِّلعيَّة وإزَالة الحواجزِ التَّعريفيَّة وغيْر التَّعريفيَّة للوصولِ إلى الاتحادِ الجُمركي العَربي، الذي سيستَتْبِعُه التَّفاوُضُ للوصولِ إلى السُّوق العربيَّة الواحدة كدرجةٍ أعمق من درجاتِ التَّكامل الاقتصادي، وخطوةٍ نحو تعميق التَّكامل الاقتصادي العَربي في ظلِّ مساهمةِ قطاعِ الخدماتِ بنحوِ 48% من النَّاتج المحلِّي الإِجمالي، ونحو 54% من مُستوياتِ التَّشغيل، التي توِّجَت هذه الجهود بإقرارِ الاتفاقيَّة العربيَّة لتَحريرِ التِّجارةِ في الخِدماتِ بيْن الدُّول العربيَّة كاتِّفاقيَّة مستقلَّة عن منطقةِ التِّجارة الحرَّة العربيَّة الكبرى، التي تُمَهِّدُ الطريق نحو المَشروعاتِ المُشتركة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن