صحافة

"المشهد اليوم"...لبنان ينتخب رئيساً بدعم خارجي وتوافق داخلي "النواب الأميركي" يصوت بمعاقبة الجنائيّة الدوليّة بسبب إسرائيل ومفاوضات غزّة تتقدم

الرئيس الجديد جوزاف عون في أول صورة رسمية على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا بعد انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية (أ.ف.ب)

بعد 802 يوماً من الفراغ الرئاسي انتخب لبنان رئيساً للجمهورية. مناوشات وتصريحات صاخبة تخللت الجلسة التي خرجت بسيناريو كان متوقعاً إزاء الضغط الدولي الذي مورس من أجل وقف التعطيل وتعبيد الطريق أمام قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي حظي بتوافق خارجي ودعم داخلي ساعده على دخول القصر الجمهوري في مرحلة شديدة الحساسية والتعقيد نتيجة تداعيات الحرب الاسرائيليّة الأخيرة والازمات المتلاحقة التي عصفت بلبنان خلال السنوات الأخيرة.

99 صوتاً ضمنت لعون الوصول إلى القصر الجمهوري، دون الخشية من الطعن أمام المجلس الدستوري، ليكون الرئيس الرابع عشر للبنان والعسكري الخامس الذي ينتقل من اليرزة الى قصر بعبدا على مرّ تاريخ لبنان (بعد فؤاد شهاب، إميل لحود، ميشال سليمان وميشال عون). وفي التفاصيل، تعمّد الثنائي الشيعي إحباط الجلسة الاولى عبر الإحجام عن منح عون الاصوات اللازمة لإنتخابه، في دلالة عبر عنها رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد حين قال "أردنا من خلال تأخير تصويتنا لفخامة الرئيس بأن نرسل رسالة بأننا حماة الوفاق الوطني في البلد".

وقد حمل خطاب القسم الكثير من المضامين التي تشكل خارطة طريق لاسيما تأكيد عون على "تثبيت حق الدولة في احتكار حمل السلاح" وإمساكها بالحدود وسيادتها على كافة الأراضي اللبنانية، متعهداً بـ" الدعوة لإجراء استشارات نيابية في أسرع وقت لاختيار رئيس حكومة يكون شريكاً وليس خصماً". وإذ خلا خطابه من كلمة "مقاومة"، أكد أهمية بناء ما دمرته الحرب في كل مناطق لبنان، داعياً الى "استثمار لبنان في علاقاتنا الخارجية، لا أن نراهن على الخارج للاستقواء على بعضنا البعض".

وزخر الخطاب ايضاً بالعديد من العناوين الاصلاحية، لاسيما في ما يتعلق باقرار قانون جديد لاستقلالية القضاء واجراء التشكيلات القضائية واقرار قانون اللامركزية الادارية. هذا وأكد دوره بحماية أموال المودعين من خلال التمسك "بالاقتصاد الحر والحاجة الى مصارف لا يكون فيه الحاكم الا القانون". وقد توالت ردود الفعل الدولية والعربية المرحبّة بالانتخاب مع التمني للبنان بأن يستعيد الاستقرار في المرحلة المقبلة.

تزامناً، أعلن "الإليزيه" أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور "لبنان قريبا جدا"، بعد اتصال هاتفي جمعه مع الرئيس عون وتمنّى فيه النجاح لنظيره اللبناني. في وقت رحب الرئيس الأميركي جو بايدن بانتخاب عون، معتبراً أنّ قائد الجيش هو "الزعيم المناسب لهذه الفترة". ورأى أنّ عون سيوفر "قيادة حاسمة" في الإشراف على وقف إطلاق النار الساري بين إسرائيل و"حزب الله".

إلى ذلك، تستمر القوات الاسرائيليّة بخرق اتفاق وقف النار الذي تم التوافق عليه مسبقاً حيث عمدت الى تفجير عدة منازل بين بلدتي رامية وعيتا الشعب الحدوديتين في قضاء بنت جبيل، وسمع دويها في قرى القضاء، بحسب ما أفادت به "الوكالة الوطنية للإعلام".

وفي موقف يرسم ملامح المرحلة القادمة، صوت مجلس النواب الأميركي، أمس الخميس، على فرض عقوبات على المحكمة الجنائيّة الدولية احتجاجاً على إصدارها مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت مع استمرار حرب الابادة على قطاع غزّة وتعمّد الاحتلال توسيع هجماته الجوية والبرية والبحرية ونسف مربعات سكنية بأكملها ما أدى الى وقوع العشرات من الشهداء والجرحى جلّهم من الأطفال والنساء. من جهتها، قالت "اليونيسيف"، إن 74 طفلاً، استشهدوا في قطاع غزّة، خلال الأسبوع الأول من العام الحالي.

وضمن الإطار عينه، أكد وزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، أنه بعد تنصيب (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، ستقلص إسرائيل المساعدات الإنسانية لسكان القطاع إلى "الحد الأدنى المطلوب بموجب القانون الدولي". هذه التصريحات تترافق مع استمرار جهود الوساطة في العاصمة القطرية، الدوحة، حيث نقلت صحيفة "هآرتس" عن مصدر إسرائيلي بارز قوله إن "التكتم على تفاصيل مفاوضات الصفقة يشير لالتزام الأطراف كافة باستمرار المحادثات بجدية"، منوهاً إلى أن إسرائيل تنتظر تحديثات من وفدها في الدوحة لتتخذ قراراً بشأن إرسال رئيس الموساد، ديفيد برنياع، لحضور المناقشات، خاصة أنه خلال الأيام الأخيرة حدث "تقدم" في المحادثات".

وفي سياق ذي صلة، أعلن الجيش الإسرائيلي أنّه اعترض، مساء أمس، في غضون ساعة واحدة ثلاث طائرات من دون طيّار أطلقت من جهة الشرق، اثنتان منها على الأقل أطلقتا من اليمن. بموازاة ذلك، ذكرت "القناة 12" الإسرائيليّة أن نتنياهو عقد جلسة خاصة، الخميس، لمناقشة استعدادات الجيش الإسرائيلي لتوجيه ضربة ثالثة لإيران. وأشارت المصادر الى أن "الاجتماع سيناقش أيضاً التوقعات بأن يتبنى ترامب سياسة أكثر عدوانية ضد إيران".

وإزاء التغيّرات الإقليمية والتطورات الخارجية، هيمن المشهد اللبناني على عناوين وافتتاحيات الصحف العربية الصادرة اليوم. وفي جولة عليها نرصد:

اعتبرت صحيفة "الخليج" الإماراتية أنه "لم يكن انتخاب الرئيس الجديد عملية سهلة، فقد مرّ بمخاض عسير جراء الصراعات السياسية الداخلية، والاستقطابات الإقليمية، إضافة إلى الأزمة الطائفية المتحكمة برقاب اللبنانيين"، متسائلة "هل يستطيع الجنرال الخامس أن يحقق ما حققه الجنرال الإصلاحي فؤاد شهاب من إصلاحات اقتصادية واجتماعية وتنموية أواخر الخمسينات ومطلع الستينات، أم أن الظروف تغيرت.؟".

وأكدت صحيفة "العرب" القطرية أن "لبنان، الذي عانى طويلاً من انقسامات داخلية وأزمات اقتصادية متلاحقة، يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الدعم العربي والدولي ليتمكن من بناء مستقبل مستدام". وقالت: "انتخاب الرئيس جوزاف عون يُعد لحظة فارقة، حيث يُمكن أن يمثل بداية لإعادة الثقة بمؤسسات الدولة، وتعزيز الاستقرار السياسي الذي يُعتبر أساساً للنهوض الاقتصادي".

وتحت عنوان "لبنان على الطريق الصحيح"، كتبت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "مصر دائماً ما أعربت عن رغبتها في انتهاء أزمة الشغور الرئاسي، وطالبت بضرورة اتخاذ هذه الخطوة حتى تعود هذه الدولة شديدة الأهمية في المنظومة العربية إلى لعب أدوارها الثقافية والسياسية والاقتصادية التي طالما كانت تقوم بها في الماضي"، مشيرة إلى أن "عودة لبنان إلى الاستقرار ستحفظ لهذا البلد الجميل سلامة أراضيه، ووحدة أبناء شعبه، بعيدا عن التدخلات السافرة من هذا الطرف أو ذاك".

من جهتها، لفتت صحيفة "القدس العربي" الى أنه "وأخيرا تغيرّت ظروف لبنان، الذي يخضع، منذ مدة سنتين وقرابة ثلاثة أشهر، لحالة عطالة سياسية كبرى تمثلت بعدم قدرة أي فريق سياسي ممثل في البرلمان على انتخاب رئيس"، آملة بأنه "بعد كل هذا الخراب الكبير الذي حاق بلبنان واللبنانيين، أن يكون انتخاب الرئيس الجديد إيذانا بمرحلة جديدة لتسويات، لا تشمل لبنان فحسب، بل تشمل أيضا سوريا والمنطقة العربية".

أما صحيفة "اللواء" اللبنانية، فشددت على أن الرئيس الجديد جوزاف عون في خطاب القسم "وضع أصابعه على مجموعة من الجراح دفعة واحدة، قارعاً جرس الإنذار للمنظومة السياسية الحالية". وقالت: "الرئيس عون يطمح بأن يكون فؤاد شهاب الثاني، في حرصه على تعزيز دولة المؤسسات، والقضاء على "أكلة الجبنة" من السياسيين الفاسدين..لكن الطريق صعبة، والتحديات كبيرة، وآمال اللبنانيين تبقى بمستوى إنجازات هذا البرنامج الإصلاحي الطموح".

بدورها، عكست صحيفة "نداء الوطن" اللبنانية ما رافق وصول عون إلى قصر بعبدا "والذي لم يكن سهلاً بل فخخته أطراف داخلية مرات عدة وعطلته بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة". وأردفت: "شكل إنتخاب عون خسارة إستراتيجية كبرى لفريق الممانعة، نظراً إلى غياب نفوذ المحور الذي ينتمي إليه في إتمام الاستحقاق الرئاسي، بعد الالتقاء الأميركي - السعودي بشكل رئيسي على رئاسة عون. وهذا من أبرز أوجه التبدلات الإقليمية مع سقوط محور الممانعة وتراجعه الكبير في المنطقة"، وفق تعبيرها.

وفي السيّاق السوري، رأت صحيفة "الصباح" العراقية أن "حزب البعث الذي حكم سوريا لمدة ستة عقود من الزمن، أسس وكرس ورسخ مناهج الاستبداد والتسلط". وأضافت: "وإذا كان الطريق يبدو طويلاً أمام تحول سوريا إلى دولة مدنية ديمقراطية، فإن المقدمات الصحيحة، والمسارات السليمة من شأنها أن تختصر ذلك الطريق الطويل، وتتجاوز بعضاً مما حصل مع تجارب أخرى سابقة في العراق وتونس وليبيا وسواها التي انعتقت من براثن الطغيان لتقع في شراك العنف والفوضى لفترة من الزمن".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن