جملة ملفات عالقة كانت محور النقاشات التي جمعت رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي والقائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في قصر الشعب بدمشق. الزيارة المحورية التي تأتي على وقع انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وإطلاق المشاورات الخاصة بالاستشارات الحكومية غداً، الإثنين، حملت أبعاداً سياسية وأمنية، ولاسيما في ما يتعلق بضبط الحدود بين البلدين وترسيمها والحدّ من عمليات التهريب كما موضوع النازحين السوريين.
فغداة أول زيارة لرئيس حكومة لبناني إلى سوريا منذ العام 2010 وبعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، عادت العلاقات الى دائرة الضوء وسط مطالبات بإعادة النظر بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين التي يصفها البعض بـ"المُجحفة". في وقت ركزت كلمة الشرع على إعطاء الفرصة لبناء "علاقة مبنية على سيادة لبنان وسوريا"، مشدداً على وقوف بلاده على مسافة واحدة من الجميع. هذا التغير الطارىء في المواقف يعكس تبدلاً جذرياً وتطوراً إستراتيجياً خاصة أن سوريا الأسد كانت تنظر الى لبنان من باب التبعية لها وهي التي احتلت لبنان لسنوات طوال (منذ العام 1967) ولم تخرج منه الا بعيد عملية اغتيال الرئيس الاسبق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري في العام 2005.
هذا ولطالما نظر اللبنانيون على أن "سلامة سوريا هي من سلامة لبنان" وهذا ما عكسته المقولة الشهيرة للصحافي والكاتب سمير قصير (الذي تُتهم سوريا ايضاً بعهد الأسد بإغتياله في عام 2005) "ربيع العرب حين يزهر في بيروت إنما يعلن أوان الورد في دمشق". ومن هنا يُنظر الى هذه الزيارة على انها فاتحة أمل يمكن أن تؤسّس لعلاقات ومقاربات مختلفة، لم يعتد عليها اللبنانيون في العهد الماضي، خاصة أن القائد الجديد لسوريا ركز على أولويات الداخل السوري والحفاظ على الأمن وحصر السلاح بيد الدولة، كمنطلق أساسي لطمأنة الدول الآخرى.
تطورات لبنان الايجابية أيضاً بدأت تتجلى بالحركة الدبلوماسية النشطة واللقاءات الرفيعة المستوى منذ اعلان انتخاب الرئيس جوزاف عون بعد أكثر من عامين من الشغور الرئاسي. فوق المعلومات، يحط الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش في لبنان السبت المقبل. في وقت بدأت "الاليزيه" التحضير لزيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. توازياً، يصل وفد سعودي رفيع المستوى إلى بيروت مطلع الأسبوع المقبل لتهنئة رئيس الجمهورية وتسليمه دعوة رسمية لزيارة المملكة، وذلك بعد اتصال التهنئة الذي تلقاه عون من ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان والذي وعد بتلبيته قائلاً، وفق بيان الرئاسة اللبنانية، "إن اختياره السعودية كأول وجهة خارجية يأتي إيماناً بدورها التاريخي في مساندة بلاده والتعاضد معها، وتأكيداً لعمق لبنان العربي كأساس لعلاقاته مع محيطه الإقليمي".
هذه العودة السعودية والانفتاح على لبنان، والذي تجلى بالحركة السياسية التي سبقت عملية الانتخاب، تؤسس لمرحلة جديدة خاصة بعد غياب دور المملكة في السنوات الاخيرة لصالح الهيمنة الايرانية على شؤون البلاد، سواء في بيروت أو حتى في دمشق. وازاء هذه التطورات، تتجه الانظار الى الاستشارات النيابية الملزمة التي دعا اليها الرئيس عون يوم الاثنين لتسمية رئيس للحكومة وسط غياب الحسم. ومن بين الاسماء المطروحة اعادة تكليف الرئيس ميقاتي أو التداول بآخرى سبق وتم طرحها في الاعوام الماضية كالنائبين فؤاد مخزومي وأشرف ريفي أو نواف سلام وغيرهم.
ويلاقي هذه الاندفاعة السياسية استمرار الاحتلال الاسرائيلي في خرق اتفاق وقف النار، حيث شنّت مسيّرة إسرائيليّة غارة على سيارة في بلدة كونين الجنوبية، ما أدى الى جرح شخصين بحسب بيان صادر عن وزارة الصحة اللبنانية. وعلى الرغم من الخروقات استمرت وحدات الجيش اللبناني بالانتشار في منطقة رأس الناقورة وبلدات في القطاع الغربي بقضائي صور وبنت جبيل. يُشار إلى أن القوات الاسرائيليّة خرقت اتفاق التسوية أكثر من 440 مرة طوال الـ45 يوماً. وقد استشهد في الاعتداءات 37 شخصاً كان آخرهم 5 قضوا بغارة يوم الجمعة الماضي في بلدة طيردبا.
وفي السياق السوري، أعلن جهاز الاستخبارات أمس، إحباط محاولة لتنظيم "داعش"، لتفجير داخل مقام السيدة زينب في جنوب العاصمة دمشق. من جانبه، أعرب "المرصد السوري لحقوق الإنسان" عن خشيته من استخدام إيران لخلايا "داعش" في تفجيرات هدفها إشعال فتنة بين مكونات الشعب السوري وتأجيج التوترات "الطائفية"، وإظهار ضعف القيادة العسكرية الجديدة، مما يمنح إيران ذريعة لتعزيز نفوذها من جديد تحت ستار "حماية المقامات". يُذكر أن هذا أول ظهور لتنظيم "داعش" في محيط العاصمة دمشق منذ عام 2018.
من جهته، تحدث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن أن "استراتيجية تركيا للقضاء على الإرهاب من مصدره أنزلت ضربة قاضية بالتنظيمات الإرهابية"، في إشارة إلى "حزب العمال الكردستاني" و"وحدات حماية الشعب" الكردية التي تقود "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في سوريا والعراق. فيما عبّرت أميركا عن تفهمها لمخاوف تركيا بشأن الأمن ومكافحة الإرهاب. وقال وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، جون باس، إن الوجود العسكري الأميركي في سوريا يهدف إلى منع ظهور تنظيم "داعش" مجدداً بوصفه تهديداً إقليمياً، مؤكداً أن تعاون بلاده مع "الوحدات" الكردية يندرج في هذا الإطار.
وفي إطارٍ ذات صلة، بدأ، مساء أمس، توافد المشاركين في الاجتماع الموسع لوزراء خارجية دول عرببة وغربية بشأن سوريا الذي تستضيفه العاصمة السعودية اليوم. ويناقش الاجتماع، الذي يشهد حضور ممثلي منظمات أممية ودولية، الوضع العام بعد سقوط نظام الأسد ويشارك من الجانب السوري، وفق المعلومات، وزير الخارجية أسعد الشيباني.
أما التطورات في المشهد الفلسطيني، فتبقى في إطار المراوحة. فرغم تأكيد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل سترسل وفداً برئاسة رئيس جهاز الموساد إلى قطر لمواصلة المحادثات بشأن اتفاق محتمل لوقف النار، لا تزال العقبات تعترض الاعلان عن تسوية رسمية رغم مضي أشهر طويلة من اللقاءات والمفاوضات. في وقت يتوقع مراقبون أن تشهد الساعات المقبلة المزيد من الضغط الأميركي لاعلان صفقة قبيل تنصيب الرئيس المُنتخب دونالد ترامب.
ومع إستمرار المجازر اليومية، ذكرت القناة 13 الإسرائيليّة أن 50 جنديا إسرائيلياً قتلوا بينهم 11 في بيت حانون منذ بدء العملية في شمال قطاع غزّة، وأشارت كذلك إلى مقتل 400 جندي حتى اليوم منذ بدء العملية البرية. جاء ذلك بعدما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية مساء أمس عن مقتل 4 جنود وإصابة آخرين جراء تفجير لغم بقوة إسرائيليّة في شمال القطاع.
وطغى المشهد اللبناني بكل حيثياته على ما عداه من قضايا وملفات تشغل المنطقة العربية وسط ارتياح عربي عكسته الصحف الصادرة اليوم والتي أوردت:
تحت عنوان "عهد لبناني مفعم بالأمل"، كتبت صحيفة "الخليج" الإماراتية "فتحت المشاورات التي سبقت انتخاب جوزاف عون رئيساً، أبواب الأمل أمام جميع اللبنانيين، والتعهدات التي أطلقها الرئيس المُنتخب بفتح صفحة جديدة، جاءت نتيجة لتلك المشاورات المتوافق عليها، والتي حظيت بدعم خارجي، وخصوصاً من الولايات المتحدة وفرنسا واللجنة الخماسية"، مشيرة إلى أن هذه "القوى وضعت شروطها المسبقة، وهي الضامنة بالمساعدة على تحقيق السلم الأهلي وإعادة الإعمار ومساعدة لبنان على حماية أراضيه وسيادته وكرامة شعبه".
بدورها، اعتبرت صحيفة "عكاظ" السعودية أنه "من الطبيعي أن يحرص العرب على خروج لبنان من أزمته واستتباب أمنه واستقراره وعودته إلى المنظومة العربية التي أريد له الخروج منها بفعل الوصاية القسرية عليه من طرف خاضع لإرادة غير عربية، ينفذ أجندتها ومشروعها لخلق الفوضى والخراب في المنطقة"، مؤكدة أن "الفرصة أمامه مواتية بشكل جيد لإنفاذ برنامج رئيس الجمهورية إذا قدّمت الطبقة السياسية لبنان على بقية الاعتبارات والمصالح الضيقة".
ورأت صحيفة "البلاد" البحرينية أن "انتخاب جوزاف عون رئيسًا للبنان يبدو أنه سيكون شرارة تطلق حراكًا ديناميكيًا هائلًا في المجتمع اللبناني الكبير في المهجر، والذي يُعرف عنه الإبداع والتألق في مختلف المجالات". وأضافت: "هي لحظة فارقة من الأمل اللبناني تستحق أن تستثمر وأن يتم الاهتمام والاعتناء بها... هي لحظة طال انتظارها وقد لا تتكرر مرة أخرى"، على حدّ تعبيرها.
وعلّقت صحيفة "الأهرام" المصرية على الملف الانتخابي اللبناني قائلة "انفجرت أزمات لبنان بعد أن أصبحت تُدار من الخارج من خلال وكلاء الداخل"، معربة عن اعتقادها "أن خطاب الرئيس اللبناني وتعهداته تؤكد نياته الصادقة في عودة لبنان قويا وموحدا، لكن تظل تركيبة لبنان المُعقدة القائمة على "المحاصصة" هي المصدر الرئيسي لإمكانية تفجير كل تعهدات الرئيس الجديد والعودة إلى المربع صفر، وتلك هي الخطورة".
من جهة آخرى، ناقشت صحيفة "الوطن" القطرية الملف الفلسطيني ازاء التطورات الاخيرة، حيث "أن "حركة "حماس" أعطت إشارات في غاية الأهمية تؤكد رغبتها في إحراز تقدم على صعيد المفاوضات، فيما يواصل الاحتلال الإسرائيلي تصعيده ضد مختلف المناطق في قطاع غزّة"، مشددة على أنه "قد حان الوقت لاتفاق من شأنه وقف هذه المذبحة، وصولا لاستئناف عملية تفاوضية حقيقية تؤدي إلى إنجاز سلام مستدام".
وفي سياق مختلف، تناولت صحيفة "الدستور" الأردنية عودة تنظيم "داعش" الذي، وفق مقال نشرته اليوم، "لم تمت، وما اختفى هو "خلافة داعش". وفي ادبيات تنظيم الدولة الاسلامية ما زالت سورية أرض الميعاد وطريق العبور الى الجنة، ولم نسمع عن فتوى مضادة او ناسخة"، متسائلة "سوريا اليوم رهن لفوضى سياسية وأمنية، وتقسيم للجغرافية السورية، وانهيارات كبرى، وانفجار طائفي وعرقي واثني. فمن بعد افغانستان، هل سوف تنتقل داعش ومشروعها الى سورية "أرض المعياد"؟ فهل نحن في حضرة السؤال عن.. صوملة أم أفغنة سورية؟".
(رصد "عروبة 22")