فلسطين... القضية والبوصلة

الاستيطان يقضم "سلّة فلسطين الغذائيّة"!

فلسطين - فادي داود

المشاركة

"محمّد أبو ثابت" مزارعٌ من قَريةِ "بيت دجن" شرق مَدينة نابلس، فقدَ العامَ الماضي 13 دونمًا من أشجَارِ الزّيتون، أي قرابةَ 200 شَجرَة، جرَّاء حرْقِها من قِبَل المُستوطِنين، مما حرمه بشكلٍ كامِل من دخلِ موسمِ الزّيتون.

الاستيطان يقضم

"أبو ثابت" وغيرُه مِئات الآلاف من المُزارِعين الفلسطينيّين الذين يَفْلَحُونَ أراضيهم التي وَرِثوها عن أجدادِهم في المَناطِق المُصَنَّفَة "ج" في الضِّفَّة الغربيَّة وغالبيَّتها أراضٍ زراعيَّة، يُواجِهونَ عُدوانَ الاحتلالِ والمُستوطِنين يوميًّا، سواء بالاعتداءِ الجَسدي المُباشَر او بحَرْقِ الأرَاضِي او اقتِلاعِ الأشجَارِ أو مُصَادَرة الأراضي ومَنْع الوصولِ إليها.

في نهاية العام 2024، صرَّحَ وزيرُ الماليَّة في حكومةِ الاحتلالِ اليَميني المُتطرِّف بتسلئيل سموتريتش بأنَّ "تعزيزَ المَشاريع الزِّراعيَّة في الضَّفَّة الغربيَّة يُمثِّل هدفًا استراتيجيًّا لمحْوِ الخَطِّ الأخضَر"، الذي يرْمزُ إلى حدود 1967.

وقال سموتريتش خلال زيارتِه إحدى البُؤر الاسْتيطانيَّة، إنَّ مَزارعَ الضَّفَّة الغربيَّة تُعْتَبَرُ "هدفًا استراتيجيًّا للمُحافظةِ على الأرضِ ومنْع الاستيلاء عليْها"، في إشارةٍ إلى سَلْبِهَا من الفلسطينيّين. وأضاف أنَّ المَشاريعَ الزِّراعيَّةَ تُعَدُّ وسيلةً "لمنعِ الفلسطينيّين من توْسيعِ سيطرَتِهم غيْر القانونيَّة على الأراضِي"، على حدِّ قوله.

ويَعتبِر سموتريتش أنَّ الضَّفَّة الغربيَّة - بما فيها القدس الشَّرقيَّة - جزء من "إسرائيل" ولا يُخفي مُعارضتَه الشّديدة لحلِّ الدولتَيْن.

هذه التَّصريحات ليست الأولى التي تصدُر عن المُتطرِّف سموتريتش، إذ تعهَّد قبل أشهرٍ قليلَة بالسّيطرةِ الكامِلةِ على الضَّفَّة الغربيَّة خلال عام 2025، تحت مُسمَّى خِطَّةِ "فَرْضِ السِّيادة الإسرائيليَّة".

وأكَّد المزارعُ "أبو ثابت" لمنصة "عروبة 22" أنَّ "قرارَ المُتطرِّف سموتريتش مُطَبَّقٌ عَمليًّا منذ سنوات ولم يتبقَّ شيء للفلسْطيني بعد انتشارِ البُؤرِ الاستيطانيَّة خصوصًا في الأغوار، من خلال التَّضييق على المُزارِعين ومُصادرةِ الجرَّارات الزِّراعيةِ وهدْمِ المَزارِع والبيوتِ البلاستيكيَّة".

وشدد على أنَّ تِلك الإجراءاتِ الإسرائيليَّة تَهْدُفُ إلى "إِبعادِ الفلسطيني عن أرضِه، ممّا يُمَهِّدُ للاحتلالِ والمستوطِنين السَّيطرة عليها"، لكنَّه أكَّد أنَّ "هذه المرحلة هي مَرْحَلةُ صُمود، يُقاتِلُ فيها المُزارعُ الفلسطيني حتى آخر نَفَس، لأنَّها أرضه ومصدر رزقِه"، لافتًا إلى أنّ "المناطقَ المُصنَّفة "ج" خصوصًا الأغوار هي سلَّةُ فلسطين الغذائيَّة، وفي حال سُلِبَت هذه السلّة من الفلسطينيّين، سوف لن يبقى لهُم شريانُ حيَاة على الأرضِ، وبالتَّالي ذلك سينعكسُ سلبًا على حياةِ الفلسطينيّين الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، وسيصبحون مُتسوِّلين للمُنظّماتِ الدَّوليَّة". وأكَّد في المقابل أنَّ "الشِّعاراتِ الّتي تُطلقها المُؤسَّسات الحُكوميَّة والرَّسميَّة بتعزيزِ صمودِ المُزارعين، هي شعاراتٌ "كاذِبة" للاستِهلاكِ الإعْلامي، لأنَّه لا توجد جهودٌ فعليَّة من قِبلها لتعزيزِ الصُّمود على الأرضِ، حيث أنَّ بعضَ المؤسَّسات الأهليَّة الزِّراعيَّة تُقدِّم للمُزارعين الدَّعمَ أكثر من المُؤسَّسات الحُكوميَّة".

وفي وقتٍ سابقٍ من العامِ المنصرم، ذكرت هيئة البثِّ الإسرائيليَّة الرّسميَّة أنَّ رئيسَ وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يَعتزِمُ إدراجَ قضيَّة "ضمِّ الضَّفَّة الغربيَّة" ضِمن جدولِ أعمال حكومتِه، بعد تَسلّم الرئيسِ الأميركي المُنتخَب دونالد ترامب مهامه في يناير/كانون الثاني الجاري.

وقال رئيسُ "هيئةِ مقاومةِ الجدارِ والاستيطان" الوزير مُؤيَّد شعبان لـ"عروبة 22"، على هامش مؤتمرٍ صحافي عقدَه في رام الله الأحد الماضي، "إنَّ وزير ماليَّة الاحتلالِ سموتريتش كغيرِه من أعضاء حُكومتِه، يَدفعُون باتِّجاهِ فرضِ حَقائِق على الأرض، من خلالِ ضَخِّ الأموال لمزيدٍ من السَّيْطرَة على الأرضِ وطَرْدِ الفلسطينيّين منها". وأضاف: "كلّ الإجراءات الإسرائيليَّة على الأرض تُطْرَحُ وتُنفَّذُ بقرارٍ من جيشِ الاحتلالِ بالإضافةِ الى القراراتِ غيْرِ الرَّسميَّة من المُستوطِنين التي تتَناغمُ وتتكامَلُ مع المؤسَّسةِ الرَّسميَّةِ للاحتلال، بهدفِ السَّيطرة على مزيدٍ من الأراضي".

من جانبه، قال المُشرِفُ العامّ لمنظّمةِ "البيْدر للدِّفاع عن حقوقِ البَدو في فلسطين" حسن مليحات لـ"عروبة 22" إنَّ "هذه التَّصريحاتِ ليْست ببعيدةٍ عن تَصريحاتِ سموتريتش وقادةِ الاحتلالِ بإعلانِهم أنَّ عام 2025 هو عامُ ضَمِّ الضَّفَّة الغربيَّة، وهي سِياسةٌ احتلاليَّةٌ للسَّيطرة على أكبر مسَاحَة مُمْكنة من الضَّفَّة الغربيَّة، بخاصَّة الأغوار الفلسطينيَّة التي تُعتبرُ سلّة الغِذاء للفلسطينيّين، ويتواجدُ فيها المُزارِعون الذين يَعتَاشون على الزِّراعة ورَعْيِ الماشيَة".

وأضاف أنَّه "في حال تنفيذِ هذه التَّهديدات، سيؤدّي إلى عمليَّة تهجيرٍ قسْري للفلسطينيّين من أراضيهم، والقضاء على الوجودِ الفلسطيني في المَناطِق المُصنَّفَة "ج"، وطَمْسِ الهُويَّة الفلسطينيََّة فيها، وخلْقِ واقعٍ ديموغرافي يتفوَّق فيه المُستوطِنون من حيث التَّعدادِ السُّكَّانِي على الفلسطينيّين في تِلك المناطق"، مشيرًا إلى "أنَّ الاحتلالَ والمُستوطنين يُنفِّذون تِلك السياسة منذ زمَن، من خلال السَّيطرة على مصادرِ المياه والمَصادِر الطبيعيَّة الأخرى، بهدفِ القضَاء على مصادِر الزِّارعة والرَّعْي، ممّا يساهم في هجْرة السُّكَّان وتكديسِهم في "كانتوناتٍ" سُكَّانيَّة في المُدن والمناطق المصنفة "أ" بالضَّفَّة الغربيَّة".

وقدَّرَت منظّمةُ "السَّلام الآن" الإسرائيليَّة المُعارِضَة للاستيطانِ في الأراضي الفلسطينيَّةِ المُحْتلّة، أنَّ أكثر من نِصْف مليون مُستوْطِن يَستوْطِنون 147 مُستوْطَنة و224 بُؤرَة استيطانيَّة في الضَّفَّة الغربيَّة، فيما يعيشُ ما يزيد على 240 ألفًا آخرين في 15 مُستوْطَنة على أراضي شرق القُدس المحتلّة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن