طغى حفل تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ما عداه من تطورات ومستجدات خاصة أنه ترافق مع "حزمة" من القرارات التنفيذية المثيرة للجدل، والتي تفتح صفحة جديدة في عهد لن يكون كسابقه بل أنه توج وصوله بإلغاء "إرث" سلفه جو بايدن ونقض معظم قراراته تنفيذاً لما وعد به خلال حملته الانتخابية. قرارات ترامب التي يريدها أن تترجم شعاره بجعل "أميركا عظيمة مجدداً" خاصة أنه يطرح نفسه كـ"صانع للسلام"، دون أن يحدد كيفية تحقيق ذلك بينما تتواصل الحرب الأوكرانية من جهة وتتعمد اسرائيل خرق اتفاق وقف النار في غزّة ولبنان من جهة ثانية.
ولهذا يبدو "السلام المأمول" مفصلاً على قياس اسرائيل وطموحاتها التوسعية والتي في اليوم الثالث للهدنة في قطاع غزّة انقضت على الضفة الغربية المحتلة حيث بدأت عملية عسكرية موسعة تحت عنوان "السور الحديدي".. وهو ما يكاد يتقاطع مع معلومات تحدثت عن "مكاسب" حصل عليها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مقابل إتمام صفقة غزّة التي راوغ وماطل أشهراً طويلة من أجل عدم تحقيقها. ويبدو أن أولى مفاعيل وصول ترامب هي توسيع رقعة الاستيطان ودفع المستوطنين المتطرفين إلى المزيد من الانتهاكات والمضايقات وأعمال الشغب خاصة بعد قرار ترامب رفع العقوبات التي أقرها بايدن في هذا الخصوص.
وفيما لا يزال الفلسطينيون يلملمون أوجاعهم ويبحثون وسط الركام عن أحبتهم ويعاينون الخراب الذي سببته الحرب الاخيرة، أطلق الاحتلال عملية "السور الحديدي" على غرار عملية العام 2002 لاجتياح الضفة والتي أُسميت حينها "السور الواقي". وعقّب نتنياهو على ذلك بالقول: "هذه خطوة أخرى نحو تحقيق الهدف الذي حددناه، وهو تعزيز الأمن في الضفة الغربية". وأضاف:" نحن نتحرك بشكل منهجي وحازم ضد المحور الإيراني، أينما يرسل أسلحته، في غزّة ولبنان وسوريا واليمن والضفة الغربية".
بدوره، اعتبر وزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، أن "السور الحديدي"، ستكون "عملية عسكرية شديدة ومتواصلة من أجل الدفاع عن الاستيطان والمستوطنين، ومن أجل أمن دولة إسرائيل كلها، لأن الاستيطان هو حزامها الأمني". هذا وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن هذه الحملة انطلقت بقرار من المستوى السياسي في أعقاب الاجتماع، الذي عقده المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) يوم الجمعة الماضي، لإقرار الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزّة، لافتة إلى أنها تعكس الوعود التي قدمها نتنياهو إلى وزراء اليمين المتطرف لإقناعهم بعدم الانسحاب من الحكومة بسبب اتفاق وقف النار.
في الإطار عينه، رأت صحيفة "نيويورك تايمز" أن التطلعات السياسية والدبلوماسية لترامب، قد تتناقض جوهرياً مع طموحات نتنياهو، وقد تكون هي الفتيل الذي من المحتمل أن يُفجر حكومته وينهي حياته السياسية. ويأتي ذلك على وقع تقديم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هليفي، استقالته من منصبه، مقراً بإخفاقه في التصدي لـ"هجوم 7 أكتوبر ما تسبب بدفع الدولة "ثمناً باهظاً". وقد التحق به قائد القيادة الجنوبية يارون فينكلمان، مؤكداً ايضاً إخفاقه في حماية الاسرائيليين من "طوفان الأقصى". ووفق وسائل اعلامية اسرائيلية ستشهد الأيام المقبلة المزيد من الاستقالات في صفوف قيادات جيش الاحتلال.
وبالعودة الى اتفاق غزّة، رجّح مسؤول في حركة "حماس" أن تفرج إسرائيل عن 200 أسير فلسطيني من أصحاب المؤبدات والمحكوميات العالية، مقابل إفراج الحركة عن أربع مجندات إسرائيليات، في ثاني جزء من المرحلة الأولى للاتفاق والمتوقع يوم السبت المقبل. في المقابل، أعلن الدفاع المدني عن انتشال رفات 203 شهداء منذ دخول وقف النار حيّز التنفيذ، ما يرفع عدد الشهداد والمفقودين الى 61,182 شخصاً، وفق ما أفاد به المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع.
الحدث الفلسطيني الذي سيفرض نفسه على المجريات العامة، لاسيما أن عملية الضفة الغربية تتزامن مع مخاوف من عودة الحرب في قطاع غزّة المنكوب الذي تختلف الرؤى حول "اليوم التالي" ومن سيحكم القطاع ودور "حماس"، وهي معضلات تضاف الى إعادة الإعمار والبدء بعملية طويلة ومعقدة من التعافي والتي لا يمكن تحقيقها الا باستكمال مراحل الاتفاق وارساء الاستقرار.
على المقلب الآخر، أكد المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، سيزور دمشق قريباً، وأن الدوحة ستواصل المساعدات عبر الجسر الجوي إلى سوريا. في وقت كشف وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال السورية مرهف أبو قصرة عن أن ملف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، سواء بالتفاوض أو الحل العسكري، سيكون عند الإدارة الجديدة، مجدداً القول إن "سوريا لن تكون نقطة انطلاق لأي تهديد لا للإقليم ولا لأي دولة، ونطمح إلى بناء علاقات متوازنة مع الجميع".
تزامناً، أصدر القضاء الفرنسي مذكرة اعتقال هي الثانية من نوعها، بحق رئيس النظام المخلوع بشار الأسد، بتهمة التواطؤ في مقتل مواطن فرنسي-سوري، في محافظة درعا، جنوب سوريا. وكان قضاة التحقيق الجنائي في فرنسا قد أصدروا مذكرة اعتقال بحق الأسد وشقيقه ماهر إضافة إلى اثنين من معاونيه، بتهمة استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية، في آب/أغسطس 2013.
بدوره، أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان عن "وجود فرصة كبيرة لنقل سوريا باتجاه إيجابي". وقال إن الإدارة السورية الجديدة "تقول الأشياء الصحيحة في السر والعلن، ومنفتحة على العمل مع المجتمع الدولي للتحرك في الاتجاه الصحيح"، منوهاً بأن "لديها رغبة كبيرة ونية حاسمة للتعاون والتعامل معه بطريقة متجاوبة". وفي الملف اللبناني، أعلن عزمه زيارة لبنان الأسبوع الحالي، عاداً انتخاب رئيس جمهورية بعد فراغ طويل "أمراً إيجابياً للغاية". وأضاف: "نريد رؤية إصلاحات حقيقية فيه من أجل زيادة مشاركتنا، والمحادثات التي تجري هناك حتى الآن تدعو للتفاؤل".
وفي السياق عينه، تستمر حركة الاتصالات والمشاورات بين الأفرقاء لتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن وقبل انتهاء مهلة الستين يوماً لإنسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، خاصة أن المدة الزمنية الفاصلة عن الموعد دخلت في العدّ العكسي، على وقع تطمينات أميركية بأن إسرائيل ستنسحب من القرى والبلدات التي لا تزال تعيث فيها الدمار والخراب مع ارتفاع وتيرة الخروقات بشكل يومي.
من جهته، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنه تبلّغ من رئيس لجنة الإشراف على وقف النار الجنرال الأميركي غاسبر جيفرز أن "الإنسحاب الإسرائيلي قد يتأخر لعدة أيام"، مؤكداّ أنه "لن يكون هناك شريط عازل. وبعد إتمام الإنسحاب، ستشكل لجنة ثلاثية تنبثق من اللجنة الخماسية لتثبيت الخط الأزرق وترسيمه بما يتناسب مع خط الهدنة عام 1949".
وفي جولة اليوم على الصحف العربية التي استمرت عناوينها ومقالاتها بتناول تنصيب ترامب مع التطرق إلى مفاعيل وقف النار في غزّة، حيث:
لفتت صحيفة "الراية" القطرية الى أن الرئيس ترامب "بدأ ولايته الثانية واضعاً أسسا لحقبة سياسية تحمل وعودًا بتغيير شامل ومُثير للجدل". وخلصت إلى أن "أول مئة يومٍ من ولاية ترامب الثانية تُمثل نقطة فاصلة قد تغيّر ملامح النظام الأمريكي بالكامل. فبين الوعود بالنهضة الاقتصادية وإعادة الاعتبار للسيادة الوطنية، وبين المخاطر المتعلقة بتعميق الانقسامات والآثار بعيدة المدى، تبقى الأيام المقبلة هي الاختبار الحقيقي لرؤيته الطموحة".
ورأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن الفترة الثانية لترامب "لن تكون مثل سابقتها على المستوى الخارجي؛ فالظروف السياسية والاقتصادية مختلفة، ولا تحتمل الكثير من التناقضات، أو المساومة على الحلفاء التاريخيين لأمريكا، أو حتى المواجهة العسكرية مع القوى التي ترى فيها واشنطن محوراً للشر"، معتبرة أن هذا يحمل إشارة إلى "أن التحديات ستكون كبيرة في سياسته الخارجية التي لم يتناولها في خطابه، وترك لنا جملة تحمل عنواناً لهذه التحديات "إرثي أن أكون صانعاً للسلام".
من جهتها، شددت صحيفة "الأهرام" المصرية على أنه أمام الرئيس الأمريكي "تحديات غير مسبوقة من الأعباء والحسابات والمواقف، فهل ينجح في قيادة سفينة العالم أم يدخل بها في متاهات جديدة بين الحروب والمجاعات والكوارث؟"، مشيرة إلى أن "ترامب ليس جديدًا على الأزمات، وهو صاحب تجربة عريضة في أسواق المال والربح والخسائر ، وكل هذه الأشياء سوف تضيف له رصيدًا يساعده على إكمال تجربته في الحكم حتى لو كان العبء ثقيلا.. لا أحد يعلم مستقبل الرئيس ترامب في البيت الأبيض وهو يواجه كل هذه الأزمات، خاصة أنه يتصور أن إصلاح هذا العالم يبدأ من أمريكا حرباً وسلاماً".
الى ذلك، أوضحت صحيفة "عُمان" العمانية أن ترامب "يتحدث عن عالم جديد يسوده السلام والازدهار الاقتصادي دون وجود محددات واضحة، فقضية التطبيع مع عدد من الدول العربية سجلت فشلا ذريعا على الصعيد الشعبي". وأضافت "من هنا فإن المقاربة السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتمد على إيجاد حل سياسي شامل وعادل للقضية الفلسطينية، ومن دون حل القضية الفلسطينية على أسس قوانين الشرعية الدولية فإن مسألة قطار التطبيع والسلام الإبراهيمي لن يجدي نفعا"، وفق تعبيرها.
ومن وجهة نظر صحيفة "القدس العربي"، فإن كلام ترامب "عن العصر الذهبي الموعود في ولايته الثانية هذه ينطلق من هذا الجحود بالأجندات البيئية، والعودة مجدداً الى أولوية "الذهب الأسود". وأردفت "يدخل العالم لحظة محتدمة تراكم على سابقاتها، مسألة القبض على مصادر الطاقة وتسخيرها لصالح القوة الإمبراطورية العظمى سمة أساسية فيها. هي لحظة الضرب عرض الحائط بعصارة عقود من الوعي البيئي الكوني المتصل بقضايا المناخ والتنوع الحيوي والاحتباس الحراري والاقتصاد المستدام".
من جهتها، تناولت صحيفة "الدستور" الأردنية اتفاق وقف النار في غزّة قائلة "المرحلة الأولى تُعد الجزء الأسهل، إلا أن التحدي الحقيقي سيظهر مع بداية المرحلة الثانية. هذه المرحلة تتطلب انسحابًا صهيونيًا كاملًا من القطاع ووقف جميع الأعمال العدائية، وهو ما سيضع نتنياهو أمام الاختبار الحقيقي: استمرار الإبادة أو وقفها"، مستنتجة أن "نتنياهو بين نارين: نار ترامب الذي سيضغط عليه لضمان استمرار الهدنة، والذي قد يعاقبه بشدة إذا لم ينفذ أوامره، ونار تفكك حكومته اذا استمر وقف اطلاق النار".
(رصد "عروبة 22")