التقديرات الإقليمية والدولية تقول إن عملية إعادة إعمار قطاع غزة الذي دمرته إسرائيل طوال 15 شهرًا كاملة، قد تكلف نحو 90 مليار دولار، وقد تستغرق ما بين 5 و15 عامًا حسب توافر التمويل وسرعته ووجود بيئة مواتية للبناء والعمل. السؤال الذي لا يسأله ولا يفكر فيه كثيرون سواء في فلسطين أو في المنطقة العربية، هو: من الذي سيقوم بتوفير هذا التمويل وبأي شروط، وهل يمكن بدء الإعمار عمليًا من دون وجود تسوية سياسية حقيقية ودائمة؟
ونفس السؤال يمكن تكراره على الحالة اللبنانية بعد أن دمرت إسرائيل جانبًا كبيرًا من الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، حيث مقر حزب الله، إضافة الى أن لبنان يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة حتى قبل بدء العدوان الإسرائيلي، يصنفها الاقتصاديون بأنها الأسوأ عالميًا. وحسب تقديرات وزير الاقتصاد اللبناني في حكومة نجيب ميقاتي فإن حجم الخسائر يصل إلى عشرين مليار دولار، بعد أن كانت تقديرات كثيرة تتحدث عن تكلفة تتراوح بين 5 و10 مليارات دولار فقط.
نعود للسؤال البديهي: من الذي سيدفع كل هذه الأموال لإعادة إعمار قطاع غزة أو جنوب لبنان، وإذا افترضنا جدلًا وجود أطراف مستعدة للتمويل، فهل ستفعل ذلك باعتبارها جمعية خيرية أم ستكون لها شروط سياسية محددة؟
تقليديًا كانت بعض دول الخليج والاتحاد الأوروبي هي التي تتولى عمليات إعادة الإعمار في كل مرة تقوم فيها إسرائيل بالاعتداء على غزة أو الضفة الغربية أو جنوب لبنان، وشهدنا عشرات المؤتمرات الدولية للمانحين تحت عنوان إعادة إعمار هذا المكان أو ذاك. هذه المرة الأمر مختلف إلى حد كبير، فدول الخليج أعلنت أكثر من مرة أنها لن تسهم في أي عملية إعادة إعمار في غزة، إلا إذا كان هناك سلام مستدام فعلًا يقوم على حل الدولتين أي دولة فلسطينية بجوار إسرائيل، ونعلم أن الأخيرة حكومة وشعبًا تعارض ذلك.
ولا يعقل أن تقوم هذه الدول بدفع مليارات الدولارات لإعادة الإعمار في غزة أو لبنان، ثم تأتي إسرائيل بعد شهر أو سنة أو حتى خمس سنوات لتدمرها مرة ثانية. وأظن أن هذا موقف غالبية دول الاتحاد الأوروبي أيضًا وغالبية المانحين الدوليين.
طبعًا هناك فارق بين المساعدات الطارئة لكي يقف قطاع غزة على قدميه بإقامة بعض مدن الخيام أو الكرافانات المؤقتة وتمهيد الطرق نسبيًا، وبين إعادة البناء الكامل، لكل ما دمره العدوان الإسرائيلي. لكن سوف نفترض جدلًا أن إسرائيل ستتعهد لكل المانحين بأنها لن تعتدي على القطاع مرة أخرى، وهو احتمال شبه مستحيل، والسؤال في هذه الحالة هو: بأي شروط سوف يقدم المانحون تمويلاتهم؟ هل هؤلاء جمعيات خيرية تقوم بتوزيع أموالها لكل من يطلبها أم أن لها شروطًا سياسية واقتصادية محددة؟
السؤال بصورة أوضح، هل سيقوم الاتحاد الأوروبي وبقية الممولين بتمويل عملية إعادة الإعمار، إذا استمرت حركة حماس مسيطرة على قطاع غزة أم أنهم سوف يشترطون مثلًا شروطًا محددة؟! قبل هذا السؤال: فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تقولان إنه لن يكون هناك مكان لحماس في حكم غزة في الفترة المقبلة، في حين أن حماس ما تزال تسيطر عمليًا على القطاع، وهو ما رآه الجميع، ظهر يوم الأحد الماضي، خلال عملية تسليم أول ثلاث أسيرات إسرائيليات في إطار هدنة وقف إطلاق النار بين الجانبين.
وحتى لو افترضنا جدلًا أن إسرائيل ستقبل بوجود حماس.. فماذا سوف يشترط كبار الممولين؟ والسؤال الأهم: إذا أصر هؤلاء الممولون على ضرورة عدم وجود حماس في الحكم، فماذا ستفعل الحركة، خصوصًا إذا وجدت أن عملية إعادة الإعمار الكاملة لن تبدأ إلا إذا تركت الحكم.
قد تكون كل هذه الأسئلة مؤجلة لكن سوف يتم طرحها بصورة أو بأخرى خلال الأيام والأسابيع والشهور، وبالتالي وجب على الجميع التفكير فيها من الآن حتى لا يتفاجأ بها في اللحظات الأخيرة.
(الشروق المصرية)