على الرَّغم من نفْي الدبيبة علمَه بأمرِ "اجتماع روما"، فقد أكّدت مصادرُ ليبيّةٌ وغربيّةٌ، في المقابِل، أنَّ الدبيبة اعتقد أنَّه يُقَرِّبُ نفسَه من الولايات المتّحدة لإرضائِها، مُعتقدًا أنَّ الدعم الأميركي سيساعده في الصِّراع على السُّلطة ضدَّ منافسيه المحليّين.
عبر بوابة أميركا، سعى الدبيبة، الذي تراجعَ عن تعهّداتِه الخطيّةِ بعدمِ خوضِ الانتخاباتِ الرئاسيّة، قبل تأجيلِها، لتأكيدِ نفسِه كحليفٍ محتملٍ لواشنطن وتقديمِ "القَرابين" المتمثِّلة في التّطبيع، الذي ناقشه لأول مرَّةٍ مع وليام بيرنز رئيس جهاز المخابرات الأميركية، في زيارةٍ نادرةٍ لمسؤولٍ أميركي رفيع المستوى إلى ليبيا، مطلع عام 2013.
ووافق الدبيبة آنذاك على الانضمام إلى اتفاقات "أبراهام" الأميركية، على الرَّغم من قلقِهِ بشأن ردّ الفعلِ الشّعبي، علمًا أنَّه سلّمَ نهايةَ عام 2022، المشتبَه بهِ في تفجير "لوكيربي"، أبو عُجيله محمد مسعود خير المريمي، إلى السّلطاتِ الأميركية، وواجَه بسببِهِ احتجاجاتٍ مناهضةً له واتهاماتٍ بتجاوزِ القانون.
لكنَّ المسألةَ كانت "عربونَ صداقة"، على حدِّ وَصْفِ ديبلوماسيٍ ليبي لـ"عروبة 22"، وهو ما اتّفقَ معه مسؤولٌ في حكومةِ الوحدة بالعاصمة طرابلس، الذي قال لـ"عروبة 22"، إنّ "الدبيبة كانَ يدركُ أنَّه يتعيَّن عليه أن يدفعَ الثّمن، وأن يُظْهِرَ للإدارة الأميركية أنَّه قادر على تجاوزِ الأزماتِ المحلّية، والتحايُلِ على السَّخط الجماهيري".
وإذا كانت الجهود الأميركية لتطبيع العلاقاتِ بين طرابلس وتل أبيب، قد تعرَّضت لانتكاسةٍ، ومنعَت دولًا عربيةً أخرى من التّطبيع مع إسرائيل، فإنَّ الأمرَ قد لا ينتهي عند هذا الحدّ. غير أنّ مصدرًا عربيًا مطّلعًا أكد لـ"عروبة 22" أنّ "محاولات واشنطن لن تتوقفَ في هذا الصّدد، لكن في ليبيا، الآن على الأقل، الأمرَ مجمَّدٌ إلى حدٍّ كبير".
رفضٌ شعبي
مناورة الدبيبة للبقاءِ في السُّلطة، اعتمادًا على دعم أميركي في مواجهةِ الضّغوطِ المحلية والأممية المتزايدة لتشكيلِ حكومةٍ جديدةٍ، قَابَلَهَا استنكارٌ شعبي واسعٌ هدَّدَ باقتلاعِ حكومتِه، عبْر مظاهراتٍ في عدَّةِ مدنٍ بغربِ البلاد.
وفي محاولةٍ للتّغطية على المطالبِ الداعيةِ لإقالتِه، لجأ الدبيبة لتشتيتِ الرَّأي العامّ، عبْر اعلانِ ميليشيات اللواء 444 التَّابِعِ للحكومةِ، عن تفاصيل الإطاحةِ بشبكةِ دعارةٍ واسعةِ الانتشار تتَّخذُ من العاصمةِ طرابلس مركزًا لها.
ومع ذلك، فقد طالبَت الأحزابُ والتكتّلاتُ السياسيّةُ الليبيّة، بتحقيقٍ عاجلٍ وشاملٍ في ملابساتِ الاجتماع، الذي وصفته المنقوش بلقاءٍ عارضٍ، لبحثِ بعضِ الأمورِ الاستراتيجيةِ والأمنيةِ المهمّة! بما فيها مستقبل موارِد الغاز والحدود البحريّة في حوض البحر المتوسط.
كان بإمكان المنقوش الاعتذارَ أو الاستقالةَ، لكنّها فَضَّلَتْ الاستهزاءَ بعقولِ الليبيّين، وِفقًا لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النّواب يوسف العقوري، الذي اعتبرَ أنَّ "مبرراتِها غير مقبولة ويرفضُها المنطقُ والضميرُ الحيّ".
واستغل محمد عون وزير النّفط، الموقوف عن عملِه في حكومة الدبيبة، هذه الأزمةَ للتَّأكيد أنَّ ليبيا انسحبت من منتدى غاز شرق المتوسط، بعد انضمام إسرائيل إليه.
ولاحظَت تقاريرُ غربيّة أن الدبيبة يمرُّ بوقتٍ عصيبٍ، مذكرةً باتهامِه برشوةِ أعضاء منتدى الحوار السياسي اللّيبي، للوصول إلى منصبِه الحالي في فبراير/شباط عام 2021، حين اتّهمَهُ تقريرٌ أممي بشراءِ أصواتِ مشاركين في حوارِ جنيف، برعاية الأمم المتّحدة.
يهود ليبيا والتعويضات
وحسب روايةِ رئيس اتحاد يهود ليبيا رافائيل لوزون، الذي رتّب عام 2017 اجتماعًا سريًّا في جزيرة رودس اليونانيّة، بيْن وفدَيْن من البلدَيْن، ويوصفُ بعرَّابِ التطبيع الاسرائيلي - الليبي، فإنَّ الدبيبة كان يعلمُ باجتماعِ روما المثيرِ للجدلِ لمناقشةِ ملفِّ تعويضات الجاليَةِ اليهوديَّة.
وهدَّدَ يهودُ ليبيا باللجوءِ إلى المحكمة الجنائيةِ الدولية قبل أن يُسَجِّلَ العقيد الرّاحل معمر القذافي اسمَه كأوّلِ زعيمٍ عربي يقترحُ تعويضَ اليهود الذين تركوا منازلَهُم بسببِ الصّراع العربي - الإسرائيلي.
وتُقَدَّرُ تعويضات يهود ليبيا بنحو 15 مليار دولار، ضِمن مخطَّطِ إسرائيل لمطالبةِ 7 دول عربية وإيران بمبالغَ إجماليّة قدرها 250 مليار دولار، تعويضًا عن ممتلكاتِ اليهود.
وإذ يمنع قانون أصدرَه عاهل ليبيا الرّاحل إدريس الأول عام 1957، "أيّ شخصٍ من عقدِ اتفاقٍ مع إسرائيل أو هيئاتٍ مرتبطةٍ بها"، وعلى الرَّغمِ من هدوءِ العاصفةِ نسبيًّا، كان لافتًا اعتبارَ محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، لدى ترحيبِه بهدنةِ غزَّة، أنَّ قضيةَ فلسطين تظلُّ "مركزيةً للشّعب الليبي".
لكنَّ الدبيبة، المتحالِف مع تركيا والميليشيات المسلّحة، لن يتوقّفَ عن التمسُّكِ بالسُّلطة، حتّى لو كلَّفَهُ ذلك "التحالف مع الشّيطان".. بينما البعثة الأمَمِيّة تبحثُ عن رئيسِها الجديد لإدارة الأزمة، لا حلِّها، عبر انتخاباتٍ مؤجَّلة!.
خاص "عروبة 22"