اقتصاد ومال

التحوّل إلى "اللّايقين" السّياسي!

ما زالت حالةُ اليقينِ الاقتصادي في العالم وفي الدّولِ العربية تفرضُ على الباحثِين والمنظماتِ الاقتصاديّةِ والماليّة، كثيرًا من التحفُّظِ والتريُّثِ في تكوين تصوّرٍ نهائيٍ للوضعِ الاقتصادي لسنة 2025.

التحوّل إلى

على الرَّغم من تفاؤلِ "صندوق النقد الدّولي" و"البنك الدّولي" بالأداءِ الاقتصادي العربي في هذه السَّنة مقارنةً بالعام الماضي، وتوقّعاتهما بزيادةِ نموّ النّاتج المحلّي الإجمالي للبلدانِ العربيّة وفقًا للمؤشّراتِ المُعتمدِ عليها، فإنّ كثيرًا من المراقِبين الاقتصاديّين العرب والسّياسيّين، يَرَوْنَ أنَّ اللّايقينَ الاقتصاديَ ما زالَ محدِّدًا مركزيًّا في تكوينِ أي تصورٍّ اقتصادي ومالي حاسمٍ لهذه السّنة وما يعقبُها من سنواتٍ مقبلة، وذلك للاعتباراتِ التّالية:

أولًا: احتدامُ التوتّراتِ الجيوسياسية، في هذه السّنة، ممّا يؤثّر بشكل كبير في الاستقرارِ الدّولي. ومنها استمرارُ الحربِ الأوكرانيّة - الرّوسيّة وتأثيراتُها الإقليميّة، مع احتمالاتِ توسيعِ رُقعة الصّراع استنادًا إلى الأبعادِ والامتداداتِ التي بدأت تأخذُها التجاذباتُ السياسيّةُ والمواجهاتُ العسكريّةُ بين الدّولتَيْن، إذ أصبحَت تتصدَّرُ لائحةَ التوتّراتِ التي سيشهدُها العالم هذه السّنة.

ثانيًا: تُعتبرُ عودةُ ترامب إلى الرّئاسة الأميركيّة تهديدًا للاستقرارِ العالمي، إذا لم يُغَيِّر موقفَه من السياساتِ الحمائيةِ وتهديداتِه بفرضِ رسومٍ جمركيةٍ مرتفعةٍ على الحُلفاءِ والخُصوم. ويُفهمُ من تصريحاتِه حول إيران أنَّه قد يتراجعُ عن الاتفاقاتِ الديبلوماسيّة، مع إعادة فرضِ العقوبات مرفقةً بالتهديداتِ العسكريّة لزيادةِ الضّغط عليها، ممّا يُنْبِئُ بحدوثِ مواجهةٍ عسكريةٍ قد تكون لها تأثيراتها في العالم.

اللّايقين الاقتصادي سيتحوّل إلى لايقين سياسي قد تتولّد عنه مواجهات عسكرية

في هذا السّياق، ستشهدُ المنطقةُ تصاعدًا في المُمارساتِ العدائيّةِ بين إيران وإسرائيل بسبب برنامجِ إيران النّووي، ممّا يدخلُها في مواجهاتٍ من نوعٍ خاصٍّ دافعةً النّزاعَ الفلسطيني - الإسرائيلي إلى التجدُّدِ في ظلِّ استمرارِ الانتهاكاتِ وانحسارِ الأفقِ السياسي في إيجادِ الحلول. وبذلك، ستشهدُ التّحالفاتُ الدوليّةُ انحيازاتٍ جديدةً تُشكّلُ اصطفافاتٍ متقابلةً بين الدّول الكبرى، بحثًا عن تموقعاتٍ مصلحيّةٍ في هذا الصّراع، مثْل الاصطفافِ المرتقبِ بين روسيا والصّين والهند والبرازيل الذي سيتحوَّلُ من سياقِه الاقتصادي إلى سياقٍ سياسي.

لن تزيدَ هذه العواملُ مجتمعةً إلّا التّرسيخ المباشر للّايقينِ الاقتصادي الذي سيتحوّلُ عبر المؤشراتِ المذكورةِ أعلاه إلى لايقينٍ سياسيٍ قد تتولّدُ عنه مواجهاتٌ عسكرية كما تُؤكِّده بعضُ الجهاتِ المختصَّة، مثل "المجلس الأطلسي الأميركي" و"مؤسسة كارنيغي للسّلام الدّولي" و"معهد كوينسي للسياسة الخارجيّة".

سيأخذُ اللّايقينُ السّياسي بدءًا من هذه السّنة حسب "مؤسّسة كارنيغي"، بُعدًا مُغَايِرًا يجعلُ من التوتّراتِ بين القِوى الكبرى تخرجُ من مجالِ المنافسةِ إلى مجالِ المواجهة. كما هو الشّأنُ بيْن الولايات المتحدةِ والصّين اللّذَيْن سينجرَّان معًا إلى مناوشاتٍ مسلّحةٍ غير متوقّعة بسببِ احتدامِ نزاعاتِهما التّجاريّةِ والتِّكنولوجيّةِ وتسابُقِهما على السّيطرة على العالم؛ ممّا سيجعلُ أميركا حسب تصريح ترامب تُغيّر سياستَها باضطرارِها إلى اللّجوءِ إلى العنف. غير أنَّ اختيارَ هذا النّهجِ لا يتمُّ من دون التَّوطئةِ إليه بأسلوبِ أميركا التّقليدي في إشعالِ بؤرِ التوتّرِ والنّزاعاتِ في كلّ مناطقِ العالم حتّى تُعطي لنفسِها مشروعيّةَ التدخّلِ المسلّحِ وجعل العنف، بحسب زعمِها، حلًا سياسيًّا لا مناص منه لتوطيدِ الأمنِ واستقرارِ العالم. هكذا ستنشطُ النِّزاعاتُ العِرقيّةُ والطّائفيّةُ في عديدٍ من المناطقِ العربيةِ والأفريقيةِ مثل إثيوبيا والسّودان، مع زيادة نشاط الجماعاتِ المسلّحة في السّاحل وشرق أفريقيا.

سيظلّ العالم العربي أرضيةً لتقلّبات سياسية كبرى تؤثّر في استقرار المنطقة في السّنوات المقبلة

يرتبطُ اللّايقينُ السياسي في العالم وفي البلدانِ العربية في عام 2025 بشكلٍ وثيقٍ بالتغيُّراتِ السَّريعة على المستويين الدّولي والإقليمي، تُعَبِّرُ عنهُ التوتُّراتُ بين القوى الكبرى، والنّزاعاتُ الإقليمية المستمرَّة، والحركاتُ الشّعبية، إضافةً إلى التحدِّياتِ البيئيّةِ والاقتصاديّة. كلُّها تشكّلُ ملامِحَ رئيسةً لهذا اللّايقين.

إنَّ العالمَ العربي في شمولِه، بعد حرب غزَّة وانهيار ديكتاتورية بشّار الأسد، سيظلّ أرضيةً لتقلّباتٍ سياسيةٍ كبرى تؤثّر في استقرارِ المنطقةِ في السّنواتِ المقبلة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن