مع بلوغِ ساعاتِ انقطاع التيار في مدينة عَدَن التي تتخذُها الحكومةُ عاصمةً مؤقتةً للبلاد 11 ساعة في اليوم، أكَّدت لجنةُ تقصّي حقائق برلمانيّة أنَّ قطاعَ الكهرباء باتَ "الثقب الأسود" الذي يبتلعُ المالَ العام نتيجةً لتفشّي ظاهرةِ الفساد، بحيث أنفقت الحكومة 2.27 مليار دولار أميركي في عام 2022، لتمويلِ الميزانيّةِ التشغيليّة لوزارة الكهرباء، ومع ذلك تكبَّدت الوزارة خسائرَ بلغت 557 مليون دولار أميركي في العام عينه، بسببِ عقدٍ غيْرِ مُجْدٍ مع أحد مُورِّدي الطّاقة.
تقريرُ اللجنةِ يُبَيِّنُ أنَّ الحكومةَ تُنفق حاليًّا 3 ملايين دولار أميركي في اليوم لتوْفير الكهرباء، في إطار صفقاتِ توريدٍ غير شفّافة. وأكّدت اللجنة أنَّ أزمةَ الكهرباء في عَدَن ليست أزمةَ موارِد، بل "أزمة إدارة لهذه الموارِد"، كما تُظهرُ البياناتُ أنَّ الميزانيةَ المرصودةَ لدعمِ قطاعِ الكهرباءِ تتراوح ما بين 75 و100 مليون دولار أميركي شهريًّا "وهو أعلى إنفاقٍ حكومي، يعادِلُ ضعفَ الميزانيةِ المرصودةِ لرواتِب موظفي القِطاع العام"!.
ومع استخدام هذه الأموالِ لشراء وقود الدّيزل لمحطات التّوليد الحكوميّة وأخرى تابعة لشركات الطّاقة الخاصّة، فإنّ توزيعَ الكهرباءِ على المستهلكين يتمُّ بتعرفةٍ مُخفّضةٍ، ولكنّ المشكلةَ لا تقتصر على ذلك، بل تمتدُّ إلى رفضِ قطاعٍ كبيرٍ دفع رسوم التيَّار الكهربائي بحيث لا يزيد معدّل تحصيل التّعرفة على 20 في المائة فقط من قيمة الفواتيرِ المستحقّة في بعض المناطقِ الواقعةِ تحت سيطرةِ الحكومةِ المعترَف بِها دوليًّا.
وفي حين أنَّ الحوثيّين تخلّوا عن تقديمِ هذه الخدمةِ للسكّان في مناطق سيطرتِهم وحوّلوا محطاتِ التّوليد الحكوميّة إلى شركاتٍ خاصّة تقدِّمُ الخدمةَ بتعرفةٍ مرتفعةٍ جدًا يصلُ معها سعر الكيلو-واط الواحد إلى دولارٍ واحد (سعرُه في مناطقِ سيطرةِ الحكومة سنتٌ واحد) فإنَّ غالبيةَ السكَّان في تلك المناطقِ والتي تتمتَّعُ بمناخٍ معتدلٍ لجأوا إلى توليدِ الكهرباءِ من خلال ألواحِ الطّاقةِ الشمسيّة رديئةِ الجودة.
وفي أولى الخطواتِ نحو الطّاقة المتجدِّدة، أُنْشِئَت في عَدَن أكبرَ محطةٍ لتوليدِ الطّاقة من الشّمسِ وبقدرة 120 ميغاواط بتمويلٍ إماراتي. كما تمّ إنشاءُ محطّتَيْن أخريَيْن في كلّ من ميناء المخا ومدينة الخوخة على ساحل البحر، كلّ منهما بقدرةِ 20 ميغاواط. وبدأ العملُ في انشاءِ محطةٍ رابعةٍ في محافظةِ شبوة بقدرة 50 ميغاواط. كما أعلنت السلطاتُ العزمَ على انشاءِ محطتيْن لتوليدِ الطّاقة في ساحل ووادي محافظة حضرموت باستخدام الغازِ الطبيعي وبهدفِ خفْضِ فاتورةِ دعمِ هذا القطاع الذي انهكَ الموازنةَ العامةَ ولم يُقدِّم خدماتٍ ترضي سكّان المناطقِ الساحليّة التي تتجاوزُ فيها درجةُ الحرارة 40 درجة مئوية خلال فصل الصيف.
وحسب دراسةٍ لبرنامج الأممِ المتّحدة الإنمائي بشأن تخطيط وتصميم استثمارات الطّاقة المتجدّدة في اليمن، فإنَّ هذا البلد واحدٌ من أكثر بلدانِ العالم فقرًا ومعاناةً من انعدامِ أمْنِ الطّاقة، ومعظمُه يفتقرُ إلى الطّاقة المُستدامَة، بحيث كانت إمداداتُ الطّاقةِ بشكلٍ عام محدودةً وتتّسم بضعفِ قدراتِ التّوليد، وارتفاع انقطاع الكهرباء من الشّبكة.
ووِفق ما جاء في الدراسة، فإنّ إجمالي قدرة التّوليد لشبكة الكهرباءِ قبل عام 2011 كان حوالى 1223 جيغاواط. وتعتمدُ معظمُ إمدادات الطّاقة الكهربائيّة على الوقودِ الأحفوري، بما في ذلك المازوت والديزل وغاز البترول المُسال. وقد أدّتْ الحربُ المستمرّةُ في البلادِ إلى انخفاضٍ كبيرٍ في قدراتِ توليدِ الكهرباء وتفاقُم سوء إمداداتِها وخدماتِها إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، وهو ما تسبَّبَ في آثارٍ شديدةٍ على الصحّة والتّعليم والمياه والصَّرف الصحّي والقطاع الخاص، الذي يعتمدُ اعتمادًا كبيرًا على إمداداتِ الكهرباء العامِلة.
وتقترحُ الدراسةُ إنشاء 24 مشروعًا للطّاقة المتجدّدة على المدى القصير من جملة 34 مشروعًا. وقالت إنَّ مشروعاتِ الطّاقة المتجدّدة المقترَحة ستضيفُ على المدى القصير قدرةً تبلغ 2415 ميغاواط. كما اقترحت 6 مشاريع بنظامِ الدورةِ المُرَكَّبَةِ على المدى القصير بقدرةٍ إجماليةٍ تبلغ 4353 ميغاواط، على أن يبلغَ إجمالي الاستثماراتِ اللازمةِ للزيادات في التّوليد على المدى القصير 7 مليارات دولار أميركي.
ووِفق تقديراتِ الدراسة، فإنّ إجمالي الاستثمارات اللازمة للمشروعات التجريبيّة على المدى القصير يبلغ حوالى 400 مليون دولار أميركي، في حين يبلغ إجمالي الاستثمارات اللازمة لعمليات التوسُّع في النّقل والتوزيع 3.5 مليارات دولار أميركي.
الدِّراسةُ التي نُشِرَتْ منتصف عام 2024، بَيّنَتْ أنّ إجمالي الاستثمارات اللازمة لإنشاء مركز تحكم وطنيّ يبلغ 12 مليون دولار. وبالإضافة إلى خطط التوسّع في التوليد والنقل والتوزيع، اقترحت تدابيرَ لتعزيزِ القدرةِ على الصّمود في وجهِ تغيّر المناخ في كل موقعٍ مراعاةً لهذا التغيّر.
وأخيرًا، تشير التقديرات إلى توافر أكثر من 55 جيغاواط من ثلاثةِ مصادر متجدّدة رئيسيّة هي الرّياح البريّة والطّاقة الحراريّة الأرضيّة والطّاقة الشمسيّة، وإلى جانب ذلك، يقدَّرُ توافر أكثر من 270 ميغاواط و6 ميغاواط لسخّانات المياه والأوديةِ الرئيسيّة للطّاقة الكهرومائيّة على الترتيب.
(خاص "عروبة 22")