يقف لبنان اليوم أمام مفترق طرق تاريخي، حيث تُتاح له فرصة نادرة للخروج من أزمته المزمنة واستعادة عافيته الوطنية، رغم التحديات السياسية والاقتصادية، لكن تتيح اللحظة الراهنة نافذة أمل يمكن البناء عليها لإعادة صياغة العقد الوطني على أسس أكثر صلابة واستدامة.
في ظل تعثر الدولة وتعاظم الأزمات، برزت أصوات تدعو إلى إعادة بناء جسور الثقة بين اللبنانيين، وبين لبنان والمجتمع الدولي، وتصريحات الرئيس اللبناني الأخيرة حول الحاجة إلى نهج جديد تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها لا تكفي وحدها لتحقيق التغيير المنشود، فإعادة بناء الدولة تحتاج إلى رؤية واضحة، وإرادة سياسية صلبة، وتوافق داخلي يُعلي المصلحة الوطنية.
لبنان ليس في أزمة سياسية فقط، بل في أزمة نظام وأداء، فالمؤسسات باتت شبه مشلولة، والثقة الشعبية تآكلت، مما يستدعي إعادة النظر في آليات الحكم، والإصلاح ضرورة وجودية لإنقاذ الدولة، والمجتمع الدولي ما زال يمدّ يده لمساعدة لبنان، لكن هذه المساعدة لن تأتي بلا مقابل، إذ تتطلب إصلاحات جذرية تضع حداً لسياسات الهدر والفساد والمحاصصة.
على القوى السياسية إدراك أن استمرار لعبة التوازنات التقليدية لن يُنتج إلا مزيداً من التعطيل، وأن الانفتاح على تسويات جديدة قد يكون السبيل الوحيد للخروج من المأزق، لأن الوحدة الوطنية ليست شعاراً، بل مشروع يتطلب تنازلات متبادلة وتفكيراً استراتيجياً يتجاوز الحسابات الضيقة، في هذا السياق، يمكن النظر إلى الأزمات المتلاحقة، رغم قسوتها، كفرصة لتصحيح المسار وإعادة بناء لبنان.
دور القوى الإقليمية والدولية في المشهد اللبناني لا يمكن إنكاره، لكن المسؤولية الأولى تقع على اللبنانيين أنفسهم. لا يمكن للبنان أن يبقى رهينة التجاذبات الخارجية، وعليه أن يبحث عن صيغة وطنية تحمي قراره السيادي وتحصّن مؤسساته من الانهيار، والمطلوب اليوم هو تبني نهج جديد يقوم على المصارحة والمصالحة، والانخراط في عملية إصلاحية حقيقية تضمن الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والاقتصادي.
لبنان يمتلك من الكفاءات ما يكفي للنهوض، لكن المشكلة كانت دائماً في سوء الإدارة والفساد السياسي، وإذا استطاع القادة التقاط هذه اللحظة التاريخية، فإن المستقبل قد يكون مختلفاً، أما إذا استمرت الذهنية التقليدية ذاتها، فإن لبنان سيبقى عالقاً في دوامة الأزمات. إن الفرصة لا تزال متاحة، لكن الوقت ليس مفتوحاً إلى ما لا نهاية، وعلى لبنان أن يقرر ما إذا كان يريد أن يكون دولة قادرة على الاستمرار والنمو، أم أن يبقى ساحة للصراعات. القرار في النهاية بيد أبنائه.
(الاتحاد الإماراتية)