صحافة

الرفض العربي للتهجير يعيد الحرب إلى غزة

عبد الوهاب بدرخان

المشاركة
الرفض العربي للتهجير يعيد الحرب إلى غزة

 يريد الرئيس دونالد ترامب إنهاء الحرب في أوكرانيا لأنها مُكلفة ويسعى إلى استرداد ما أنفقته الولايات المتحدة فيها بوضع اليد على المعادن الأوكرانية النادرة. ومع أن الحرب على غزّة مُكلفة أيضاً، إلا أن ترامب يترك قرار استئنافها بعد انتهاء الهدنة في مرحلتها الأولى لصديقه بنيامين نتنياهو، الذي لا يرغب في إنهائها، ليس لأن حلفاءه في اليمين المتطرّف لم يتخلّوا عن خطط إعادة استيطان قطاع غزّة فحسب، بل لأن الحفاظ على حكومته ومنصبه يبقى أولوية أولوياته. لكن استعادة الرهائن من "حماس" شكّلت دائماً عقدة وعقبة حاول التخلّص منهما ولم يفلح، كما لم يساعده دخول ترامب على الخط في تجاوز مسألة "المحتجزين، لا بطرحه مشروع تهجير الغزّيين ولا بتهديد فصائل غزّة بـ "فتح أبواب جهنم" عليها.

لا تغيب عن بال نتنياهو "الأهداف" التي حدّدها للحرب، وعلى رأسها "تغيير وجه الشرق الأوسط" الذي يتبنّاه ترامب بتسمية أخرى هي "التطبيع الكامل" بين العرب وإسرائيل. لكن معالم "تغيير" المنطقة تكمن، بالنسبة إلى إسرائيل، في توسيع احتلالاتها وفرض "منظومة الطبقات الثلاث" الأمنية (داخل أراضيها، ومنطقة عازلة على الحدود، ووجود عسكري دائم خارج أراضيها) التي بلورتها خلال حربها على غزّة وباشرت تنفيذها في شمال القطاع وشرقه وجنوبه (احتلال محور صلاح الدين/ فيلادلفيا)، ثم في جنوب لبنان حيث جعلت المنطقة العازلة أرضاً محروقة وأبقت سيطرة قواتها (بموافقة أميركية) على خمس نقاط داخل الأراضي اللبنانية، كما بادرت الى التوغّل في الأراضي السورية غداة سقوط النظام السابق ولا تزال تتوسّع (أيضاً بموافقة أميركية)، بل أنها بدأت تتدخّل بمنحىً تقسيمي/ انفصالي في الشؤون السورية الداخلية، متجاوزة حتى ما كان من منحىً تخريبي إيراني...

وفي الأثناء تخوض إسرائيل حرباً لتقطيع أوصال الضفة الغربية وإزالة مخيماتها، في اطار مخطط معلن لدى اليمين المتطرّف لترحيل الفلسطينيين. أما قطاع غزّة فلا يتخيّله الإسرائيليون في "اليوم التالي" بعد الحرب إلا من خلال ما أعلنوه مراراً: استمرار سيطرتهم الأمنية عليه، التحكّم بأي جهة تُنتدب لإدارته (بعد "القضاء على حماس")، ومواصلة الضغوط لتهجير أهله وفقاً لـ "خطة ترامب- نتنياهو”.

وعدا أن هذه السياسة بالغة الوضوح في سعيها إلى ابتلاع كل الأراضي المحتلة وتصفية نهائية لقضية الشعب الفلسطيني، كما في انعكاساتها الخطيرة على الأمن القومي في الجوارَين المصري والأردني، فإنها باتت تتجاهل مقوّمات أي سلام إقليمي أو حتى أي "تطبيع" للعلاقات لتصبح سياسة تحدٍّ وليّ ذراع للعرب كي يرضخوا للأمر الواقع.

على هذه الخلفية، تُعقد القمة العربية الطارئة في القاهرة، وقد حُدّد هدفها بدعم الخطة المصرية لـ "إعادة إعمار غزّة من دون تهجير أهلها". هناك تأييد مبدئي مؤكّد لهذه الخطة، مع "ولكن" تثير اعتبارات عدّة مرتبطة بـ "كيف" سيتعامل ترامب معها، وكذلك إسرائيل التي تحتل الأرض وتستعد لاستئناف الحرب ولن تتردّد في تدمير أي جدار لا يزال بعد قائماً. هذه الخطة هي أفضل فكرة مطروحة للتحاور مع إدارة أميركية موتورة، بل مخيفة كما بدت في التعامل مع أوكرانيا ورئيسها فولوديمير زيلنسكي قبل جلوسه مع ترامب وخلاله، ولا ذكر في خطاب أيٍّ من أعضائها للقوانين والأعراف الدولية ولا احترام لأي شعب أو لخصوصياته.

وفي ذهن ترامب- نتنياهو- سموتريتش لم تعد هناك أرض فلسطينية، بل هناك منطقة متنازعٌ عليها وقد حسمت إسرائيل النزاع بالقوّة، فغزّة أصبحت أرضاً خراباً قابلة للتصرّف بها والضفة قد تلحق بها ما لم ترضخ للاحتلال... وللاستعباد على طريقة ايتمار بن غفير.

كانت القمة العربية المصغّرة في الرياض ناقشت الخطة المصرية ولم تشأ أن تضفي عليها طابع التحدّي، ولو لم تؤيّدها لما تقرّر المضي إلى القمة الطارئة لجعلها خطة عربية. لكن الرفض القاطع لمسألة التهجير وضع مصر في دائرة الاستهداف الإسرائيلي لتحريض ترامب وإدارته ضدّها، وجاء مقترح يائير لبيد- ظاهره إيجابي وباطنه توريطي- ليلفت إلى أن مصر باتت عقبة أمام "التهجير" فطالبها بأن تتولّى إدارة قطاع غزّة في مقابل إسقاط ديونها، وظهر الاستهداف أكثر في اتهام مصر بخرق اتفاق السلام والإعداد لحرب ضد إسرائيل.

عدا التحذيرات الأميركية لأكثر من جهة عربية في شأن رفض التهجير، والدعم المتوقع للخطة المصرية، بدأ الرد الإسرائيلي- الأميركي المسبق (عبر المبعوث ستيف ويتكوف) بإلغاء اتفاق وقف النار في غزة، وعلى الأخص مرحلته الثانية التي كان يُفترض أن تبدأ بانسحاب إسرائيل من "محور فيلادلفيا" كمؤشّر إلى استعدادها للانسحاب من معظم القطاع. ويمهّد قرار وقف إدخال المساعدات (وفقاً للاتفاق) خطوة أولى نحو العودة إلى الحرب.

(الوطن السعودية)

يتم التصفح الآن