رغم التوافق العربي الجامع في "قمة القاهرة" والتمسك بحق الشعب الفلسطيني بالبقاء بأرضه ورفض كل مقترحات التهجير والابعاد لما لها من تداعيات خطيرة على أمن الدول العربية واستهدافها لجوهرية القضية الفلسطينية ومحوريتها الراسخة عبر العصور، تستمر اسرائيل بدعم من الولايات المتحدة الاميركية بعرقلة المفاوضات والتنصل من اتفاق وقف إطلاق النار والانقلاب عليه عبر التمسك بـ"خطة ويتكوف" وفرض شروط جديدة على طاولة المفاوضات.
ويتغاضى الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن كل الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية، بل ويباركها، ويتوعد بين كل حين وحين حركة "حماس" بالـ"جحيم" وعظائم الأمور، حيث وجه لمقاتليها، أمس، "التحذير الأخير" لاطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين في غزة على الفور، مطالباً قادتها بمغادرة القطاع "طالما هناك فرصة لذلك". ويتزامن هذا التهديد مع اجراء البيت الابيض، عبر المبعوث الرئاسي الأميركي لشؤون الرهائن آدم بولر، محادثات غير مسبوقة مع "حماس"، بحسب ما أكدته المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، التي أشارت إلى أن اسرائيل، لم تكن بعيدة عن جو هذه المفاوضات، بل "تم التشاور معها بشأن التعامل المباشر مع مسؤولي الحركة".
وكانت معلومات صحافية سرت حول مناقشات أجرتها إدارة ترامب بشكل مباشر مع "حماس" في العاصمة القطرية، الدوحة، بهدف إطلاق سراح الرهائن الأميركيين المحتجزين في غزة وإمكانية التوصل إلى اتفاق أوسع لإنهاء الحرب. وفي حين لم يُعرف نتائج هذه المحادثات، والتي هي الأولى من نوعها منذ تصنيف واشنطن "حماس" كمنظمة إرهابية في عام 1997، يشي تصريح ترامب الأخير بأن الأمور لا تزال عالقة ومعقدة دون الوصول الى اتفاق حول إرساء هدنة طويلة الأمد في القطاع. علماً أنه من بين الرهائن الـ59 المتبقين لدى الحركة خمسة أميركيين.
هذا ويستمر تجميد المرحلة الثانية من مفاوضات وقف النار مع فرض حصار شامل وكامل ومنع دخول المساعدات وإحكام إغلاق اسرائيل للمعابر الواقعة تحت سيطرتها وسط تحذيرات من كارثة انسانية وارتفاع جنوني للأسعار مع اعتماد تل أبيب "سلاح التجويع" لدفع "حماس" إلى القبول بتمديد المرحلة الأولى من وقف النار كما لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين، وهو ما كان محط رفض وإدانة خلال القمة العربية الطارئة التي أقرت خطة مصرية جامعة لإعادة إعمار وتنمية قطاع غزة ورفض أي دور لـ"حماس" في مستقبل القطاع وإدارته دون التطرق، بشكل مباشر، إلى سلاح الحركة ونفي قادتها خارج القطاع.
وقد تباينت ردود الفعل الاجنبية بشأن "الخطة المصرية - العربية"، حيث شددت دول أوروبية عدة خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي على ضرورة عدم إعطاء "أي دور لـ"حماس" في الخطة المستقبلية وضمان أمن إسرائيل مع عدم تشريد الفلسطينيين من غزة"، كما ناشدوا بأهمية ضمان "وحدة الضفة الغربية وقطاع غزة في ظل السلطة الفلسطينية". وهذا، تحديداً، ما يزال مدار جدل مع رفض اسرائيل مراراً وتكراراً اي دور للحركة كما للسلطة الفلسطينية في "اليوم التالي"، بينما يتمسك ترامب بخطته للتهجير ما يجعل مقررات القمة العربية والخطة المنبثقة عنها في مهب الرفض الاميركي - الاسرائيلي وعدم القبول ببنودها.
في غضون ذلك، تسلّم رئيس الأركان الجديد للجيش الإسرائيلي إيال زامير مهامه خلفاً لهيرتسي هاليفي، حيث تعهد بـ"النصر المطلق" حتى القضاء على "حماس"، التي "تلقت بالفعل ضربة قاسية لكنها لم تُهزَم"، على حد قوله. وفور تسلمه، أقر رئيس الأركان الجديد تغييرات هيكلية في الجيش، معلناً أن العام 2025 هو "عام حرب، مع التركيز على غزة وايران". ويُعرف زاميل بمواقفه المتشددة ويعول عليه نتيناهو في قيادة المرحلة المقبلة خاصة أنه يسعى الى استئناف القتال في غزة.
مطامع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ومساعيه لتقوية نفوذه في المنطقة كشفها تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" عن أن تل أبيب تسعى إلى إقناع دروز سوريا برفض الحكومة الجديدة والمطالبة بحكم ذاتي ضمن نظام فيدرالي، وأنها تخطط لإنفاق أكثر من مليار دولار لتحقيق هذا الهدف. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمنيين قولهم أن إسرائيل تضغط دولياً للحصول على تأييد نظام فيدرالي في سوريا، يضم مناطق عرقية وطائفية مستقلة، مع جعل المناطق الجنوبية القريبة من حدود إسرائيل "منزوعة السلاح".
وتحاول اسرائيل استخدام "ورقة الاقليات" منذ سقوط النظام السوري السابق مع توسيع نطاق اعتداءاتها وانتهاكاتها ومحاولتها ابقاء سوريا ضعيفة ومفككة من خلال العمل على اثارة النعرات الطائفية والمذهبية، في بلد لا يزال يعاني من تداعيات الحرب التي استنزفت قدراته واقتصاده ومقوماته. ويرفض الدروز استخدامهم في هذا "البازار" الاسرائيلي مع تأكيدهم على اهمية الحفاظ على وحدة سوريا واراضيها ورفض اي مخططات للتقسيم والشرذمة وقد اعلنوا عن ذلك بوضوح، إن من خلال مواقف كبار المرجعيات الدينية او عبر التظاهرات التي نُظمت مؤخراً.
في سياق مشابه، حذّر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري من انشاء قوات الاحتلال منطقة عازلة بالنار في المنطقة الحدودية اللبنانية، تمنع من خلالها سكان المناطق الجنوبية من العودة إلى قراهم واراضيهم، مع استمرار السيطرة على 5 مواقع رئيسية استراتيجية. ويترافق ذلك مع الخروقات الامنية اليومية سواء عبر الاستهداف المباشر أو عبر شن غارات على مناطق عدة في جنوب لبنان وشرقه بحجة ضرب مواقع ومنشآت لـ"حزب الله" وعدم السماح له بإعادة بناء قدراته بعد الحرب.
الى ذلك، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة أمس على سبعة من كبار القادة الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن. وجاءت هذه الخطوة بعد إعلان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، عن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. وإلى جانب دخول التصنيف حيّز التنفيذ، قال روبيو، في بيان، إن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية أعلن عن مكافأة تصل إلى 15 مليون دولار، مقابل معلومات تؤدي إلى تعطيل المصادر المالية للحوثيين، إضافة إلى إمكانية إعادة التوطين.
أما في التطورات الدولية، فتجد روسيا اليوم نفسها في موقع متقدم على الساحة الدولية بعد التقارب الواضح مع الادارة الاميركية الجديدة التي "وبخت" الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وحملته مسؤولية الحرب وتداعياتها، وذلك خلال مشادة البيت الابيض "الساخنة" والتي شكلت تجاوزاً لكل الأعراف الديبلوماسية المعهودة بين الدول.
من جانبها، تراقب الدول الاوروبية بحذر وقلق ما يجري لانها تعتبر حرب أوكرانية حربها ضد موسكو ومطامعها التوسعية، حيث أعلن عن ذلك صراحة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي قال "صارت روسيا تشكل تهديدا لفرنسا وأوروبا، ومن الجنون المشاهدة دون فعل شيء"، معلناً أن باريس ستجمع، الأسبوع المقبل، رؤساء أركان الدول المستعدة لضمان سلام مستقبلي في أوكرانيا. كما أكد، في الوقت نفسه، أن مستقبل أوروبا لا يمكن أن تقرره الولايات المتحدة أو روسيا، وقال "مستعدون لكل السيناريوهات مع أميركا أو بدونها".
وفي جولة اليوم على الصحف العربية التي اهتمت بوقائع القمة العربية التي عُقدت في القاهرة وما صدر عنها من مقرارات، حيث نرصد:
لفتت صحيفة "الوطن" القطرية الى أن القمة العربية الطارئة في القاهرة انعقدت "في ظروف لا تُخفى على أحد، والأمل قائم على ترجمة قراراتها بما يؤدي إلى مساعدة الشعب الفلسطيني حيال ما يواجهه من مخاطر جسيمة تحتاج إلى التكاتف أكثر من أي وقت مضى آخر"، مشددة على أن "العمل العربي المشترك من شأنه تحقيق الكثير لصالح استقرار المنطقة، ومن هنا يأتي حرص قطر على الدعم الكامل للّم الشمل، وتعزيز العمل المشترك لتحقيق تطلعات الشعوب العربية في الاستقرار والتنمية والازدهار، وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة".
وتساءلت صحيفة "القدس العربي" "هل يمكن تطبيق الخطة العربية حول غزة؟"، لتوضح أن "هناك بعض الخلافات العربية في موضوع "حماس" وأن هذه الخلافات تصبّ في مصلحة التغوّل الإسرائيلي"، لكنها اعتبرت أن "هذا التوافق العربي، الذي سيتبعه توافق إسلامي في اجتماع جدة، اليوم الجمعة، يمكن أن ينتظم ضمن جهود دبلوماسية عالمية وأوروبية بشكل يعطي الفلسطينيين، والعرب، مجالا أوسع للحركة والتفاوض في ظل ظروف دولية شائكة".
وبحسب صحيفة "الأهرام" المصرية، فإن "أي تصور يخالف الخطة المصرية، ويسعى إلى استمرار الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، من شأنه أن يأخذ المنطقة إلى نفق مظلم لا يعرف أحد نتائجه النهائية". وقالت: "لا بديل عن الخطة المصرية للإعمار والسلام ليس قولا إنشائيا أو دعائيا، وإنما هو قول يعتمد على حقائق موجودة على الأرض، ومنها أن الشرق الأوسط هو قلب العالم، وليس فقط لما تحتويه المنطقة من ثروات وموارد طبيعية وطرق، بل لاحتوائها على مئات الملايين من البشر الذين لا يعرف أحد كيف ستكون ردود أفعالهم لو احترقت منطقتهم"، على حدّ تعبيرها.
وأكدت صحيفة "الغد" الأردنية أن "العرب يخططون لحمل الخطة (التي أقرت في القاهرة) والذهاب بها إلى واشنطن، والمؤشرات السلبية منذ الآن تقول إن هكذا زيارة قد لا تتم، وإذا تمت فستكون معرضة لأخطار كبيرة، خصوصا، أن الخطة العربية أغلقت كل نقاط الضعف التي كانت تتذرع بها إسرائيل"، مستنتجة "إننا عالقون في المنطقة الرمادية هذه الأيام، وسوف تثبت الأيام أن تل أبيب وواشنطن لديهما مخطط مختلف، ولن تقفا عند كل الحلول العربية البديلة".
بدورها، تحدثت صحيفة "الصباح" العراقية عن "ان محاولات نتنياهو للتهرب من المحاكمة بتهم الفساد ليست فقط قضية قانونية داخلية، بل لها تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية وعلى الاستقرار الإقليمي"، منبهة الى أن "استخدام الصراعات الأمنية والإقليمية كأداة لتحقيق مكاسب سياسية شخصية يزيد من تعقيد الوضع ويؤخر أي إمكانية لتحقيق سلام عادل وان المجتمع الدولي مدعو إلى مراقبة هذه التطورات عن كثب والضغط، من أجل محاسبة نتنياهو على أفعاله".
على المقلب الأخر، تناولت صحيفة "البلاد" البحرينية التطورات في العراق قائلة "كل المؤشرات والدلائل تشير إلى أن رياح التغير السياسي التي عصفت بالمنطقة، هي اليوم تواصل هبوبها وبالتحديد جهة العراق الذي تتجاذب النفوذ السياسي فيه دولتان، إيران والولايات المتحدة الأميركية"، معتبرة أن "الساحة السياسية العراقية اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن تخضع للضغوط الأميركية أو أن يظل الموقف السياسي غير مستقر على المستوى السياسي، وقابلًا للانفجار في أية لحظة".
(رصد "عروبة 22")