المعلوم والمخفي بملف غزة

لما بانت نهايات محتملة لما يجري في غزة، عادت الملفات إلى الاختلاط والالتباس إلى حدّ لا يمكن معه الوثوق في مسار ما يمكن اتفاق الأطراف المعنية عليه للوصول إلى النتيجة المرجوة. يثبت مع كل خطوة في هذا الملف أن الواضح أقل بكثير مما تخفيه المناورات والمفاوضات وميل بعض الأطراف إلى المغامرات التي تكاد تعيد تفجير الوضع وإشعال الحرب، وكأنها وقود استمرار أطراف قابضة على مفاصل سياسية أو عسكرية.

من نقاط الالتباس في ملف غزة ما يتعلق بموضوع التهجير، وتحديداً منذ تبناه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وجابهته دول عربية برفض قاطع تطور إلى العمل على خطة بديلة تنسف ما شاع عن سيناريوهات أمريكية إسرائيلية لمستقبل القطاع وهو خالٍ من أبنائه.

بدأت الخطة مصرية، ثم أصبحت عربية، بعد أن تبنّتها قمة القاهرة الثلاثاء الماضي. ورغم الترحيب بها أوروبياً أيضاً، جاء الموقف الأمريكي منها فاتراً وكأنه لم يكن يريد ما يقطع الطريق على أحلامه في غزة، وبعدها وجد فيها مبعوث ترامب إلى المنطقة بنوداً مميزة، غير أن رئيسه نفسه لا يراها كافية.

في المعلن ضمن هذا الإطار تأكيد المجلس الوزراي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في اجتماع دورته ال 163 بمكة المكرمة، الخميس، رفضه تهجير سكان غزة، ودعمه الخطة المصرية التي يمثل هذا المبدأ عصبها الرئيسي. ورحبت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، السبت، بالخطة، معتبرة في بيان مشترك أنها توفر "مساراً واقعياً لإعادة إعمار" القطاع، وأن تنفيذها يعد "بتحسن سريع ودائم في الظروف المعيشية الكارثية للفلسطينيين الذين يعيشون في غزة".

وأعلنت الصين كذلك دعمها لهذا المسار انطلاقاً من أن غزة ملك الفلسطينيين، ما ينطوي على رفض أي سيناريو للتصرف في أرضها من طرف لا حقوق له فيها، وتحديداً ما قاله ترامب عن شراء غزة وأحلامه العقارية فيها. كان يفترض في جود البديل العربي المرحَّب به من بقية القوى الكبرى في العالم أن يهدئ الجموح الأمريكي تجاه غزة، ويشجع ترامب على حث الجانب الإسرائيلي على البدء في مرحلة جديدة، لكن ذلك لم يحدث، بل انفتحت قناة اتصال بين واشنطن و"حماس". وهو أمر ملتبس في توقيته ومغزاه ويُفهم منه لامبالاة بجهود الوساطة ولا المساعي العربية في هذا الملف.

في الوقت نفسه، يزور وفد من "حماس" القاهرة، ليتشاور مع مسؤولين مصريين حول آفاق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل. والمفترض أن اتفاقاً دائماً للحرب في غزة هو الأساس الأهم لتنفيذ بنود الخطة العربية، فبغيابه لا معنى لأي شيء. ومما يثير المخاوف أن طرفي الحرب لا يخفيان استعدادهما لاستئنافها، بل يهدد ترامب بجحيم للفلسطينيين. وسط كل هذه التشابكات، لا يبدو أن كثيراً مما يجري معلوم، وأن حروب إرادات مصغرة تدور في الكواليس، ربما نرى نتائجها قريباً.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن