تقدير موقف

إسرائيل.. و"الحرب البيئيّة"!

علينا أن نتساءل عن الخلفيّات السياسية والاستراتيجية لتلويث إسرائيل للبيئة العربية المحيطة بها، وقليل عدد الدّراسات التي لامست هذه الإشكالية بما تحمله من خلفيات مضمرة لإبادة الطبيعة والإنسان في المنطقة.

إسرائيل.. و

إنّ مخطّط إسرائيل اليوم هو بلوغ السّرعة القصوى في استنفار كلّ الإمكانيات المتاحة، بما في ذلك الطبيعية، لسلب العربي في المنطقة كلّ مقوّماته الهويّاتية والوجودية.

ليست الحروب الوحشية المسلطة على أرض فلسطين، ومنها قطاع غزّة خاصةً، إلّا عنوانًا بارزًا يخفي وراءه عناوين فرعية مؤسِّسة لأهدافها الاستيطانية الكبرى.

تعمّقت الحرب البيئية بتكثيف عمليات دفن النفايات والمواد السّامة في عمق الأراضي الفلسطينية

من هذه العناوين، عنوان تدمير البيئة في الدول العربية المحيطة بها، لأنّها باتت مهووسة بممارسة عنصريّتها البيئية إلى أبعد الحدود كما هو واضح في سياساتها منذ 1967، لمّا انتهجت أسلوب تلويث الأرض وإفسادها والإضرار بمواردها حتى تُرغِم الفلسطينيين على ترك أراضيهم وتُثني عزائمهم على الإنتاج والبقاء. وإذا كانت حرب الجواسيس وحرب الاغتيالات مسلسلات درجَت إسرائيل على اعتمادهما، فإنّ الحرب البيئية باتت لا تقلّ أهمّية عن الحروب الدموية التي أصبحت لازمتها المتكرّرة في المنطقة.

هناك كرونولوجيا للحرب البيئية، لا بدّ من استذكارها باقتضاب حتّى تتوضّح درجة خطورتها. تبدأ من تجريف الأراضي الزّراعية الفلسطينية ونسْف خزانات المياه ومحطّات معالجة الصرف الصحّي وتجريف شبكات الرّي. ثمّ أتت مباشرة مرحلة توجيه مياه الصّرف الصحّي ومخلّفات المستوطنات ونفايات التجمّعات السّكنية والصّناعية الإسرائيلية إلى الأراضي التي انزوى فيها الفلسطينيون، الأمر الذي نتج عنه دمار الغطاء النّباتي الفلسطيني وانتشار الأمراض الخطيرة عبر الهواء ومياه الآبار. بل تعمّقت هذه الحرب البيئية بتكثيف عمليات دفن النفايات والمواد السّامة في عمق الأراضي الفلسطينية، خصوصًا في الضفّة الغربية والنّقب وهضبة الجولان، وتحويل المصانع ذات التلويث المرتفع من المناطق الإسرائيلية إلى الخطوط المحاذية للتجمّعات السكنية الفلسطينية.

أضرار بيئية طويلة الأمد وكوارث صحّية بالغة الخطورة والتلوّث قابل للانتقال إلى المناطق المحيطة في دول الجوار

وبالعودة إلى الحرب على غزّة، استنادًا إلى دراسة أنجزها فريق من جامعة "كوين ماري" في لندن، لوحظ أنّ انبعاثات الكمّيات الكربونية في القطاع قد ارتفعت إلى أكثر من أربع مرات عمّا كانت عليه إبّان الشّهر الأوّل من الحرب، مما زاد في ارتفاع حالات الطوارئ المناخية على اعتبار أنّ هذه الانبعاثات رفعت من نسبة ثاني أوكسيد الكربون بدرجات مروّعة.

وأشارت هذه الدّراسة إلى أنّ مصر، فضلًا عن الأراضي الفلسطينية، هي المتضرّر الأكبر من هذه الانبعاثات، بخاصة منطقة شمال سيناء التي شهدت تراجعًا مخيفًا في جودة الهواء، ممّا قد يهدّد صحّة نصف ساكنة المنطقة الحدودية بأمراض فتّاكة كالعريش. وقد أعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنّ أضرار المكوّن البيئي في غزّة وصلت إلى 413 مليون دولار في مقابل معاناتها من تراكم 290 ألف طن من النّفايات الصّلبة، ممّا سيتسبّب حسب الكثير من علماء البيئة إلى أضرار بيئية طويلة الأمد وكوارث صحّية بالغة الخطورة. ويُعدّ هذا التلوّث قابلًا للانتقال إلى المناطق المحيطة في دول الجوار عبر ملوّثات عابرة للحدود من خلال فساد الهواء، ومياه البحر، والمياه الجوفية التي تتسرّب إلى شواطئ الدّول المجاورة.

ينبغي الضّغط من خلال المنظّمات الدولية المعنية بالبيئة لتأكيد جرائم حرب إسرائيل البيئية ضدّ البلاد العربية

يكفي أن نذكر هنا، تقرير الأمم المتّحدة الإنمائي الذي رصَد فداحة خسائر الزراعة اللبنانية، كتَلْف التّربة بعد تلوّثها، وتضرّر منتجاتها الفلاحية ومستقبل الزّراعة في المناطق اللبنانية الحدودية مع فلسطين.

لا ننتظر من اللجوء إلى محكمة العدل الدّولية أيّ نتيجة عمليّة في محاسبة إسرائيل، بقدر ما ينبغي اعتماد أسلوب الضّغط على منظومة التعاون الدّولي من خلال المنظّمات الدولية المعنية بالبيئة، لتأكيد جرائم حرب إسرائيل البيئية ضدّ البلاد العربية بهدف إتلاف شعوبها ماديًّا ورمزيًّا من مدخل الإبادة البيئيّة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن