الأمن الغذائي والمائي

في "يوم المياه العربي"... كيف نتجاوز مشاكل الندرة المائية؟

القاهرة - آية أمان

المشاركة

في ظروفٍ خطيرة تمرّ بها المنطقة العربية جرّاء تصاعد التوتّر الأمني والحروب والصّراعات، تأتي ذكرى يوم المياه العربي في الأول من مارس/آذار الجاري لتكون بمثابة إنذار للتنبيه إلى وضع مائي حرِج لا يقلّ خطورةً عن التوتّر الأمني في المنطقة، بل يمكن أن يكون سببًا للمزيد من التوتّر والصّراع حول الموارد الطبيعية.

في

رفعت جامعة الدولة العربية في ذكرى يوم المياه العربي، شعار "مياه مُستدامة نحو مُستقبل مائي أفضل"، وهو الشعار الذي يتجاوز الحديث عن مدى خطورة الوضع المائي وندرة الموارد المائية التقليدية المُتاحة من مصادر المياه العذبة الجارية أو المياه الجوْفية ومياه الأمطار، لكنّه يستهدف أهمّية تطوير القطاع المائي والتركيز على ملفّ إدارة المياه في الدول العربية بشكل يضمن استدامة الموارد المائية عبر دعم القدرات الفنية للدول العربية وإدخال تكنولوجيا جديدة تساعد على رفع كفاءة استخدام المياه.

رسمت السنوات العشر الأخيرة صورةً رماديةً للموارد المائية في المشرق والمغرب العربي على حدّ سواء، ففي لمحة سريعة على وضع المياه في الوطن العربي الذي يقع في حزام الأراضي القاحلة والجافّة، تعاني دول الجزيرة العربية نتيجة المناخ الصحراوي، حيث تواجه السعودية وقطر والإمارات واليمن وعُمان ندرة مائية ممتدّة نتيجة طقس مناخي جاف.

وفي بلاد الشّام تبرز الاعتداءات الإسرائيلية على مصادر المياه في فلسطين ولبنان والأردن وسوريا كتحدٍّ رئيسي، إلى جانب السدود التركية التي أثرت بشدة في تدفّقات المياه إلى سوريا والعراق من دون احترام القانون الدولي وحماية دول المصبّ في الأنهار الدولية المشتركة، وهو ما تتخوّف منه مصر والسودان أيضًا أمام طموح دول منابع النيل بخاصة إثيوبيا للتوسّع في بناء السدود التي تهدّد الحصص المائية التاريخية.

وفي المغرب العربي، بدأت ملامح الخطر على مصادر المياه العذبة في تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا نتيجة موجات الجفاف الممتدة.

حسب تقدير الأمم المتحدة، تقع 19 من بين 22 دولة عربية في نطاق شحّ المياه، وتحصل 21 من 22 دولة عربية على مواردِها المائية الأساسية من مياه عابرة للحدود تسيطر عليها دول أخرى كحالة مصر والعراق وسوريا والسودان والأردن وفلسطين، حيث إنّ المنطقة العربية هي الأكثر ندرة في المياه بين جميع مناطق العالم، كما أنّها من بين المناطق الأعلى ترشيحًا للصراع حول المياه وعدم الاستقرار.

استراتيجيات المياه والتحرّك الجماعي

في مواجهة ندرة المياه، بدأت الدول العربية عبر سلطات المياه المحلية بوضع عدد من التدابير لمعالجة الفجوة بين ما هو متاح من موارد مائية متناقصة واحتياجات السكان، وتبنّت برامج واستراتيجيات وطنية تُركّز على الأولويات في توزيع الموارد المائية وترشيد استخدامها، وتضمنّت هذه البرامج خططًا لرفع كفاءة استخدام المياه.

على الرَّغم من أهمّية التحرّك العربي الجماعي في ملف المياه، إلّا أنّ التعاون الإقليمي لحماية الأمن المائي العربي لا يزال ضعيفًا، ففي 2009 تبنّت الدول العربية استراتيجية شاملة للمياه العربية حتى 2025، وتمّ تحديثها في 2022 وتغيّر اسمها إلى "الاستراتيجية العربية للأمن المائي" استهدفت حماية الحقوق المائية العربية، إلّا أنّه منذ تفعيل هذه الاستراتيجية لم تُسجّل الدول العربية تحرّكات جماعية واضحة في الملفات الأكثر خطورة مثل ممارسة الضغوط أو التأثير في دول الجوار العربي التي تتحكّم بالمياه العابرة للحدود من خارج الوطن العربي، كما لم تُقدّم جامعة الدول العربية عبر مجلس وزراء المياه العرب تقريرًا عمّا تحقق من الاستراتيجية حتى الآن.

منذ تسعينيّات القرن الماضي، بدأت المنظمات والجهات الدولية المعنية بقضايا المياه إطلاق مفهوم "ديبلوماسية المياه" وهو المفهوم الذي يتخطّى الجوانب الفنية والتقنية لإدارة المياه سواء داخل حدود الدولة أو خارجها، ليركّز على الجوانب السياسية والاقتصادية والقانونية والجيوسياسية المرتبطة بالمياه، وخلال السنوات الأخيرة توسّع الباحثون في دراسة قضايا المياه وفق التعقيدات والمرجعيات الإجتماعية والسياسية التي قد تكون عائقًا في وضع حلول ناجزة لحماية الأمن المائي، لكن لا تزال الممارسات العربية لـ"ديبلوماسية المياه" فقيرة من دون أن تركّز على معالجة أسباب الصراع المرتبط بالمياه.

الحلول المتاحة وقابلية التنفيذ

يقول الخبير الدولي والاستشاري الأوّل لموارد المياه في حكومة أبو ظبي، محمد داوود، في حديث لـ"عروبة 22": "مع ندرة الموارد المائية بدأ بعض الدول العربية في تبنّي حلول لخلق موارد مائية غير تقليدية بعيدًا عن الموارد الطبيعية كالأنهار أو المياه الجوفية ومياه الأمطار، ففي دول الخليج الآن تمّ تبنّي تحلية المياه كحلّ رئيسي لتلبية الاحتياجات من المياه العذبة".

وعن التحدّيات المرتبطة بتحلية المياه يشير داوود إلى أنّ "إنشاء محطّات تحلية المياه يواجه العديد من التحدّيات البيئية والاقتصادية والجيوسياسية، مثل الحاجة لمصادر الطّاقة، لكن الآن هناك اتجاهات لاستخدام مصادر الطاقة المتجدّدة لجعل الحلول المرتبطة بتحلية المياه أكثر استدامة"، لافتًا كذلك إلى وجود "مشاكل مرتبطة بالتمويل بخاصة في الدول العربية التي تعاني من اضطرابات أمنية قد تعيق إمكانيّة توفير استثمارات رأسمالية كبيرة لتطوير البنية التحتية لمحطات تحلية المياه".

وتتبنّى جهات بحثية عربية، كالمجلس العربي للمياه، عددًا من الحلول للتوسّع في خلق مصادر غير تقليدية للمياه وحثّ الجهات الحكومية في الدول العربية على تبنّي هذه الحلول، كالتوسّع في مشروعات إعادة استخدام المياه وحصاد مياه الأمطار وتبنّي نظم تكنولوجية حديثة لتطوير الريّ في إطار منظومة متكاملة لاستخدام المياه غير التقليدية والاستفادة من كل قطرة مياه متوفّرة في العالم العربي.

ولتجاوز ندرة الموارد المائية وإمكانيات الزراعة المتاحة داخل حدود الدولة، طوّر خبراء المياه مفهوم تجارة المياه الافتراضية، وهو حجم ما تستورده وتصدّره الدولة من سلع يدخل في إنتاجها المياه كالمنتجات الزراعية، وكشف هذا المفهوم سوء إدارة المياه في العديد من الدول العربية التي تعاني من شحٍّ مائي، وهو ما ظهر في تصدير سلع مستهلِكة للمياه بنسب كبيرة كالأرز، ما يكشف عن ضرورة اعتماد هذا المفهوم في خطط التنمية والتجارة في الدول العربية.

يبقى التحدّي الرئيسي لتطوير سياسات إدارة المياه في المنطقة العربية، في تجاوز الحديث عن مشكلة ندرة المورد المائي أمام الطلب المتزايد، بل مدى قدرة الحكومات وسلطات المياه المحلّية على تحقيق ثلاثة عناصر أساسية لخلق مورد مائي مستدام، وهي خلق القدرة الاقتصادية لتحمّل تكلفة وأسعار إنتاج المياه، وخلق مجالات للتعاون والتنسيق الإقليمي في مواجهة التهديدات المرتبطة بالمياه العابرة للحدود والتي تأتي من خارج الحدود العربية، والاهتمام بالتشابكات والقضايا المرتبطة بإدارة المياه لتقليل الصراعات من خلال التعامل مع ملف المياه في إطار مفهوم الديبلوماسية المائية من دون الاقتصار على الجوانب الفنية والهندسية فقط.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن