وسط حالة الاحتدام السياسي الداخلي، والصراع الدموي في الساحل، قُتل مدنيون أبرياء، وسقط جنود يقومون بواجب حفظ الأمن وحماية السكان وممتلكاتهم، وقُتل بعض فلول النظام وحشد من شبّان جرى تضليلهم، ورافق ما سبق تدمير ممتلكات ومرافق عامة، مما شكّل تطورات تُهدّد بخطر انتقال سوريا والقضية السورية نحو المجهول، مما شكّل حافزًا لتغييرات سريعة، جاءت فيها ثلاث خطوات هامة؛ وقف العمليات العسكرية والأمنية، والعمل على إخراج جماعات مسلحة وصلت إلى الساحل لمؤازرة قوات الأمن العام وقوات وزارة الدفاع، ثم تشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي عبر التواصل مع السوريين في الساحل والبحث في أسباب ما حدث ومجرياته، تكون نتائجها أساسَ قاعدة محاسبة مرتكبي الأخطاء، إنْ لم نقل الجرائم التي حدثت وإيقاع العقاب بهم من أي مستوى أو مرتبة كانوا، كما أشارت التصريحات.
التحدّيات كثيرة وخطيرة وسط مراهنة دول كثيرة على صعوبة توحيد سوريا نتيجة خلافات وصراعات مكوّنات الجماعة الوطنية
تعزّزت التطورات الإيجابية في مسار مواجهة تمرّد فلول النظام بحدث إيجابي آخر، حيث تم إعلان اتفاق بين الإدارة السورية الجديدة وقوات سوريا الديموقراطية "قسد"، وقّعه الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات "قسد" الجنرال مظلوم عبدي بعد محادثات سريعة، أكدت محتوياته تبعية شرق الفرات لسلطة الدولة السورية، وهي قضية طالما شكلت تحدّيًا للطرفيْن الحاكميْن، بل كانت التحدي الأهم بما لها من آثار وتداعيات داخلية وخارجية، إذ كانت في الجانب الداخلي حلًا لمشكلة شديدة التعقيد، يختصر الجانب الأهمّ فيها، واقع التمايز المتعدّد الأوجه بين القوّتَيْن الأكبر في سوريا بعد سقوط نظام الأسد: "هيئة تحرير الشام" بخلفيتها الإسلامية المتشدّدة، والتي تُعتبر لبّ القوة الإيديولوجية والسياسية والعسكرية للإدارة في دمشق، وحزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) بوصفه اليساري/القومي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK) صاحب نظرية الشعوب الديموقراطية، وتُـمثل "قسَد" ذراعه العسكرية، إضافة إلى التمايز الإيديولوجي والسياسي بين الطرفيْن، يُضاف إلى اختلاف مسارات تجربة كلّ طرف على الصعيدين الإداري والتنظيمي في تركيب ومستويات الإدارة، وخصوصًا بصدد المؤسّستين العسكرية والسياسية.
كانت التحدّيات الخارجية الكثيرة والخطيرة، تتطلب توافقات ونهجًا مشتركًا للطرفين، وكان أبرزها إعادة توحيد سوريا وسط مراهنة دول كثيرة على صعوبة هذا الإنجاز نتيجة خلافات وصراعات مكوّنات الجماعة الوطنية، التي تسمح بتدخلات في سوريا عبر النافذة الكردية على نحو ما سعت إيران وإسرائيل، وكان ذلك مدخلًا لإعادة تأكيد الترحيب العربي بالتطوّرات الجارية في سوريا، سعيًا لخروجها من كوارثها، وذهابها نحو تطبيع مسارها إلى المستقبل، وعلاقاتها مع المجتمع الدولي. وباستثناء ما حقّق الاتفاق من إيجابيات في راهن سوريا وعلى مستوى علاقاتها ومكانتها الإقليمية والدولية، فإنّ للاتفاق جوانب شديدة الأهمية، تستحقّ التدقيق، وأبرزها أنّه يفتح آفاقًا لمعالجة مشاكل مسكوتٍ عنها ومؤجّلة حاليًا مثل موضوع تمركز السلطة وضرورة توسيع المشاركة فيها ودور مؤسساتها المختلفة، وواقع الأحزاب والجماعات السياسية، وقضية المرأة من حيث مكانتها ومشاركتها في الحياة العامة.
شهدت سوريا تطورات إيجابية ستمتدّ تفاعلاتها لمستقبل أبعد مما كان المتابعون قادرين على التقدير
وعلى الرَّغم من أنّ الإعلان الدستوري الذي صدر، رسَم ملامح بعض القضايا، فإنّ الاتفاق وما سيجري من حوارات ونقاشات في إطاره حول الموضوعات المطلوب علاجها والتعامل معها، وكلّها سوف تولّد طرقًا وعلاجات وخبرات، تساعد أكثر على ولادة دستور مقبل وقوانين وأنظمة أكثر قدرة على استجابتها للواقع السوري.
سوريا في أسبوعها الأخير على الرَّغم ممّا أحاط بها من آلام مغامرة فلول نظام الأسد وتداعياتها السلبية، فقد شهدت تطورات إيجابية، ستمتدّ تفاعلاتها لمستقبل أبعد ممّا كان المتابعون قادرين على التقدير والرؤيا!.
(خاص "عروبة 22")