صحافة

"المشهد اليوم"…واشنطن تواصل غاراتها على اليمن وايران تنفي تورطها تطورات "خطيرة" على الحدود اللبنانية - السورية ومفاوضات غزّة "تراوح مكانها"

من أثار الضربات الأميركية على محافظة الصعدة (رويترز)

أراد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي تحدث مراراً وتكراراً عن مساعيه لإنهاء الحروب وإحلال السلام، أن يفتح معركة "حاسمة" و"حازمة" ضد الحوثيين في اليمن ومن خلفهم النفوذ الايراني غداة اتخاذه "الضغوط القصوى" ضد طهران وفرض المزيد من العقوبات عليها بهدف دفعها للجلوس على طاولة المفاوضات لمناقشة برنامجها النووي. وتتعرض ايران منذ أحداث 7 أكتوبر 2023 لانتكاسات متتالية تستهدف أذرعها في منطقة الشرق الاوسط، سواء من خلال الحرب الاسرائيلية التي استهدفت شخصيات رفيعة جداً في "حزب الله" وأدت الى تغيرات دراماتيكية على الصعيد التنظيمي والقيادي، أو عبر سقوط حليفها بشار الاسد في سوريا والذي شكل ضربة قاصمة لها، هذا ودون ان نتغافل عما تعرضت له وما تزال حركة "حماس"، التي تفاخر بالولاء لطهران.

هذا الاستهداف للأذرع يأتي في سياق ممارسة المزيد من الضغوط على إيران، التي تواجه تحديات جمة تبدأ من الاوضاع الداخلية مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة معاناة الشعب نتيجة العقوبات المفروضة ناهيك عن تشديد "الحصار" عليها منذ وصول الرئيس ترامب الى البيت الابيض مجدداً. ورغم وجود بعض الشخصيات والوجوه البارزة التي تفضل "محاورة" واشنطن يصرّ المرشد الاعلى علي خامنئي رفض ذلك بحجة "البلطجة" الاميركية. وفي تفاصيل المعارك الدائرة، ذكرت وسائل إعلامية تابعة للحوثيين، ليل الأحد الإثنين، بأنّ محافظة الحديدة، غرب اليمن، تعرضت لغارتين أميركيتين، فيما استهدفت أكثر من 40 غارة العاصمة صنعاء ومناطق أخرى بالبلاد ما أسفر، وفق حصيلة اولية، الى سقوط 53 قتيلا وعشرات الجرحى.

إلى ذلك، أعلن الحوثيون، في وقت مبكر من صباح اليوم، استهداف حاملة الطائرات الأميركية "يو أس أس هاري ترومان" للمرة الثانية خلال 24 ساعة شمال البحر الأحمر. وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، في بيان، إنه "تم الاستهداف بعدد من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة في اشتباك استمر لعدة ساعات"، متوعداً بالمزيد من الخطوات التصعيدية "في حال استمر العدوان على اليمن". من جهتها، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن الهجمات "استهدفت بشكل مباشر قيادة الحوثيين، وهو خيار تجنبته إدارة (الرئيس السابق جو) بايدن". وحسم البيت الابيض خبر مقتل قيادات حوثية "أساسية" خلال العملية العسكرية المستمرة، في وقت لا تزال جماعة "الحوثي" تلتزم الصمت المطبق ازاء المعلومات المتداولة بشأن قياداتها.

وعقبت الحكومة اليمنية على ما يجري في البلاد من أحداث متسارعة، متهمة الحوثيين بإقحام اليمنيين في صراع "عبثي لا تستطيع نفسها كجماعة أن تواجهه". وجاء ذلك على لسان نائب وزير الخارجية اليمني مصطفى نعمان، الذي قال لـ"الشرق الأوسط"، "إن الجماعة تمادت في وهمها بأنها قادرة على الدخول في مواجهة مع العالم كله، "لقد جلبت الويلات لبلادنا والأبرياء". وكان الحوثيون استهدفوا حركة الملاحة البحرية بحجة الدفاع عن غزّة غداة العملية الاسرائيلية السافرة على القطاع، الا ان خبراء مجلس الامن اكدوا ابتزازهم وكالات شحن بحري مقابل عدم اعتراض سفنهم، مقدرين ما تجنيه الجماعة إزاء ذلك بنحو 180 مليون دولار شهرياً. يُذكر أن وكالات أنباء نقلت عن متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الحوثيين هاجموا السفن الحربية الأميركية 174 مرة، في حين هاجموا السفن التجارية 145 مرة، منذ 2023.

بدورها، طالبت الأمم المتحدة الولايات المتحدة والحوثيين بالوقف الفوري لهجماتهما، معتبرة أن "أي تصعيد آخر سيؤدي إلى تفاقم التوتر الإقليمي وزيادة الإجراءات الانتقامية مما قد يزيد من زعزعة استقرار اليمن والمنطقة، ويشكل مخاطر جسيمة على الوضع الإنساني المتردي بالفعل في البلاد". أما طهران، الحليف الاستراتيجي للحوثيين، فنفت تورطها بما يجري، مشددة على أن الجماعة "تتخذ قراراتها الاستراتيجية والعملياتية بنفسها، ولا تتدخل إيران في صياغة سياساتها الوطنية أو العملياتية"، محذرة من أن "أي تهديد يتحول إلى فعلٍ سيواجه رداً صارماً ومدمراً"، بحسب ما جاء على لسان قائد "الحرس الثوري" حسين سلامي.

هذا التوتر الاقليمي يلاقيه تطورات "خطيرة" على الحدود اللبنانية - السورية من شأنها أن تفجر الاوضاع بين البلدين، بعد تحميل وزارة الدفاع السورية "حزب الله" مسؤولية مقتل ثلاثة من عناصرها في كمين نصبته قرب سد زيتا غرب حمص. كما أكد التلفزيون السوري مقتل أحد أفراد الجيش جراء صاروخ أطلقه الحزب على قرية الفاضلية الحدودية. بدوره، نفى الحزب تورطه بالاعمال الدائرة عند الحدود وتنصل من أي مسؤولية له. ولعب الحزب دوراً رئيسياً في دعم النظام السابق ووأد الثورة الشعبية حيث قاد عمليات عسكرية في عدد من القرى والبلدات السورية اسهمت بتغيير مجرى الاحداث لتصب في صالح الرئيس المخلوع بشار الاسد.

وتأتي هذه المستجدات مع إعلان "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مقتل 9 مدنيين وإصابة اثنين في قصف تركي استهدف قرية جنوبي عين العرب (كوباني) في حلب. ورغم توقيع اتفاق بين الرئيس احمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي لم تتوقف المعارك التي يخوضها الاكراد بوجه القوات التركية والفصائل الموالية لها ما يطرح مشاكل جسيمة أمام الادارة السورية الجديدة، والتي من واجبها ايجاد حلول عاجلة لمعالجة ذلك خوفاً من انهيار الاتفاق الذي وصف بـ"التاريخي" لانه يوحدّ البلاد ويقف تحت مخططات التقسيم والشرذمة كما يعترف بشرعية الرئيس الحالي.

لبنانياً، تتواصل الاعتداءات الاسرائيلية وتزداد وتيرتها بعدما شنّت مسيرات غارات على 3 سيارات في بلدات ميس الجبل وياطر وبرج الملوك في جنوب لبنان ما ادى الى سقوط 3 أشخاص. وبرر جيش العدو ذلك باستهداف "عناصر من "حزب الله" لمشاركتهم في انشطة مسلحة وتوجيه عمليات ارهابية"، فيما تعرض مواطنون في بلدة رامية الحدودية ايضاً الى اطلاق نار ما ادى الى وقوع اصابات. ووفق المعلومات الصحفية، فقد خرقت تل أبيب اتفاق وقف النار 1040 مرة منذ سريان العمل به ودخوله حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.

في الجانب الفلسطيني، لا تزال حركة الوسطاء على حالها من المراوحة والسعي لعدم العودة الى القتال وسقوط مفاعيل الهدنة الهشة في قطاع غزّة، وبموازاة وصول وفد اسرائيلي إلى مصر لمناقشة قضيّة الأسرى المحتجزين، غادر وفد من حركة "حماس"، أمس القاهرة إلى الدوحة وذلك ضمن المساعي المتواصلة للوصول الى حلول خاصة مع تفاقم المعاناة الانسانية لسكان القطاع الذين يعيشون في ظل حصار مطبق من الجانب الاسرائيلي الذي يمنع عنهم الغذاء والدواء وحتى الكهرباء. وكان المبعوث الأميركي للشرق الاوسط ستيف ويتكوف هدّد الحركة من أن "هامش الفرصة المتاحة سيغلق سريعاً"، وذلك بعد رفضها مقترحه القاضي بتسليم خمسة رهائن أحياء، من بينهم الجندي الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر مقابل الافراج عن عدد من الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية.

تزامناً، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، في بيان، إن بنيامين نتنياهو "أبلغ رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) رونين بار، بأنه يعتزم عرض إقالته على الحكومة، هذا الأسبوع"، وفق ما أوردته وكالة "رويترز". فيما ردّ الاخير باتهام نتنياهو بأنه يريد "ولاء شخصي يتنافى والمصلحة العامة". ومنذ فترة يقوم نتنياهو بإقالة اشخاص او دفعهم للاستقالة (كما فعل مع رئيس أركان الجيش الأسبق هيرتسي هاليفي) لتعيين اخرين موالين له في مواقع قيادية رئيسية في البلاد وذلك لتحقيق مصالحه ومخططاته كما لمنع تشكيل لجنة التحقيق الخاصة بأحداث هجوم 7 أكتوبر في إطار مساعيه للتملص من التهم الموجهة اليه بشأن الاخفاقات التي حدثت.

وقد عكست جولة اليوم على عناوين ومقالات الصحف العربية الصادرة اهتماماً بمختلف التطورات العربية، من فلسطين الى سوريا وصولاً للبنان:

أشارت صحيفة "عكاظ" السعودية الى أن النظام السوري "سقط، ولكن العمل الحقيقي بدأ الآن: بناء وطن حر يداوي جراح الماضي، ويصنع مستقبلاً مشرقاً للأجيال القادمة"، معتبرة أن "الشعب أدرك أن التغيير الحقيقي لا يكمن فقط في سقوط نظام، بل في غرس قيم الحرية والأمان والازدهار ليصبح كل فرد جزءاً من نهضة جديدة تُعيد لسورية مجدها.. مجداً جديداً ومستقبلاً يليق بعراقة الماضي وحيوية الحاضر"، على حدّ قولها.

في السياق، أكدت صحيفة "البلاد" البحرينية أن "إنشاء منطقة نفوذ في جنوب سوريا يحقق لإسرائيل أهدافًا تتجاوز الأمن إلى السياسة والاستراتيجية الإقليمية". وقالت: "إذا نجحت (تل أبيب) في خطتها لتشكيل واقع جديد في سوريا، فقد تعيد رسم الخريطة الاستراتيجية للمنطقة، ما قد يفتح الباب لمرحلة جديدة من التنافس الإقليمي، حيث لن تبقى دمشق مجرد ساحة صراع بين القوى التقليدية، بل ستصبح إسرائيل لاعبًا مؤثرًا في مستقبلها أيضاً".

وشدّدت صحيفة "الأهرام" المصرية على أن "كل الاختبارات الصعبة التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية تشير إلى أن الوصول إلى تسوية للأزمات الإقليمية المختلفة يمثل الركيزة الأساسية التي يمكن من خلالها تحقيق الاستقرار في المنطقة"، رابطة ذلك "بتوافر إرادة دولية للوصول إلى تسوية للقضية الفلسطينية والضغط على إسرائيل من أجل التوقف عن ممارستها الحالية التي كانت السبب الرئيسي وراء تصاعد حدة الأزمة الأخيرة".

أما صحيفة "الدستور" الأردنية، فأوضحت أن "حكومة الاحتلال ما زالت تتخبط في رؤيتها حول الوضع النهائي والحلول المطروحة واليوم التالي للحرب" في قطاع غزّة، لافتة الى أن "حل الدولتين يبقى هو الخيار الواقعي المستند لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، الذي يؤدي إلى تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة بعاصمتها القدس الشرقية، هو الحل السياسي الذي يحقق السلام والاستقرار والأمن للجميع في المنطقة".

ورأت صحيفة "عُمان" العمانية أن "إسرائيل تلجأ إلى تجويع غزة كتكتيك تفاوضي. وبدلا من المضي قدما في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار كما كان مقررا، يطالب نتنياهو الآن بتمديد المرحلة الأولى سبعة أسابيع إضافية"، موضحة أنه "من المنطقي أن يكون هذا الخيار الأفضل بالنسبة لنتنياهو؛ فتنفيذ المرحلة الأولى أسهل بكثير، حيث يتيح إطلاق سراح مزيد من الرهائن دون الدخول في تفاصيل أكثر تعقيدا، والتي تعد حساسة سياسيا بالنسبة له، مثل الانسحاب من غزّة ووضع خطط لإنهاء الحرب".

وفي قراءة لصحيفة "اللواء" اللبنانية، فإن "القرار الأميركي - الإسرائيلي بالتصعيد في المنطقة ما زال قائماً لفرض برنامج سياسي وعسكري خطير من ضمن المشروع الأوسع المُعدّ للمنطقة، والقائم على تطويع دولها لا الإكتفاء فقط بالتطبيع بينها وبين كيان الاحتلال الإسرائيلي". واضافت "بوجود رئيس أميركي يهتم بـ "البزنيس" فيبيع هنا ويشتري هناك، يشنّ حرباً على هذا البلد ويهادن بلداً آخر، وفقاً لما يعلنه دوما من أن همّه الأول وربما الأوحد إعادة قوة الاقتصاد الأميركي لتعود أميركا قوة عظمى مؤثرة عالمياً، ولا يهتم بمصائر الدول والشعوب".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن