قضايا العرب

الاحتجاجات السورية تتمدّد: "اللغم" الاقتصادي ينفجر في وجه النظام!

لم يعد خافيًا أنّ النظام السوري يراهن على الدور العربي من أجل تجاوز أزمته الاقتصادية، لا سيما بعد عودته إلى جامعة الدول العربية، ومشاركة الرئيس بشار الأسد في قمة جدّة... لكن رغم هذه العودة، استمرّ تدهور الخدمات التي تقدّمها السلطات إلى المواطنين، في الوقت الذي يشاهد فيه السوريون أبناء المسؤولين يتباهون بأسلوب عيشهم المترف والمرفّه في الخارج.

الاحتجاجات السورية تتمدّد:

يواصل النظام السوري على أرض الواقع تعنّته ومكابرته ورفضه القيام بأي خطوة جدّية تساهم في معالجة العديد من الملفات الاقتصادية والاجتماعية والحياتية، مستمرًّا في سساسة استخدام ملف تحسين أوضاع السوريين كورقة ضغط وابتزاز لاستعجال المساعدات المالية العربية المنتظرة.

لكن ما لم تكن القيادة السورية تتوقّعه، هو أن ينفجر "اللغم" الاقتصادي في وجهها فتنفجر معه موجة جديدة متدحرجة من التحركات الشعبية، خصوصاً في المناطق الواقعة تحت سيطرته، بسبب التردي المستمر في الأوضاع المعيشية، ما دفع البعض إلى تشبيه ما يحصل راهنًا ببدايات الأزمة، عام 2011.

وكان التطور الأبرز في هذا المجال، ما شهدته، ولا تزال تشهده، محافظة السويداء من مظاهرات حاشدة، خرجت تجاوباً مع دعوات متزايدة إلى العصيان والإضراب العام، في حين كانت على مدى سنوات الأزمة، تُطرح تساؤلات حول الوضع في هذه المحافظة، التي كانت تتمتّع بخصوصية معينة في العلاقة مع النظام، وصولًا اليوم إلى خروج العشرات في مدن وقرى محافظة درعا المجاورة، بمظاهرات ليلية مساندة لتظاهرات السويداء تطالب بإسقاط نظام الأسد.

إحتمال إنتقال الاحتجاجات إلى مناطق تقع تحت سيطرة النظام

وما ينبغي التوقف عنده، بحسب مراقبين عن كثب للحراك السوري، هو البيان الصادر عن الرئاسة الروحية للمسلمين الموحّدين في سوريا، ممثلةً بالشيخ حكمت سلمان الهجري، الذي أيّد الحراك الشعبي "المحقّ" في السويداء، معتبرًا أنّ "الأوان آن لقمع مسبّبي هذه الفتن والمحن ومصدّري القرارات الجائرة المجحفة الهدامة، ونقتلع من أرضنا كل غريب وكل مسيء، وكل حارق مارق قبل أن يسرق أموالنا من موقعه".

في ظل هذا الواقع المستجد، تُطرح الكثير من الأسئلة حول المدى الذي من الممكن أن يذهب إليه هذا الحراك، بالإضافة إلى إحتمال إنتقاله إلى مناطق أخرى تقع تحت سيطرة النظام، خصوصًا أنّ ما يحصل في السويداء يعبّر عن "نقمة شعبية" موجودة أيضًا في المحافظات الأخرى، من دون تجاهل الشعارات التي رُفعت في المظاهرات، والتي تستهدف رأس النظام باعتباره المسؤول الأول عن تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد.

وفي هذا السياق، كان سعر صرف الدولار، في الأشهر الماضية، هو المؤشر الأبرز للمسار التصاعدي الذي تسلكه الأزمة الاقتصادية في الداخل السوري. بحيث شهدت الليرة السورية تدهورًا كبيرًا خلال وقت قصير، ليصل سعر الصرف في الأيام الأخيرة إلى ما يقارب 15000 ليرة مقابل الدولار الواحد، الأمر الذي ترك تداعيات كبيرة على مختلف المستويات الاجتماعية والمعيشية.

ومنذ بداية الأزمة السورية، يعمد النظام، في الفترات التي يشعر فيها بأنّ حالة الغضب وصلت مستويات مرتفعة، إلى إرضاء السوريين بالإعلان عن زيادة على الرواتب والأجور، سرعان ما تتآكل مفاعيلها نتيجة الإرتفاع المقابل في أسعار السلع والخدمات. وهو ما حصل، في الأيام الماضية، حين كان الأسد قد أصدر مرسومين بزيادة الرواتب والأجور المقطوعة بنسبة 100%، مقابل رفع الدعم عن المحروقات، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بحدود 40% الأمر الذي ترك تداعيات كبيرة في حركة الأسواق.

وفي محاولة لامتصاص النقمة الشعبية، يكشف المراقبون أنّ النظام السوري يحاول رمي المسؤولية على عاتق التجار، عبر اتهامهم باستغلال حاجات المواطنين من أجل زيادة أرباحهم، مع العلم أن حركة الإقبال على الشراء كانت قد تراجعت كثيرًا بعد الزيادة التي طرأت على الأسعار. في حين يبرّر التجار من ناحيتهم ما يحصل بارتفاع نسبة التكاليف من المحروقات، لا سيما لناحية كلفة نقل البضائع بالإضافة إلى عدم استقرار سعر الصرف، ما يدفع معظمهم إلى زيادة نسبة موازية من الأرباح على الأسعار لاحتواء الخسائر المحتملة نتيجة تقلّبات أسعار السوق.

وتؤكد أوساط معنية في الداخل السوري لـ"عروبة 22" أنّ "الواقع الاقتصادي بات يمثل التحدي الأكبر للنظام، خصوصاً بعد أن وصلت الأزمة إلى مستويات غير مسبوقة لم يعد بمقدوره تجاهلها أو التعامل معها وفق منطق "المؤامرة"، ورمي المسؤوليات على الخارج"، مؤكدةً أنّ "موجة الإنتقادات التي توجه إلى مسؤولي النظام، ارتفعت وتيرتها حتى في معاقله في محافظات ومناطق الساحل السوري".

مخاوف من عودة النظام إلى استخدام "الورقة الأمنية"

ولا تستبعد الأوساط السورية نفسها أن "يعمد الأسد، في حال لم ينجح في إحتواء ما يحصل سريعًا، إلى إحداث تعديل وزاري أو حتى حل الحكومة الحالية برمتها، في سياق السعي إلى إرضاء المتظاهرين"، لكنها تشدد في المقابل على أنّ "الجميع يدرك عدم أهمية هكذا خطوة، نظراً إلى كون مركز القرار في النظام ليس في يد أي حكومة أو وزارة بل في مكان آخر".

أما إذا استمرت الاحتجاجات على وتيرتها المتصاعدة وتمدّدها بشكل أكبر بين المحافظات، فتبدي الأوساط تخوّفها من لجوء النظام إلى استخدام "الورقة الأمنية"، عبر افتعال بعض الأحداث المتنقلة بغرض "بث الذعر" في صفوف المنتفضين عمومًا، وأنصاره خصوصًا، للعودة إلى تقديم نفسه الجهة التي تؤمن الحماية لهم مقابل رضوخهم وتعايشهم مع الأوضاع الاقتصادية والمالية المتدهورة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن