ما كادت نائبة المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس تغادر الأراضي اللبنانية بما حملته معها من تكريس للموقف الثابت لإدارة بلادها من الملف اللبناني داخلياً وجنوباً وشرقاً، حتى وصلت الأخبار الجيدة للبعض والصادمة للبعض الآخر من البيت الأبيض، عن إطلاق المفاوضات بين واشنطن وطهران.
ولبنان المعني مباشرة بأخبار مماثلة، يترقب اللقاء الأول المنتظر في سلطنة عمان بين الجانبين اللذين سيتمثلان بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، بدلاً من وزير الخارجية مارك روبيو، في قرار لافت للرئيس الأميركي دونالد ترامب يحمل دلالة واضحة على أنه يريد إبعاد أي تأثير لإسرائيل على هذه المفاوضات، باعتبار أن روبيو قريب جداً من الإسرائيليين. ويدل الأمر على أن ملف المنطقة بات محصوراً بين ويتكوف ونائبته أورتاغوس التي تتولى أيضاً ملفات أخرى في المنطقة، ولا سيما في سوريا والأردن.
والمفاوضات التي ستتناول البرنامج النووي لإيران تطرح علامات استفهام كبيرة حول الخلفيات التي دفعت ترامب إلى سلوك المسار الديبلوماسي، فيما كانت طبول الحرب على طهران تقرع بقوة، في مؤشر لرغبة أميركية في حسم التمدد الإيراني في المنطقة وتأثيره السلبي على المصالح الأميركية والإسرائيلية على السواء.
العودة الأميركية إلى التفاوض المباشر مع طهران تعني عملياً طي صفحة الآمال المعلقة في تل أبيب على عمل عسكري مشترك يريح الأخيرة نهائيا من الأذرع الإيرانية المتمددة في المنطقة، ولا سيما "حزب الله" الذي يمثل، بالرغم من الضربات العسكرية التي أنهكت قواه، تهديداً لأمن المستوطنات. وقد بدا الانزعاج الإسرائيلي جلياً في زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لواشنطن، إذ يُخشى ألا تأخذ المفاوضات المباشرة مصالح بلاده في أي تسوية مرتقبة للملف النووي.
قد يكون من المبكر الحكم على مسار هذه المفاوضات، ولا سيما بعد بروز تباين حيال موقف طهران من التفاوض المباشر وانزعاج ترامب، لكن المؤكد أن لبنان لن يكون بعيداً من نتائجها سلباً أو إيجاباً، وإذا نجحت وأفضت إلى تسوية فلا بد أن يكون الملف اللبناني جزءاً منها، لناحية معالجة إشكالية "حزب الله" وسلاحه وتمويله الآتي من إيران. حتى إذا فشلت تلك المفاوضات فإن التأثير سيكون مماثلاً، لأن يد إسرائيل ستُطلق في لبنان، علماً أن ثمة من يرى أن نتنياهو سيدفع نحو زيادة تصعيده على الجبهة اللبنانية من خلال العودة إلى رفع وتيرة الاعتداءات أو ربما الاغتيالات من أجل الضغط على المفاوضات.
في كلا الحالتين، لن يكون لبنان محيّداً عن تلك المفاوضات، وإن في شكل غير مباشر، وستكثر زيارات المبعوثة الأميركية لمواكبة الخطوات المطلوبة منه في السياسة والأمن والاقتصاد. وسيكون التحدي الأبرز في هذه المرحلة الحرجة والخطيرة، مدى قدرة السلطة على شراء الوقت لإنجاز المطلوب بهدوء وتروّ، كما هو حاصل الآن، سواء في ملف نزع سلاح الحزب الجاري بوتيرة بطيئة ربما وإنما ثابتة في الجنوب.
فيما التحدي المزدوج الفعلي سيطل برأسه أولاً من شمالي الليطاني من أجل بدء تنفيذ القرار الدولي واتفاق وقف النار فيه، بعدما أنجز في جنوبه، أو من خلال قدرة الحكومة على الانخراط في التفاوض السياسي والديبلوماسي مع إسرائيل وفقاً للطلب الأميركي، وقد كانت أورتاغوس واضحة وجازمة في دعوتها السلطات اللبنانية إلى عدم الرهان على مسار التفاوض الإيراني - الأميركي وعدم ربط ملف السلاح به أو بنتائجه!
(النهار اللبنانية)