عرّفت مجموعة آل غور تغيّر المناخ بأنّها توقّعات ترقى إلى حدّ اليقين، ولكن الأمور تطوّرت سريعًا وأصبح التغيّر المُناخي يقينًا علميًا ينبغي التأقلم معه ومجابهته. والتأقلم يعني تقليل الأضرار والآثار السلبية النّاتجة عن التغير المناخي، بينما المجابهة تتمّ في الأمور التي لا يُجدي معها التأقلم مثل ارتفاع مستويات سطح البحار والمحيطات وغمرها لليابسة، بخاصة في المناطق المُنخفضة على سواحل البحار، مثل الدلتاوات المنخفضة لبعض الأنهار وأهمّها دلتاوات أنهار النيل في مصر والغانج والميكونغ في جنوب شرق آسيا بالإضافة إلى الجزر المُحيطية لبعض الدول.
وعُزي التغيّر المناخي إلى مجموعة من الغازات أُطلق عليها غازات الاحتباس الحراري والتي تنطلق بشكل أساسي من القطاع الصناعي والنقل والمواصلات وتوليد الكهرباء بنسبة 61% ثم من القطاع الزراعي بنسبة 31%، وتتراكم جزيئاتها في طبقات الجو العليا لكوكب الأرض فتمنع خروج الهواء الساخن النّاتج عن التفاعلات وتنفّس الأحياء كافّة على الكوكب ومعها الأنشطة الصناعية والزراعية وغيرها حيث يصطدم هذا الهواء الدفيء بجزيئات هذه الغازات والتي تراكمت بكثافة في طبقات الجو العليا، فيعكسها إلى داخل الكوكب مرّةً أخرى ويمنعها من الخروج إلى الفضاء الخارجي بما سمّي الاحتباس الحراري أو ظاهرة الصوبات الزراعية التي تحبس الحرارة داخلها نتيجة عزلها عن الجو الخارجي بالأغطية البلاستيكية أو الزجاجية، ثم أُطلق عليه الاحترار العالمي نتيجةً لتسبّبها في ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض.
زاد مؤخّرًا اهتمام الرؤساء الأميركيين بغاز الميثان والتركيز عليه في خطاباتهم
وحدّدت الدراسات غازات الاحتباس الحراري بتسعة غازات منها ثلاثة عالية التأثير وهي ثاني أكسيد الكربون ويساهم بشكل مباشر بنحو 61% من مجموع غازات الاحتباس الحراري ومصدره الوقود الأحفوري (بترول وفحم وغاز) المُستخدم في توْليد الكهرباء والنقل والمواصلات والصناعة والمباني السكنية والتجارية، ثم غاز الميثان ويساهم بنحو 14.3% ومصدره زراعات الأرُز وأراضي المستنقعات وحرق حشائش السافانا والمراعي الطبيعية والبرك المستنقعة وتغيير نشاط الأراضي من الغابات والمراعي إلى زراعة الحاصلات الحقليّة وهو أيضًا المكوّن الرئيسي للغاز الطبيعي المُستخدم كمحروقات، كما ينتج من تربية الحيوانات المجترّة حيث ينطلق أثناء عملية الاجترار للمواشي وأيضًا من مخلّفاتها ويوجد بوفرةٍ في عروق وطبقات الفحم.
وينطلق الميثان أيضًا من آبار النفط والغاز الطبيعي وطبقات الفحم والمُستنقعات الآسنة وأنابيب نقل الغاز ومدافن القمامة ومن التخمّر اللّاهوائي للمخلّفات العضوية. وقد زاد مؤخّرًا اهتمام الرؤساء الأميركيين بهذا الغاز والتركيز عليه في خطاباتهم. ثم يأتي غاز أكسيد النيتروز بنسبة 7.9% ومصدره من تحلّل وتطاير الأسمدة الأزوتية والمادة العضوية ومصانع الكيماويّات والأحماض وبعض الصناعات الحربية.
لا يُعقل أن يتحكّم غاز ثاني أكسيد الكربون وحده في درجة حرارة كوكب بمساحة وحجم كوكب الأرض
ثم يأتي متأخّرًا الفلور بنسبة 1.1% ومشتقّاته وأغلبه صناعي من أجهزة التكييف والتبريد والتجميد ومعها أيضًا الأوزون. هناك أيضًا عملية إزالة الغابات وتحلّل الكائنات الحيّة بعد موتها وتُساهم بنحو 17.3% ويكون أغلبها على صورة غاز ثاني أكسيد الكربون. ولا تتساوى هذه الغازات في قدرتها على إحداث الاحترار ورفع درجات الحرارة، حيث تبلغ قدرة غاز الميثان 21 ضعف قدرة غاز ثاني أكسيد الكربون، بينما تبلغ قدرة غاز أكسيد النيتروز 320 ضعفًا. لذلك، كان من الرّحمة وجود هذه الغازات بتركيزات تُقدّر بأجزاء من المليار وليس بأجزاء من المليون (ملليغرام لكل كيلوغرام) كما هي الحال مع ثاني أكسيد الكربون.
تغيّرات المُناخ من الأمور التي أثارت الكثير من الجدل بين العلماء، فبينما يرى فريق آل غور أنّ الغازات الناتجة عن النشاط الإنساني والتطوّر الصناعي والحضاري هي سبب تغيّر المناخ والاحترار العالمي، يرى الكثير من العلماء أنّ المناخ لا يقتصر على الغازات فقط، بل إنّ هناك العديد من عوامل التسخين والتبريد على كوكب الأرض، فعلى سبيل المثال، الشمس هي واحدة من أبرز عوامل التسخين، ومعها النشاط البركاني، تقابلها الرياح الباردة والسريعة والأعاصير وحركة الهواء والثلوج وجليد القطبَيْن ومياه المحيطات وجميعها من عوامل التبريد وهي كفيلة بامتصاص والتغلّب على أي كميّات غازية تصدر عن النشاط الإنساني، وبالتالي فإنّ مناخ كوكب الأرض يتحكّم فيه أوّلًا الشمس والرياح والأعاصير والثلوج والقطبان المتجمدان ثم أخيرًا المكوّن الغازي، كما وأنّه لا يُعقل أن يتحكّم غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبته الضئيلة التي لا تتجاوز 1% من إجمالي غازات الغلاف الجوّي وحده في درجة حرارة كوكب بمساحة وحجم كوكب الأرض.
تعريف الأمم المتحدة يُفرّق بين تغيّر المناخ الذي يُعزى إلى الأنشطة البشرية وبين تقلّبية المناخ
أشار بعض الأبحاث الحديثة للعلماء إلى أنّ ذوبان الثلوج في القطب الشمالي والقارة المتجمّدة في القطب الجنوبي والتي يشار إليها بسبب تغيّرات المناخ، يؤدّي إلى تدفّق مياه هذه الثلوج إلى مياه البحار والمحيطات فتزيدها بما يساهم في امتصاص كميّات أكبر من غاز ثاني أكسيد الكربون في كوكب الأرض على اعتبار كونها الحوض الأعظم لامتصاص هذا الغاز وبالتالي ينخفض من تركيزه مرّة أخرى وتعاود درجات الحرارة انخفاضها بعد ذلك. ومن المعلوم أنّه لكوكب الأرض أربع رئات طبيعيّة للتخلّص من غَازَيْ أول وثاني أكسيد الكربون المعروفَيْن باسم القاتل الصامت (ظاهرة الاختناق داخل سيارة مغلقة النوافذ أو أمام مدفأة حطب في غرفة مغلقة). وهذه الرئات هي المياه المالحة للبحار والمحيطات، وجليد القطبين، والغابات وتُرب الأراضي الزراعية.
تُعرّف الأمم المتحدة تغيّر المُناخ بأنه التغيّر الذي يُعزى بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ إلى النشاط البشري الذي يغيّر من تركيبة الغلاف الجوي والذي يتكوّن إضافةً إلى التقلّبية في المناخ الطبيعي والمسجّل خلال فترات زمنية متماثلة. وعلى ذلك فإنّ هذا التعريف يُفرّق بين تغيّر المناخ الذي يُعزى إلى الأنشطة البشرية في قطاعَيْ الصناعة والزراعة وانطلاق الأدخنة منهما بكثافة وبين تقلّبية المناخ التي تُعزى إلى أسبابٍ طبيعية مثل الفارق بين صيف وصيف أو بين شتاء وشتاء في الحرارة وفي البرودة، وهي تغيّرات طبيعية لا شأن للنشاط البشري بها.
(خاص "عروبة 22")