حسب تصريحاتٍ متواترةٍ لبنيامين نتنياهو، وأركان حكومته اليمينية المتطرّفة، فإنّنا بصدد بناء شرق أوسطٍ جديدٍ، تتوسّع فيه الدولة العبرية على حساب أجزاء من سوريا ولبنان والسعودية وسيناء في مصر.
الاستهداف الرئيسي: نزع سلاح المقاومة، وأيّ سلاح استراتيجي من أيّ دولة يُحتمل أن تدخل صدامًا مسلّحًا مع الدولة العبريّة، إيران أوّلًا ومصر ثانيًا.
لا تتوقف إسرائيل عن الضغط بالتقتيل الوحْشي في قطاع غزّة والتجويع المنهجي لسكانه حتّى تصبح الحياة مستحيلةً ويكون ممكنًا الحديث عن نزع سلاح المقاومة، وليس "حماس" وحدها.
حسبما نُقِلَ عن قياداتٍ في "حماس"، فإنّ الوسيط المصري أبلغ الإسرائيليين: "لسنا مستعدّين لإقناع حماس بما فشلتم فيه بالحرب".
على الرَّغم من وضوح الرسالة، إلّا أنّ وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، زعم أنّ مصر أضافت لأوّل مرّة شرطًا جديدًا لإتمام صفقةٍ شاملةٍ تُنهي الحرب في مقدّمتها نزع سلاح "حماس" وتجريد غزّة من كل الأسلحة.
لم يكن ذلك اقتراحًا مصريًا، لكنّها رسالة إسرائيلية تورّط الوسيط المصري في نقلها إلى "حماس". كان ذلك خطأً سياسيًا لم يكن يصحّ الوقوع فيه.
استعانت إسرائيل بالرئيس الأميركي لكي يضغط لـ"تفكيك البنية التحتية العسكرية" التي استُحدثت في سيناء
في التصريح نفسِه، كشف كاتس، الذي يعبّر عن آراء نتنياهو بحذافيرها، أنّ "سياسة إسرائيل في غزّة واضحة وحاسمة وتشمل بذل كلّ جهد ممكن لإعادة الأسرى وإيجاد طريقة أخرى لتوزيع المساعدات الإنسانية واستهداف مقاتلي حماس وإخلاء السكان وتمهيد الأرض بقوة نارية هائلة وضمّ الأراضي إلى مناطق الأمن الإسرائيلية وعدم الانسحاب منها".
كلّ شيء مقابل لا شيء. لا شيء مطلقا. إنّه إعلان نوايا عن ضم أراضٍ في سوريا ولبنان وغزّة باسم الأمن الإسرائيلي ولا يستبعد التهجير القسري إلى سيناء!.
في الحالة اللبنانية الفارق جوهريّ بين ضرورات حصر السلاح في يد الدولة، وهذا أمر طبيعي لا يصحّ المُساجلة فيه، وبين نفي عروبة البلد وجرّه إلى نوعٍ من الاستسلام لإرادة الاحتلال بذريعة الحياد.
أي خطأ في التقدير السياسي يدفع لبنان إلى أتون حربٍ أهليةٍ جديدةٍ لا تحتملها ظروفه القاسية اقتصاديًا وأوضاعه القلقة سياسيّا.
طالما هناك احتلال فالمقاومة مشروعة بالقانون الدولي. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها.
وفي الحالة المصرية، استعانت إسرائيل بالرئيس الأميركي دونالد ترامب لكي يضغط لـ"تفكيك البنية التحتية العسكرية"، التي استُحدثت في سيناء.
قيل إنّها تخالف البروتوكولات الأمنية لاتفاقية "كامب ديفيد"، على الرَّغم من أنّ القوات الإسرائيلية تخرقها، وتكاد تمزّقها تمامًا باحتلال محور فيلادلفيا وإلغاء أي اتفاقات دوليّة موقّعة بشأن معبر رفح الحدودي.
تقف القوات المِصرية، في المقابل، في حالة تأهب قصوى استعدادًا لأي مواجهة عسكرية غير مستبعدة.
لا يطلب أحدٌ في مصر الحرب لكنّها قد تكون مُحتّمة
إسرائيل ترقب وتُبدي انزعاجها مما تتابعه. كانت تلك رسالة ردع. في وقتٍ واحدٍ، طلبت إخلاء غزّة من سكانها بالتهجير، قسريًا أو طوعيًا، وإخلاء سيناء من أي قدرة على صدّ أي عدوان محتمل.
إذا ما جرى تهجيرٌ مماثلٌ من الضفّة الغربيّة إلى الأردن فإنّها التصفية النهائية للقضية الفلسطينيّة.
دخل دونالد ترامب على خط الضغوط لتفكيك مصدّات الدبابات والمطارات الجديدة التي أنشئت والممرّات تحت قناة السويس، لكنّها مسألة يستحيل تمامًا التهاون فيها، أو المقايضة عليها.
لا يطلب أحدٌ في مصر الحرب، لكنّها قد تكون اضطراريةً ومُحتّمة.
أخطر التطوّرات الماثلة إخلاء رفح من سكانها الفلسطينيين وتمركز فرقة إسرائيلية كاملة تأهبًا واستعدادًا لسيناريو التهجير.
عند أي صدام واسع بالسلاح، تُلغى اتفاقية "كامب ديفيد" من تلقاء نفسِها.
حماقة اليمين الصهيوني تغوي بالصِّدام، لكنها سوف تكلّفه خسارة أهم إنجاز أميركي وإسرائيلي في نصف القرن الأخير.
على الرَّغم من الأوضاع الداخلية الإسرائيلية المُحتقنة على خلفيّة تحلّل نتنياهو من أي وعود باستعادة الأسرى والرهائن، إلّا أنّه لا يأبه بأي احتجاجات، ولا بقضية الأسرى كلّها معتقدًا أنّ الاستمرار في الحرب يحفظ مستقبله السياسي.
أثناء زيارته للبيت الأبيض، فوجئ بترامب يعلن عن بدء مفاوضات مباشرة مع إيران، لم يكن على علمٍ مسبقٍ بالأمر، امتقع وجهه لكنّه تمالك أعصابه ساعيًا إلى توظيف الفجوات الواسعة بين الأميركيين والإيرانيين بشأن المشروع النووي لتحريض واشنطن مجدّدًا على ضرب إيران.
المشكلة الحقيقية في المفاوضات الأميركية - الإيرانية ليست في المشروع النووي، حيث يمكن التوصّل إلى تفاهمات مُرضية للطرفين تسمح بإنهاء الأزمة المزمنة.
الإيرانيون يريدون حصر المفاوضات في المشروع النووي، والأميركيون يضغطون لتوسيع جدول أعمالها لتشمل المشروع الصاروخي وأدوار طهران الإقليمية.
لا إسرائيل قوة هائلة تُملي ما تشاء ولا نحن ضعفاء إلى حدّ التسليم بما تطلب
المُفاوض أميركي وجدول الأعمال إسرائيلي. الأولوية الإيرانية رفع العقوبات التي أنهكت اقتصادها. والأولوية الإسرائيلية نزع أسلحتها الاستراتيجية، وتفكيك تحالفاتها في الإقليم.
في كلّ الملفات المفتوحة، الاستضعاف يُغري بالاستخفاف.
يجب ألا ننسى أبدًا أنّ إسرائيل كادت أن تُمنى بهزيمةٍ استراتيجيةٍ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول (2023) لولا الدعم الأميركي المُطلق استراتيجيًا وعسكريًا وسياسيًا والتخاذُل العربي الرّسمي على الأصعدة كافّة. انكشفت عسكريًا واستخباراتيًا وجرى إذلالها وإحياء القضية الفلسطينية من جديد.
لا هي قوة هائلة تُملي ما تشاء ولا نحن ضعفاء إلى حدّ التسليم بما تطلب. الهزيمة تبدأ أولًا في الإرادة.
(خاص "عروبة 22")