عمومًا تضمّ المجموعات الخمس للسلع الاستراتيجيّة، مجموعات الحبوب والزيوت والشّحوم والسكّر واللحوم والألبان. وعلى سبيل المثال، تضم مجموعة اللحوم "لحوم الماشية والطيور والأسماك، ومنها لحوم الضأن والأبقار والجاموس والإبل والخنزير (والخنزير الأعلى استهلاكًا في العالم)، ومعها الدّواجن والبطّ والإوز والنعام والحمام (في القليل من الدول) والأرانب ثم كل أنواع الأسماك والمأكولات البحريّة".
من أهمّ أسباب الفجوة الغذائية العربية هو نقص الموارد المائية المُتاحة
وبالمثل تضمّ مجموعة الحبوب "خمس حبوب رئيسيّة وهي بترتيب استهلاكِها عالميًا القمح والأرزّ والذرة بمختلف أنواعها بيضاء وصفراء ورفيعة، ثم الشوفان والشعير". وتضمّ مجموعة السكّر "سكري القصب (في المناطق الحارة) والبنغر أو الشمندر (في المناطق الباردة)"، وتضم مجموعة الزيوت والشحوم "كلّ أنواع زيوت الطعام وأهمّها زيت عباد (دوار) الشمس والصويا والذرة والسمسم وجوز الهند والكتّان والكانولا (بذور البنغر أو الشمندر المُعدّل وراثيًا)"، وتضمّ مجموعة الألبان "كلّ أنواع ألبان الحليب لمختلف أنواع المواشي ثم الألبان المجفّفة ومنتجات الألبان بمختلف أنواعها والزبدة ومنتجاتها".
بشكلٍ عامٍّ، يُعتبر القطاع الزراعي هو المُنتج الوحيد للغذاء في العالم بنسبة تتجاوز 95% والباقي مخصّص للقنص والصيد، وحتّى الصيد تحوّل بنسبة 80% إلى مزارع سمكيّة وأصبح ينتمي لقطاع الزراعة.
وتعاني البلدان العربية من نقصٍ حادٍّ في مُجمل احتياجاتها من السّلع الاستراتيجية الأساسية وتكاد لا تكتفي إلا من الخضروات وأغلب الفاكهة والبطاطا (البطاطس) والأسماك كمجملٍ لمتوسّط 22 دولة. وطبقًا لآخر تقرير صادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية في عام 2024، تأتي الحبوب في مقدّمة النّقص الغذائي الذي تستورده الدول العربية كافّة وبنسبة اكتفاءٍ ذاتي (38%) بخاصة القمح (35.3%) ثم الذرة الشامية والذرة الصفراء لتصنيع الأعلاف الحيوانية والداجنة والسمكية (23.3%)، والأرزّ (48%) ما عدا مصر وحدها التي تحقّق الاكتفاء الذاتي منه، ويأتي بعدها زيوت الطعام والشحوم (34%) وبأكبر نسبة في استيراد الغذاء وبنقصٍ حادّ في جميع الدول العربية، والسكّر (41%) واللحوم (69%) بمختلف أنواعها ثم البقوليات (36.6%) والألبان المجفّفة ومنتجاتها (82%).
تراجع مخصّصات البحث العلمي الزراعي المسؤول عن استنباط وإنتاج الأصناف الزراعية عالية الإنتاجية
من أهمّ أسباب الفَجْوَةِ الغذائيةِ العربيةِ هو نقص الموارد المائية المُتاحة، خصوصًا أنّ القطاع الزراعي وإنتاج الغذاء هو المستهلِك الأعظم للمياه بمتوسّط 70% عالميًا وما بين 82 و90% عربيًا، ثم نقص الأراضي الصالحة الزّراعية بسبب أنّ جميع الدول العربية تنتمي إلى الصّحراء الكبرى بدءًا من جميع دول الخليج وصولًا إلى موريتانيا، مع مُناخٍ حارٍّ جافٍّ يعمل على تبخير المياه القليلة المُتاحة والذي يؤدّي إلى مضاعفة استهلاك زراعة الغذاء للمياه عن مثيلاتها في الدول الباردة قليلة البخر عالية الأمطار ومصدّرة للغذاء. يُضاف إلى ذلك طرق الزراعة والريّ البدائية في المنطقة العربية عن مثيلاتها في الدول المتقدّمة بحيث لا تُنتج وحدة المساحة من الأراضي الزراعية إلّا من نصف% إلى 60% فقط من المعدّلات العالمية بسبب تراجع استخدام الآلات في الزراعة ونقص إضافات الأسمدة الكيميائية سريعة الامتصاص عن المعدّلات العالمية وإنفاق الكثير من تكاليف الزراعة على الأيدي العاملة بسبب الزراعة والحصاد اليدويَيْن ثم تراجع مخصّصات البحث العلمي الزراعي المسؤول عن استنباط وإنتاج الأصناف الزراعية عالية الإنتاجية والاعتماد على الأصناف القديمة المُتدهورة إنتاجيًّا أو غير المقاوِمة للإصابات الحشرية والمرَضية والأضعف قدرةً على مقاومة نموّ الحشائش التي تشارك النباتات النامية في غذائها في التربة وتضعفها وتقلّل من إنتاجها. ويُضاف إلى كلّ ذلك ضعف إدارة الموارد المائية وإهدارها عبر طرق الريّ بالغمر وليس بالريّ المُقنّن، وعدم إعادة استخدام المياه في القطاع الزراعي أو التدوير في القطاع الصناعي إضافةً إلى المُناخ الصحراوي السّاخن الذي يبخّر جزءًا كبيرًا من موارد المياه سواء مباشرة من المجاري المائية أو من سطح التربة ومن أوراق وجسم النباتات النامية.
في خلال العقديْن الماضييْن، تعرّض العالم لأزمتَي غذاء عالميتيْن عامَي 2007/2008، ثم 2010/2011، وكانت الأولى بسبب مضاربات غير شريفة في بورصات الغذاء العالمية، والثانية بسبب التوسّع في إنتاج الوقود الحيوي من الغذاء، بخاصة الإيثانول الحيوي كبديل للغازولين أو البنزين من السكّر (البرازيل والهند والسودان) والحبوب النشويّة (من الذرة في أميركا والصين، ومن القمح في إنكلترا) ثم إنتاج الديزل الحيوي كبديل للسولار من أنواع زيوت الطعام كافّة وبذلك أصبح الوقود منافسًا للإنسان في غذائه. ورفضت منظّمة الأغذية والزراعة من خلال الاجتماع العالمي الذي حضره أغلب ملوك ورؤساء وقادة العالم أن تُدين استخدام الغذاء في إنتاج الوقود واعتبرت أنّ للطاقة الأهمّية نفسها للغذاء وعلى المتضرّرين من ارتفاع أسعار الغذاء تحسين طرق الزراعة والتوسّع في زراعة الصحراء وتحسين إدارة المياه.
المنطقة العربية هي الأعلى استيرادًا للغذاء وبعض دولها يتربّع على قمّة قائمة الدول الأكثر استيرادًا للسّلع الاستراتيجية
ثم تعرّضت الدول العربية منذ عاميْن لأزمة الحرب الروسية - الأوكرانية حيث تتحكّم الدولتان في تصدير 34% من إجمالي تجارة الغذاء العالمي ومنها 73% من صادرات زيت عباد (دوار) الشمس ومعها الصويا، زيوتًا وحبوبًا، والشعير والذرة، وكذلك القمح بنسبة 35% منها 50 مليون طن صادرات من روسيا و10 ملايين طن من أوكرانيا، ممّا أدّى إلى ارتفاع أسعار طن القمح إلى 430 دولارًا للطن بدلًا من 220 دولارًا قبل الأزمة، وهو أمرٌ مشابهٌ لأزمة الغذاء عام 2010 والتي ارتفعت فيها أسعار طن القمح إلى 480 دولارًا للطن. وفي كلّ أزمة من هذه الأزمات تخسر الدول العربية، طبقًا لبيانات البنك الدولي، نحو 1% من إجمالي اقتصادها ومواردها المالية بصفتها المنطقة الأكبر والأعلى استيرادًا للغذاء في العالم وبعضها يتربّع على قمّة قائمة الدول الأكثر استيرادًا للسّلع الاستراتيجية مثل مصر كأكبر مستورد عالمي للقمح (12.5 مليون طن) والمملكة العربية السعودية كأكبر مستورد للشعير (5 ملايين طن) ثم المنطقة كرابع أكبر مستورد عالمي للذرة وخامس أكبر مستورد لزيوت الطعام.
ومع كلّ أزمة غذاء عالميّة، يجتمع القادة العرب تحت مظلّة الجامعة العربية ويتّخذون قراراتٍ لمجابهة انعدام الأمن الغذائي العربي وخيارات الزراعة في الداخل والخارج، ولكن بعد انتهاء الأزمة تتبخّر القرارات انتظارًا لأزمةٍ جديدةٍ قادمة.
(خاص "عروبة 22")