فلسطين... القضية والبوصلة

موشيه زوكرمان... "أهلا ومرحبًا" بمعاداة الساميّة!

موشيه زوكرمان - Moshe Zuckermann (وُلد عام 1949)، هو مفكّر، وعالم اجتماع يهودي من أصلٍ ألمانيّ، وأستاذ فخري في جامعة تل أبيب، وهو معروف بمواقفه النّقدية تجاه السياسات "الإسرائيلية"، وخصوصًا فيما يتعلّق بالصّهيونية. في كتاباته، يُعبّر زوكرمان عن رفضه للصهيونية كمشروعٍ سياسيّ، ويرى أن الصهيونية عمومًا في داخلها عوامل انتهائها وفنائِها.

موشيه زوكرمان...

تأتي أهمّية أفكار زوكرمان في أنه يشغل منصبًا أكاديميًّا رفيعًا ومؤثرًا في جامعة تل أبيب، ونجَت أسرته من المِحرقة النازية في بولندا خلال الحرب العالمية الثانية، وكان في بدايات حياته من أشدّ المناصرين للحركة الصهيونية، ثم انقلب عليها نتيجة ممارسات الصهيونية البشعة في فلسطين، ممّا يجعل لمواقفه وكتاباته صدًى خطيرًا ومؤثّرًا في دولة الكِيان.

ولقد أثارت مواقف زوكرمان جدلًا واسعًا في المجتمع "الإسرائيلي"، ووسط الجالية اليهودية، حيث يعتبره البعض خائنًا، بينما يعتبره آخرون من المُدافعين عن حقوق الإنسان والسلام.

تصنيفه كمعادٍ للساميّة نتيجة اعتباره "إسرائيل دولة فصل عنصري" ورفضه الصهيونية لأنّها إيديولوجيا استعمارية

نتيجةً لمواقف زوكرمان المُعادية للصّهيونية؛ صنّفته الحكومة الألمانية ضمن الشخصيّات المعادية للساميّة؛ فقال مقولةً مشهورةً: "الآن يُمكنني التباهي بتصنيف الحكومة الألمانية لي رسميًا على أنني معادٍ للساميّة فأهلًا ومرحبًا!" وجاء تصنيفه كمعادٍ للساميّة نتيجة اعتباره "إسرائيل دولة فصل عنصري (أبارتيد) Apartheid"، ورفضه الصهيونية لأنّها ليست إلّا إيديولوجيا استعمارية (Imperial Ideology). ولعلّ ذلك الأمر يوضح لنا مدى الازدواجية في المعايير لدى بعض الدول الغربية، ومحاولة استخدام بعض المُصطلحات في غير سياقها، واستهداف كلّ شخص يُعارض سياسة الكِيان الدّموية، أو يؤيّد الحقوق الفلسطينية العادلة على أرضهم، ومن ثمّ توجيه التّهم الجاهزة سلفًا لكلّ من يقول كلمةَ الحقّ، ومنها التّهمة التي لا معنى لها على الإطلاق: معاداة الساميّة، حتى لوْ كان هذا الشخص يهوديًا، طالما لا يؤيّد الكِيان في سياسات القتل والدمار التي تتمّ على أرض فلسطين، وكذا انتهاك القانون الدولي، وتلك قمّة الشوفينيّة، والبراغماتية المريضة في السياسات الغربية الحالية، وهي سياسةٌ سافرةٌ وفجّةٌ، وصارت من دون أي معايير أخلاقية بشكلٍ لافت.

يرى زوكرمان أنّ العقيدة الصهيونية ليست مجرّد حركةٍ قوميةٍ، تهدف إلى إيجاد وطنٍ قوميّ لليهود، بل هي إيديولوجيا استعمارية تهدف إلى فرض الهيْمنة والسيطرة على أراضٍ كانت مأهولة بفلسطينيين. وبالنسبة إليه، الصّهيونية تتبنّى مفهومًا يشبه الاستعمار الأوروبي في العصور الحديثة، حيث يتمّ استبدال السكان الأصليين (الفلسطينيين) بسكّانٍ مهاجرين جُدُدٍ يتمّ نقلهم كالبعير من بلادٍ أخرى، ثم يُعطونهم الحقّ في امتلاك الأراضي التي هاجروا إليها بدلًا من سكّانها الأصليين.

انتقد زوكرمان العلاقة بين كلٍّ من الصهيونية والهوية اليهودية: فيَرى أنّ الصهيونية حاولت فرض هويةٍ يهوديةٍ قوميةٍ دينيةٍ قد تكون بعيدةً عن التقاليد اليهودية نفسِها. كما يذهب إلى أنّ الصهيونية حوّلت اليهودية من ديانة إلى قومية، وهو ما أدّى إلى تغييرٍ جذريّ في الهوية اليهودية التقليدية.

"إسرائيل" دولة غير شرعية

يعتبر زوكرمان أنّ "إسرائيل" وُلدت نتيجة "فاحشة"، لا زواج شرعيّ، مؤكّدًا أنّ كلّ يهودي وكلّ "إسرائيلي" يعرف ذلك في أعماق قلبه، وهذه الفاحشة هي النّكبة الفلسطينية عام 1948، وتكرّرت هذه الفاحشة على مدى عقود بتهجير الفلسطينيين المستمرّ، وقتلهم على أيدي الاحتلال "الإسرائيلي". وهي انتهاكات فجّة، وأعمال قتل وحشية كنّا نسمع عنها في الماضي، ولم نكن نتخيّل أن تصل بشاعتها إلى هذا المدى، وإجرامها إلى هذا الحدّ الذي لا يمكن تصوّره، وأضحيْنا نراها بأمّ أعيننا هذه الأيام.

يرى أنّ مقاومة الفلسطينيين للاحتلال حقّ طبيعي لهم وأنّ "إسرائيل" أسوأ مكان يمكن أن يعيش فيه اليهود

كما وجّه زوكرمان الانتقاد لاحتلال الأراضي الفلسطينية، خصوصًا بعد عام 1967، واعتبر أنّ هذه السياسات تُمثّل انتهاكًا لحقوق الإنسان، وتهديدًا للسلام في المنطقة. كما أكّد على أنّ الاحتلال العسكري "الإسرائيلي" للمناطق الفلسطينية لن يؤدّيَ إلى تحقيق الأمن أو الاستقرار لـ"إسرائيل"، بل سيتسبّب في المزيد من العنف والدمار. وبناءً على ذلك، يرى أنّ مقاومة الفلسطينيين للاحتلال (الإسرائيلي) حقّ طبيعي لهم، و"طوفان الأقصى" تعود جذوره إلى النّكبة الفلسطينية عام 1948.

كما أنّه يعارض بشدّةٍ فكرة "الدولة اليهودية"، التي تقوم على أساسٍ قوميّ يهوديّ خالصٍ، فهو يرى أنّ هذه الفكرة تتعارض مع الديموقراطية، وحقوق الإنسان، حيث إنّها تميّز بين المواطنين على أساس ديني وعِرقي. ويرى أنّ "إسرائيل" أسوأ مكان يمكن أن يعيش فيه اليهود، فهي ليست أرضهم، وهُم شعبٌ بلا أرض.

يؤكد أنّ انهيار الصهيونية و"إسرائيل" ضرورة حتميّة لا مفرَّ منها

يؤكّد زوكرمان أنّه على جميع "الإسرائيليين" مواجهة الحقيقة المُرّة، ألا وهي أنّ الدولة التي يحمل جنسيتها تحتل أرض شعبٍ آخر، وتُعامله بشكلٍ غير إنساني منذ عشرات السنين، ويجب عليه وعلى كلّ شخص يحترم ذاتَه أن يواجه ذلك بشجاعة. أمّا الحقيقة الأكثر مرارةً أنّ "انهيار الصهيونية و"إسرائيل" ضرورة حتميّة لا مفرَّ منها". وكتب عن ذلك مؤلّفات عدّة منها كتابه الذي تنبّأ فيه بانهيار الصهيونية و"إسرائيل" بعنوان: "مصير إسرائيل: كيف تسير الصهيونية في طريقها إلى الأسفل"، (2014).

صناعة الهولوكوست

كما عبّر زوكرمان عن رفضِه لاستخدام الهولوكوست كأداةٍ لتبرير ممارسات "إسرائيل" تجاه الفلسطينيين، إذ كان يعتقد أنّ معاناة اليهود في فترة الهولوكوست لا ينبغي أن تُستخدم كذريعةٍ للتمييز ضدّ الفلسطينيين، أو للقيام بأعمال قمعية ضدّهم. وكان أحد أبرز كُتُب زوكرمان التي تناولت هذا الموضوع هو "صناعة الهولوكوست" (Holocaust Industry)، حيث ناقش كيف تمّ استغلال المحرقة اليهودية (الهولوكوست) من قبل بعض الأوساط السياسية والاقتصادية لتعزيز مصالح معيّنة، بما في ذلك تبرير السياسات "الإسرائيلية" تجاه الفلسطينيين. في هذا الكتاب، تحدّث زوكرمان عن كيفية استخدام الذّاكرة الجماعية لليهود حول المحرقة كأداةٍ لتحفيز الدعم الغربي لـ"إسرائيل"، بل وأحيانًا لتشويش الانتقادات الموجّهة لسياسات الدولة "الإسرائيلية".

يرى أنّ الحلّ العادل يجب أن يعتمدَ على تأسيس دولة ديموقراطية وليست يهودية

دعا زوكرمان إلى إيجاد حلٍّ عادلٍ للنزاع الفلسطيني - "الإسرائيلي"، ورأى أنّ هذا الحلّ يجب أن يعتمدَ على تأسيس دولةٍ ديموقراطيةٍ وليست يهودية، تضمّ جميع المواطنين، سواء كانوا يهودًا أم فلسطينيين من دون تمييز بينهم، ما عدا ذلك فلتنتظر "إسرائيل" الفناء.

ومن خلال هذه المواقف، برز زوكرمان كأحد المفكّرين اليهود الكبار الذين ينتقدون الصهيونية من داخل المجتمع اليهودي نفسِه، وهو ما جعله يثير جدلًا واسعًا في "إسرائيل"، وفي الأوساط اليهودية الدولية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن