تقدير موقف

معركة شبه القارة الهندية.. وتأثيرات تطوّر الصناعة العسكرية الصينية (2/2)كيف سينعكس التطوّر العسكري الصيني على المنطقة والعالم؟

بَنَت الصين صناعتها العسكرية عبر العقود، في ظلّ حصار تكنولوجي غربي وتحفّظ روسي على تقديم الكثير من التّقنيات خوفًا من استنساخها أو بسبب المنافسة بين البلديْن، ولكن الصّين جنّدت مواردها البشرية الضخمة وشيّدت مؤسّساتٍ صناعيةً ومعاهدَ علميةً متخصّصة، وواصلت مشروعات التسليح من دون كللٍ حتى لو استغرقت عقودًا مع محاولة الاستفادة من أي ثغرة تتيح لها نقل التكنولوجيا.

معركة شبه القارة الهندية.. وتأثيرات تطوّر الصناعة العسكرية الصينية (2/2)
كيف سينعكس التطوّر العسكري الصيني على المنطقة والعالم؟

عملت الصين على الجمع بين الأساليب الرّوسية والغربية مع إضافة تأثيراتها الخاصّة والاستفادة من التقدّم المحرز في الصناعة المدنية، وتغلّبت خطوة بخطوة على المشكلات والتي كان من أكبرها عدم قدرتها على إتقان إنتاج محرّكات المقاتلات، بحيث ظلّت المحرّكات الصينية الصنع لسنواتٍ تعاني من أوْجه قصور تمنع الاعتماد عليها، ولكن اليوم يُعتقد أنّ أغلب المقاتلات الصينية لم تعد تعتمد على المحرّكات الرّوسية كما كان في السابق، وباتت تعمل بمحرّكات محلية.

الأسلحة الصينية باتت منافسًا حقيقيًا يُعتدّ به مع ميزة أنّها أرخص وأكثر وفرة

تُقدّم الصين درسًا مُهمًا للعالم للعربي ولكلّ دول العالم الثالث، بأنّ الاعتماد على الذّات يجب أن يقوم على مشروعات طويلة الأمد والاستثمار في التعليم والبحث العلمي وألّا يؤدي التضييق الغربي والفشل المُتكرّر إلى اليأس، كما أنّ إحدى نقاط قوة الصين أنّها تعرف عيوبها وتحاول معالجتها ولا تكابِر ولا تستسلم لضعف قدراتها العِلمية كما كان حالها قبل سنوات.

ما سبق لا يعني أنّ الأسلحة الصينية أصبحت بالضرورة أفضل من نظيراتها الغربية والروسية، ولكنّها باتت منافسًا حقيقيًا يُعتدّ به مع ميزة أنّها أرخص وأكثر وفرة بفضل حجم قاعدة الإنتاج الصينية الضخمة، والأهم فإنّ أكثر ما يُقلق الغرب منها هو سرعة تطوّرها الهائلة.

دخول السلاح الصيني إلى السّاحة بقوّة سيُضعف واحدة من أقوى نقاط القوة الأميركية

على الصعيد الدولي، فإنّ ظهور الصين كمنتجٍ موثوقٍ به للأسلحة سيكون له تداعيات هائلة على العالم بما يشمل منطقتنا، خصوصًا في ظلّ علامات الاستفهام المُحيطة بالأسلحة الروسية بسبب أدائها الأقلّ من المتوقّع في حرب أوكرانيا والمخاوف من العقوبات الغربية حال شرائها، وانشغال المصانع الروسية بتلبية متطلّبات هذه الحرب، إضافة إلى صغر قاعدة الإنتاج الرّوسية سواء من حيث الحجم أو التنوّع (موسكو تستورد كثيرًا من الإلكترونيات والتقنيات المستخدمة في أسلحتها من الخارج).

كما أنّ دخول السلاح الصيني إلى السّاحة بقوّة، سيُضعف واحدةً من أقوى نقاط القوة الأميركية، فبينما باتت الصين الشريك الاقتصادي الأبرز للكثير من دول العالميْن الثاني والثالث، فإنّ واشنطن في المقابل هي مورد السلاح الأول في العالم بفضل تفوّقها التكنولوجي الهائل، وهذا جزء أساسي من عوامل قوة نفوذها في العالم. ولكنّ السلاح الأميركي يأتي دومًا بشروطٍ سياسية، كما قد يتبعه فرض قيودٍ على توريد قطع الغيار عند وقوع أي خلاف، إضافةً إلى أنّ أميركا عادةً تفرض قيودًا على طرق استخدام أسلحتها وتتحفّظ على تقديم أفضل النّسخ إلّا لحلفائها المفضّلين كإسرائيل، كما تتمنّع عن نقلٍ فعلي للتّكنولوجيا بغرض التصنيع المحلي، وهي شروط في الأغلب لن تفرضها الصين.

كثير من الدول العربية تسعى إلى توطين الصناعات العسكرية لديها والصين قد تكون شريكًا في هذا التوجّه

حتّى قبل المعركة التي خاضتها المقاتلة الصينية "J-10" بأيدي باكستان، أفادت تقارير بأنّ دولةً عربيةً كبرى تفكّر في شراء هذه المقاتلة، وفي الأغلب فإذا أظهرت معارك الهند وباكستان مزيدًا من الأداء الجيّد للأسلحة الصينية، فإنّ هذا سينعكس لصالح بكين في الأسواق الدولية، وهو ما سيكون له تأثيرات استراتيجية كبيرة في العالم، وبخاصة منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما أن كثيرًا من الدول العربية تسعى إلى توطين الصناعات العسكرية لديها، والصين قد تكون شريكًا في هذا التوجّه أو على الأقلّ ستمثّل عامل ضغطٍ لدفع بعض الدول الغربية للاستجابة لطلبات الدول العربية في هذا الشأن.

من شأن تحوّل الصين إلى مصدرٍ موثوقٍ للأسلحة والتّكنولوجيا العسكرية بعدما تمّ تعميدها كعملاقٍ اقتصاديّ، أن يعزّز قدرتها على خلق تحالفاتٍ طويلة الأمد مع القوى الدولية المتوسطة خصوصًا تلك غير القلقة من صعودها والرّاغبة في تنويع شراكاتها الاستراتيجية والاقتصادية بعيدًا عن القطب الأميركي الذي ما زال مُصرًا على أنّه الأوْحَد.


لقراءة الجزء الأول

(خاص "عروبة 22")
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن