صحافة

"المشهد اليوم"...600 يوم على حرب غزّة وتفاؤل "حذر" بمقترح ويتكوفغارات اسرائيليّة توقف مطار صنعاء عن العمل وترامب يحذّر نتنياهو من أي "مغامرة ايرانية"

فلسطينيون ينتظرون في الطابور للحصول على وجبات ساخنة أعدتها جمعيات خيرية في مدينة غزة أمس (د.ب.أ)

بعد 600 يوم من اندلاع الحرب الاسرائيليّة على قطاع غزة فشلت تل أبيب في تحقيق الأهداف التي رفعها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي كان أبرزها القضاء على حركة "حماس" وتحرير الرهائن واستعادة الأمن والسيطرة. بل، وقد أثبتت كل المعطيات، أن الحوار كان الطريق الوحيد لضمان اطلاق سراح المحتجزين الا ان مخططات الحكومة الاسرائيليّة كانت أبعد من الحفاظ على أرواح الاسرى الذين استخدمهم نتنياهو في اطار البازار السياسي الرخيص وادعى حمل قضيتهم وهو يمارس القتل والابادة الجماعية في القطاع ويحرم السكان هناك من الغذاء والدواء.

فالمطامع الاسرائيليّة لا تضع في عين الاعتبار سوى احتلال القطاع بالكامل وتهجير السكان الاصليين عبر التضييق عليهم بشتى الطرق الممكنة. ومن هنا أتت المصادقة على عملية "عربات جدعون" التي ستمهد الطريق أمام قوات الاحتلال لبقاء طويل الأمد ما دفع دول أوروبية عديدة، ومنها حليفة لاسرائيل، الى توجيه الانتقادات على خلفية الحصار المشدّد ومنع ادخال الامدادات الانسانية وبالتالي توظيف التجويع كورقة للمساومة. حتى ان بعض هذه الدول ذهب بعيدًا بالاعلان عن نيته الاعتراف بالدولة الفلسطينية وذلك خلال مؤتمر "حل الدولتين" المُقرر عقده في 17 حزيران/يونيو المقبل برعاية الأمم المتحدة وبرئاسة مشتركة من فرنسا والسعودية.

هذا ودعت أيرلندا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا، وذلك خلال اجتماع عُقد في مدريد، إلى منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة والاعتراف بدولتها على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية مجددة التزامها بحل الدولتين. وهذه الخطوات، التي تشكل سابقة، تثير غضب نتنياهو وأعضاء حكومته من اليمين المتطرف الذين يوظفون أي خطوة أو نقد في اطار "دعم حماس" بينما تلوح في الافق "المتلبدة بالغيوم" بوادر اتفاق لوقف النار بضغط أميركي جدي. ففي أخر المعطيات، أشار المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف الى أن واشنطن على وشك إرسال ورقة شروط جديدة للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة، معلنًا عن أن "لديه انطباعات جيدة جدًا" في هذا الشأن.

وشكل هذا الاعلان بارقة أمل، ولو أن "الشيطان يكمن في التفاصيل" خاصة ان تل أبيب لطالما نكست بوعودها وغيّرت التزاماتها في اللحظات الاخيرة لافشال المفاوضات واستمرار القتال، وهذا ما حدث مرارًا وتكرارًا. الا ان تصريح الرئيس الاميركي دونالد ترامب ضاعف الضغوط حين قال "إنه يتعين على الأطراف في غزة أن توافق على الوثيقة التي قدمها ويتكوف، وأكد أن إدارته تعمل على تسريع توصيل المواد الغذائية للفلسطينيين في غزة". فيما سارعت "حماس" الى تبني المقترح، مؤكدة في بيان رسمي أنها توصلت إلى اتفاق مع ويتكوف على "إطار عام يحقق وقفًا دائمًا لإطلاق النار، وانسحابًا كاملًا للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة". كما يتضمن الاتفاق أيضًا إطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين وجثث مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين بضمان الوسطاء وتدفق المساعدات الاغاثية والانسانية بينما تتولى لجنة مهنية إدارة شؤون القطاع.

الجانب الاسرائيلي، بدوره، يعيش حالة من التخبط اذ لا تزال تل أبيب تنكر وجود مقترح حقيقي وتتنصل من الاعلان الرسمي عن موقفها رغم الاصوات الداخلية المتزايدة والتي تدعو لوقف الحرب فورًا وابرام صفقة تعيد من تبقى من الرهائن. فالى جانب عائلات الاسرى ومظاهراتهم شبه اليومية، برزت الانتقادات التي وجهها عدد من المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أيهود أولمرت الذي وصف، في تصريح جديد، كل من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بأنهما "إرهابيان ولا يقلان خطرًا على إسرائيل من الأعداء الخارجيين"، مدعيًا أن "أغلبية الإسرائيليين يرون غزة أرضًا فلسطينية، ويريدون سحب القوات منها وإيجاد حل مع الدول العربية يضمن عدم شن هجوم جديد على إسرائيل".

وتتعالى منذ مدة الاصوات الداعية لوقف الحرب والتحذير من "عزلة" و"نبذ" اسرائيل عالميًا وذلك بعدما اجتاحت مشاهد الحرمان والجوع كبرى وسائل الاعلام رغم رفض نتنياهو هذه الادعاءات التي يدحضها جملة وتفصيلًا. وكانت "مؤسسة غزة الانسانية"، التي أصبحت رديفًا لوكالة "الاونروا" بعد شيطنتها وكيل الاتهامات بحقها، أعلنت توقفها "مؤقتًا" عن توزيع المساعدات بعد حالة الفوضى التي عمت المكان خلال اليوم الاول ولكنها أعلنت عزمها العودة "بعد حل المشكلات لضمان السلامة". وترفض الأمم المتحدة الآلية الجديدة للتوزيع باعتبارها تتنافى مع الحقوق الانسانية وتشرّع التهجير وتزيد من معاناة الغزيين، معلنة أن القطاع هو "أكثر الأماكن جوعًا على وجه الأرض"، محذرة من أن الوقت ينفد بسرعة كبيرة "والأرواح تزهق كل ساعة".

وحتى اللحظة، وبحسب آخر الاحصائيات المُعلنة من قبل وزارة الصحة بغزة، فإن الحرب الحالية تسببت بمقتل 54 ألفًا و84 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 123 ألفًا آخرين منذ السابع من أكتوبر 2023، ولا يزال آلاف الضحايا في عداد المفقودين. وتشير بيانات الوزارة إلى أن إسرائيل ارتكبت "14 ألف مجزرة بغزة، وتسببت بمسح 2483 عائلة من السجل المدني بالكامل"، فيما بقيت 5620 عائلة ليس بها إلا ناجٍ واحد. وتشهد هذه المعطيات المُفجعة والصادمة على حجم الكارثة والمعاناة التي سترافق أهل القطاع، ولاسيما الأطفال منهم، حتى بعد أن تضع الحرب مداميكها. يُشار الى أن أكثر من 950 طفلًا استشهدوا في غضون شهرين فقط بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).

إزاء كل ما تقدم يعيش الغزاويون على أمل أن تؤدي الضغوط الاميركية ومساعي الوسطاء الى الاعلان عن هدنة وهو ما ستوضحه الساعات القليلة المقبلة. في حين تتجه الانظار الى سوريا بعد رفع الاتحاد الأوروبي رسميًا العقوبات الاقتصادية، أمس الأربعاء، في محاولة لدعم عملية اعادة إعمار البلاد والتعافي بعد الاطاحة بنظام بشار الأسد. وأبقى الاتحاد العقوبات المرتبطة بحكومة الأسد والقيود المتعلقة بأسباب أمنية مع فرضه عقوبات جديدة على أفراد وثلاث مجموعات مسلحة بسبب تورطها بأحداث الساحل السوري في آذار/مارس الماضي. وتأتي الخطوة الاوروبية لتتكامل مع رفع العقوبات الاميركية بعد القرار المفاجىء الذي اتخذه الرئيس ترامب من المملكة العربية السعودية خلال زيارته الاخيرة. وتحاول الرياض دعم الادارة السورية الجديدة وتوفير كل عوامل النجاح لها ومن هنا كان اللقاء الذي جمع وزير الخارجية فيصل بن فرحان مع المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك، والذي تم تعيينه حديثًا في هذا المنصب.

وتدرك دمشق أن التحولات الحالية تصب في صالح تعزيز أمنها الداخلي وتحسين أوضاعها الاقتصادية خاصة أنها فتحت الباب على مصراعيه للحدّ من النفوذ الايراني ووقف استخدام الاراضي السورية كممر للأسلحة المتوجهة الى "حزب الله". وشكل سقوط الاسد ضربة قاصمة لايران بعد تحجيم دورها الاقليمي واستهداف أذرعها العسكرية من لبنان الى سوريا فاليمن. ولهذا تبدو المفاوضات الايرانية - الاميركية، رغم التنازلات التي يمكن أن تقدمها طهران، حاجة ضرورية لها بظل التحولات السياسية الاخيرة. وتجنح كل من الولايات المتحدة وايران الى ايجاد أرضية مشتركة للتوصل الى اتفاق نووي جديد رغم استمرار "العقد الجوهرية"، بينما تدأب اسرائيل الى عرقلة المفاوضات والتشجيع على الحل العسكري.

وفي هذا الاطار، بدا لافتًا ما اعلن عنه الرئيس الأميركي بأنه حذّر نتنياهو، خلال مكالمة هاتفية أجريت بينهما الأسبوع الماضي، من القيام بأي خطوات قد تُعرقل الجهود الحالية. وقال "لقد أخبرته أن هذا ليس الوقت المناسب لمثل هذه التصرفات، لأننا قريبون جدًا من التوصل إلى حل (…) أعتقد أن الإيرانيين يريدون عقد صفقة، وإذا نجحنا في التوصل إلى اتفاق، فإننا سننقذ الكثير من الأرواح". وتحاول تل أبيب بكل الوسائل منع التوصل الى اتفاق لانها تعتبر أن اللحظة مؤاتية لضرب ايران ومنشآتها النووية ولكنها أيضًا لا تستطيع التحرك بعيدًا عن الحليف الاستراتيجي، واشنطن، كي لا تخسر الدعم المطلق.

أما يمنيًا، فقد دمرت اسرائيل آخر طائرة مدنية يشغلها الحوثيون؛ وذلك ردًا على تصاعد العمليات التي تنفذها الجماعة ضد تل أبيب في اطار معركتها لمساندة غزة. وقد ادت تلك الضربات الى شلّ حركة الطيران وتوقف مطار صنعاء الدولي عن العمل حتى اشعار آخر. من جهته، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس فرض حصار جوي وبحري على الجماعة، وقال إن "الموانئ الخاضعة للحوثيين ستستمر في التعرُّض لأضرار جسيمة، وإن مطار صنعاء سيتم تدميره مرارًا وتكرارًا، وكذلك البنى التحتية الاستراتيجية الأخرى في المنطقة التي يستخدمها الحوثيون وداعموهم".

دوليًا، أعربت روسيا عن استعدادها لبحث نقاط الاتفاق الشامل مع أوكرانيا بشأن وقف النار، واقترحت إجراء جولة مقبلة من المفاوضات في 2 حزيران/يونيو في إسطنبول. من جانبها، أبدت كييف استعدادها لإجراء مباحثات مباشرة مع موسكو، ولكنّها طالبت بأن تقدّم الاخيرة شروطها للسلام مسبقًا، لضمان بأن يسفر اللقاء عن نتائج ايجابية. وفي وقت سابق، نقلت وكالة "رويترز" عن 3 مسؤولين روس وصفتهم بـ"المطلعين" أن شروط بوتين لإنهاء الحرب تتضمن الحصول على تعهد كتابي من الغرب بعدم توسع "الناتو" شرقًا، بما يعني رسميًا استبعاد قبول عضوية أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا وغيرها من الجمهوريات السوفياتية السابقة من الانضمام إلى الحلف، رفع بعض العقوبات الغربية المفروضة عليها والتوصل لحل في ما يتعلق بقضية الأصول السيادية الروسية المُجمدة في الغرب.

وضمن الجولة الصباحية اليومية على الصحف العربية الصادرة اليوم، نرصد:

تحدثت صحيفة "الراي" الكويتية عن التحديات القاسية التي تواجه لبنان على الطريق إلى التعافي من بوابتي الإصلاح والسيادة، وهي الورشة التي يتصدّرها "جمع السلاح بيد الدولة وبسيط سلطتها على كامل أراضيها"، أي مصير سلاح "حزب الله" وأي سلاحٍ خارج الشرعية، كما هو الحال بالنسبة إلى السلاح الفلسطيني داخل المخيمات". وقالت "وبدا أنه في اللحظة التي سلك ملف سلاح المخيمات الفلسطينية مساره نحو التنفيذ بدءًا من منتصف شهر حزيران/ يونيو، تصاعدت وتيرة المواجهة السياسية حيال مصير سلاح الحزب في ضوء مواقف حازمة لرئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام من حتمية إنهاء "ثنائية السلاح".

من جهتها، كتبت صحيفة "الأهرام" المصرية "تجد إسرائيل التي لطالما تمتعت بحصانة دولية، نفسها اليوم تحت سيف العقوبات، من عواصم أوروبية تتخلى عن صمتها، إلى برلمانات تنتفض وتُطالب بوقف فوري للحرب في غزة". وتابعت "وبعد 600 يوم من الحرب المستمرة، تعيش اسرائيل حالة غير مسبوقة من العزلة الدولية، ما يعني أن إسرائيل تخسر على المستوى الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري وأيضاً الأخلاقي، وتأتي النتائج في مصلحة الفلسطينيين"، على حدّ قولها.

وعن غزة ايضًا، لفتت صحيفة "الدستور" الأردنية الى أن "المؤشرات تؤكد عن حالة تقدم في المفاوضات غير المباشرة التي ترعاها الولايات المتحدة، لبلورة صفقة محتملة تتضمّن وقفًا لإطلاق النار"، مشددة على أنه "ووفق السيناريوهات المحتملة فبينما تستمر المفاوضات، يبقى مصير الهدنة معلقًا بين احتمال التوصل إلى اتفاق يخفف من معاناة المدنيين، أو تصعيد عسكري قد يؤدي إلى مزيد من الضحايا والدمار. الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة، قد تلعب دورًا حاسمًا في تحديد المسار المستقبلي للأحداث في غزة".

في اطار آخر، رأت صحيفة "الغد" الأردنية "أنه من المثير حقًا ان اسرائيل باتت لاعبًا رئيسيًا في سورية اليوم، اذ بعد التغيير في دمشق ومن اداره ودعمه، نجد ان دمشق الرسمية تتواصل مع اسرائيل، فيما يستغيث بعض الدورز باسرائيل لحمايتهم". وأردفت "هذه المطالعة لا تتقصد الاساءة للنظام الجديد، لكنها تأتي في سياقات قراءة طبيعة هوية الدولة السورية المستقبلية، واذا ما كانت نواتها الاسلامية ستبقى كما هي، ام ستتخلى عنها تحت وطأة الظروف القاهرة، او الاشتراطات غير المعلنة؟"، بحسب تساؤلاتها.

من جانبها، نبهت صحيفة "الصباح" العراقية الى أنه "لم تعد الأزمة الإيرانية - الإسرائيلية مجرد سلسلة من العمليات السرية أو المواجهات بالوكالة، بل تقترب من الانفجار المباشر، في ظل تبدل عقيدة الردع الإيرانية، وازدياد الهشاشة الإسرائيلية الداخلية، وتضارب الحسابات الأميركية"، موضحة أن "واشنطن تميل الى "الردع بالتلويح بالقوة" دون استخدامها فعليًا في الحالة الايرانية، وذلك في اطار محاولة لضبط سلوك طهران دون تفجير الصراع".

وأشارت صحيفة "عكاظ" السعودية الى أن "التوسع المستمر لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بات -من وجهة نظر موسكو- تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الروسي، ومصدرًا رئيسيًا لزعزعة الاستقرار في أوروبا الشرقية"، معتبرة أن الرئيس ترامب "على عكس بعض الساسة الأوروبيين، لا يؤمن بجدوى محاصرة موسكو ولا يرى في التصعيد المستمر سوى وصفة للفوضى وعدم الاستقرار، خصوصًا في شرق أوروبا". 

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن