ترامب.. وعوائق داخلية وخارجية

لم يكن صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة مجددا سوى تجسيد لأزمة الرأسمالية الليبرالية التي يمثلها الحزب الديمقراطي، الذي فشل في وقف التراجع الأمريكي أمام القوى الجديدة، خاصة الصين وروسيا، لكن ترامب لم يقدم حلا حقيقيا للخروج من الأزمات، وإنما رفع شعارا شعبويا لا يقدم حلا قابلا للتحقق، وهو "عودة أمريكا عظيمة مجددا"..

فما فعله ترامب خلال أربعة أشهر من الحكم لم يفتح مخرجا من الأزمات، وأظهرت على السطح نقاط ضعف كانت خافية، وأخذت المعارضة لسياسات ترامب تتنامى، ليس من جانب الحزب الديمقراطي وحده، بل من رجال الأعمال الذين كان ترامب يراهن على تأييدهم في مواجهة "الدولة العميقة". ورغم بعض نجاحات ترامب في توجيه ضربات لعدد من أذرع الدولة العميقة، مثل تقليص واستبدال الموظفين الفيدراليين، وتحجيم دور المخابرات وأدواتها المعاونة مثل وكالة المعونة الأمريكية، فإنه يواجه تحديات أصعب.

وأحد أمثلة تلك التحديات رفض الكثير من الشركات ورجال الأعمال قرار فرض رسوم جمركية كبيرة على الواردات الأمريكية، وقال مدير شركة آبل بكل وضوح، لا يمكننا نقل مصانع الشركة من الصين إلى داخل أمريكا، فلا توجد بنية تحتية ولا عمالة ماهرة يمكنها تصنيع هاتف آيفون في الولايات المتحدة، فمعظم مكونات الهاتف الأكثر شهرة يتم تصنيعها أو تجميعها في سلاسل منسقة في الصين، ولا توجد تلك المقومات في أمريكا.

ويرد ترامب بتهديد شركة آبل بفرض رسوم جمركية عليها، تصل إلى 25%، أى أن رسومه الجمركية ستشمل الشركات الأمريكية التي تعتمد على مصانع لها في الخارج، وليست آبل النموذج الوحيد، بل أيضا شركات مثل تسلا لصناعة السيارات الكهربائية، وشركات أخرى لم تعلن التحدي الصريح لترامب، بل قالت إن نقل مصانعها إلى أمريكا يحتاج إلى الكثير من الوقت والمال، وينبغي أن يمر بعدة مراحل، وجاءت الضربة الأخيرة من محكمة التجارة الدولية الأمريكية التي قررت إلغاء قرارات ترامب بفرض الرسوم الجمركية على الواردات، ووصفتها بأنها غير دستورية، لتمحو قرارات "يوم التحرير"، وتضع عقبة قانونية جديدة، كما تتفاقم علاقة ترامب مع رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي جيروم باول، لتزداد جبهة معارضة سياسات ترامب في الداخل.

أما على الصعيد الخارجي فقد فتح ترامب جبهات أوسع، لا يمكنه تحقيق مكاسب فيها، وكان آخرها تدهور العلاقة مع الرئيس الروسي بوتين، الذي كان يأمل في جذبه بعيدا عن تحالفه مع الصين، واعتقد أنه بإمكانه مقايضة وقفه دعم أوكرانيا عسكريا بتنازلات استراتيجية من جانب روسيا، سواء بالحصول على مقابل اقتصادي، بأن تمنحه روسيا امتيازات اقتصادية في الأراضي التي سيطرت عليها في أوكرانيا، والابتعاد عن الصين، التي يعتبرها العدو الأول والأخطر، لكنه وجد أن مواقف روسيا تجاه الصين أعمق وأقوى مما كان يعتقد، وأن روسيا لن تفرط في ثروات المقاطعات التي ضمتها من أوكرانيا.

وجاءت محاولة اغتيال الرئيس الروسي بوتين الأسبوع الماضي، والرد القاسي بضربات جوية وصاروخية روسية على المواقع والبنية العسكرية الأوكرانية، ليوجه ترامب أقسى انتقاد إلى روسيا، ويصف بوتين بالجنون، وإعلانه عن فرض عقوبات قاسية على أي دولة تتعامل مع روسيا، لينهار التقارب الأمريكي مع روسيا، ويفتح جبهة إضافية في ظل توترات علاقة ترامب مع الإتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك.

أما الصراع مع الصين، فقد تكشف أنه لا يسير في مصلحة الولايات المتحدة، ويعجل بحرب لم تعد أمريكا تمتلك مقومات الفوز بها، لا على صعيد التنافس التكنولوجي، ولا الحرب التجارية، ولا حتى التفوق العسكري الذي يكلف الولايات المتحدة نحو تريليون دولار سنويا، ليجد ترامب أن كل الطرق أمامها عوائق لم يكن يتخيلها، وظن أن بإمكانه إعادة الهيمنة الأمريكية، بل وتعزيزها عن طريق التهديدات والعقوبات، فإذا به يتراجع أو يخسر، بل يسهم في تعزيز تحالف خصومه، وخسارة حلفائه، ويصبح الاقتصاد الأمريكي أكثر ضعفا وهشاشة، ويقترب الدولار من الانهيار.

ويفقد قوة منظومة "سويفت" التي تتحكم في التجارة الدولية، مع ظهور واتساع المنظومة الصينية الجديدة "سي آي بي إس" الأكثر سرعة، والأقل تكلفة، لتسحب البساط من أحد أهم عناصر القوة الأمريكية، المتحكمة في التجارة الدولية، كما أظهرت الصين قدرات عسكرية فاقت التوقعات، وأي سباق تسلح لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة، الغارقة في ديون لا يمكنها التوقف عن التوسع فيها، وغير القادرة على معالجة العجز المتزايد في الميزانية، ولا يمكنها منافسة الصين في قدراتها الصناعية أو توسع استثماراتها وتجارتها الدولية، ليتكشف الوهن الأمريكي، وانسداد آفاق اجتياز الأزمات، التي لن يغطيها تهويل ترامب بفرض العقوبات على دول العالم، بينما يتكئ على أعمدة متداعية.

(الأهرام المصرية)

يتم التصفح الآن