لا يكاد يمر يوم دون تطورات في المشهد الغزاوي الذي يراوح مكانه في المباحثات ولكن مع ازديادٍ في وتيرة القتل المُرّكز والقصف العشوائي. فحتى الساعة، يمكن القول ان التفاؤل الذي ارتفعت وتيرته بهدف التوصل الى اتفاق هدنة خلال الايام القليلة السابقة ما لبث أن خفت وحلت محله محاولات الوسطاء (أي مصر وقطر) المتجددة لحلحلة العقد وتبديدها وتقريب وجهات النظر. وتلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًا في هذا المجال، الا انها تعتبر وسيطًا "غير عادل" كونها تنحاز، بشكل واضح، الى اسرائيل ومطالبها تمامًا كما حصل مع مقترح المبعوث الأميركي الى الشرق الاوسط ستيف ويتكوف.
فالمقترح الذي تعتبره واشنطن اطارًا رسميًا للحل، بعدما وافقت عليه تل أبيب، يعتريه الكثير من الثغرات لاسيما لجهة عدم وجود ضمانات واضحة لوقف الحرب وتحقيق الانسحاب الاسرائيلي الشامل، بل اكثر أنه يحمي الطريقة "المُهينة" لتوزيع المساعدات عبر "مؤسسة غزّة الانسانيّة" المدعومة أميركيًا. ومن هنا كان موقف حركة "حماس" التي أبقت الباب مواربًا، فهي لم ترفض مقترح ويتكوف ولكنها حاولت تصويب البوصلة نحو أهدافها الواضحة والمتمثلة بإنهاء القتال وارساء هدنة طويلة الأمد. في المقابل ترفض إسرائيل بشكل قاطع أي اتفاق يضمن بقاء الحركة في السلطة، أو يمنعها من استئناف عملياتها العسكرية في المستقبل.
ويشكل التهجير الممنهج هاجسًا لدى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يضرب عرض الحائط بكل الانتقادات الدولية والأممية ويخنق سكان القطاع ويحشرهم في مناطق معينة كما يستخدم التجويع كورقة للضغط السياسي. في حين تشي المعطيات بأن الامور تتجه نحو المزيد من التأزم بعدما أعلن وزير الدفاع يسرائيل كاتس مواصلة التقدم وتوسيع عملية "عربات جدعون" بغض النظر عن أي مسار للمفاوضات. وتعي اسرائيل أن "حماس" تمر بمرحلة شديدة الحساسية بعد القضاء على معظم قياداتها وأبرز شخصياتها وأنها تتحين الفرصة للتوصل الى اتفاق ينهي المأساة الانسانية في القطاع، الا انها أيضًا لا تستطيع المساومة وفقدان ورقتها التفاوضية الوحيدة المتبقية لديها وهي الرهائن.
ولهذا كان اقتراحها القاضي بتقسيم اطلاق سراح الأسرى المحتجزين لديها على دفعات لضمان تنفيذ الاحتلال وقف النار وعدم اختلاق الذرائع والاعذار للعودة الى الحرب. في وقت، يتسع نطاق الاستياء الدولي من إسرائيل، اذ توقفت صحيفة "الغارديان" البريطانية عند تطور الموقف النرويجي الذي عكسته تصريحات وزير التنمية الدولية أوزموند أوكرست، خصوصًا دعوته الشعوب الأوروبية لمواصلة التظاهر رفضًا لحرب غزة. أما صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية فتناولت ما يعنيه تصويت مجلس مدينة برشلونة على مقاطعة إسرائيل، وقالت إن القرار يتضمن تدابير اقتصادية تهدف إلى منع التعاون مع شركات وكيانات مرتبطة بالحكومة الإسرائيلية، والتي تقوم بنشاط غير قانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الانتقادات الدولية تأتي على وقع سقوط المزيد من الشهداء بسبب فتح المسيرات الاسرائيلية النار على الفلسطينيين الذين يسعون للحصول على معونة انسانية عبر نقاط التوزيع التي تم تحديدها وسط طوابير سكانية حاشدة. وكانت مصادر ميدانية ذكرت أن 35 شخصًا، على الأقل، سقطوا في القصف عند مراكز التوزيع غرب رفح، ونُقلوا للمستشفيات، التي تعمل بالحد الأدنى نتيجة تعمد اسرائيل استهداف المرافق الصحية والكوادر الطبية. وتلقي حرب غزة بظلالها على المشهد العام خاصة ان داخل اسرائيل نفسها تتعالى الاصوات الرافضة لاستمرار فاتورة الحرب دون خطة واضحة وهدف مُحقق. ويشير الإسرائيليون الغاضبون إلى أن الحرب تسببت حتى الآن بمقتل 41 من المحتجزين لدى "حماس"، من بينهم 20 قُتلوا جراء القصف الإسرائيلي المباشر، بحسب تحقيقات الجيش نفسه، كما سقط في الحرب 408 جنود قتلى، بالإضافة إلى 440 جنديًا قُتلوا في هجوم "حماس" يوم 7 تشرين الاول/ أكتوبر 2023.
هذا، ولا تزال الزيارة السعودية الى دمشق تحتل صدارة الاحداث لما سيترتب عليها من اتخاذ المزيد من خطوات الانفتاح وتعزيز الاستثمار ودفع عجلة الاقتصاد السوري المتهالك نتيجة الحرب الطاحنة التي استمرت اكثر من 14 عامًا. وتجهد الرياض لاعادة دمج دمشق بمحيطها العربي وذلك بعد الجهود التي مارستها لرفع العقوبات الاميركية التي كانت مفروضة عليها. وهذا التحول الاستراتيجي في الرؤية السعودية ليس وليد اللحظة أو نتاج ردة فعل آنية بل هو يعكس وجود تغير واضح لدى القيادة السعودية التي أدركت أهمية أن تكون سوريا "عرين العرب" بعد استئصال النفوذ الايراني وأذرعه الميليشياوية. في حين لم تختلف وجهة نظر دمشق التي تسعى لاعادة وصل ما تفكك على صعيد العلاقات مع العرب، وتشكل زيارات رئيسها أحمد الشرع خير دليل على ذلك.
وحط الشرع في الكويت حيث بحث خلالها مع أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح العلاقات الثنائيّة ومجمل قضايا المنطقة. وقال الديوان الأميري الكويتي، في بيان، إن "المباحثات الكويتية السورية سادها جو ودي، عكَس روح الأخوة التي تتميز بها العلاقة بين البلدين الشقيقين". وفي اطار متصل، تواجه الادارة السورية المخططات الامنية التي تحول دون ارساء الاستقرار في البلاد وتسعى، بكل حزم، الى استعادة الامن والوقوف في وجه مخططات الفتنة والارهاب بعدما تبنى تنظيم "داعش" لاول مرة العمليتين العسكريتين في بادية محافظة السويداء استهدفت إحداهما قوات أمنية تابعة للحكومة السورية، والأخرى "قوات سوريا الحرة" الحليفة للولايات المتحدة. وأفادت مصادر خاصة لصحيفة "الشرق الأوسط" أن التنظيم عيّن "أبو دجانة الجبوري"، القيادي السابق في "جبهة النصرة"، واليًا على حلب، في خطوة تشير إلى محاولته اعادة ترتيب أوراقه في مواجهة المتغيرات الجديدة في سوريا.
ومن سوريا ومستجداتها الى لبنان مع مواصلة اسرائيل اعتداءاتها وخروقاتها لقرار وقف النار. فيوميًا تستهدف قوات الاحتلال من تسميهم عناصر تابعة لـ"حزب الله" وتحاول تصفيتهم، بينما يلتزم الحزب عدم الرد ويضع الكرة في ملعب الحكومة اللبنانية التي يحملها وحيدة مسؤولية ما يجري على الارض متغاضيًا عن السبب الذي أعاد لبنان تحت الاحتلال. الى ذلك، أفادت وسائل إعلام لبنانية وأميركية وإسرائيلية بأن نائبة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس ستغادر منصبها قريبًا لاعتبارات خاصة بالإدارة الاميركية وليس بسبب فشلها في ادارة الملف اللبناني.
وتحاصر الخروقات الاسرائيلية وانتقادات الحزب حكومة الرئيس نواف سلام التي ترزح أيضًا تحت الهم الاقتصادي والاجتماعي الضاغط. واذ لا يغيب عنها ملف اعادة الاعمار في الجنوب، تدرك ان "كلمة السر" لتدفق الاموال ترتبط بنزع سلاح "حزب الله" وبسط الدولة سيطرتها على كامل اراضيها. ولحين تحقيق ذلك، يستمر الرئيس جوزاف عون في جولاته حيث برزت زيارته، أمس، الى العراق تلبية لدعوة رسمية من نظيره العراقي عبد اللطيف جمّال رشيد. وقد شكل اللقاء فرصة لعرض العلاقات الثنائية بين البلدين كما لبحث التطورات الاقليمية. هذا وشكر عون بغداد على دعمها المستمر للبنان كما تم البحث بأهمية تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والاقتصاد والأمن.
ايرانيًا، تضغط واشنطن على طهران للقبول بالمقترح الاميركي، الذي حتى اللحظة لا تعرف حقيقة بنوده سوى أنه يتطرق لايجاد حل "وسط" لمسألة تخصيب اليورانيوم. وبانتظار رد ايران الرسمي، نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤولين أميركيين أن "الاقتراح المكتوب يأتي في محاولة لحلّ العقدة الرئيسية التي تعرقل المفاوضات وهي إصرار إيران على مواصلة تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها". وتشكل إحدى النقاط الشائكة في المفاوضات بين الجانبين إصرار الولايات المتحدة على أن تتخلى إيران عن منشآتها لتخصيب اليورانيوم، وهو ما ترفضه طهران بشكل حازم وتضعه ضمن خطوطها الحمراء التي لا يمكن التنازل عنها أو التفاوض بشأنها. ويأتي هذا بالتزامن مع صدور تقرير جديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية يتهم فيه طهران بتسريع وتيرة إنتاج اليورانيوم العالي التخصيب.
أما في الشق الدولي، فالمفاوضات لإنهاء الحرب الأوكرانية تترافق مع تصعيد غير مسبوق في الميدان، حيث نفّذت كييف، أمس، عملية عسكرية "واسعة النطاق" استهدفت مطارات في مختلف أنحاء روسيا وذلك ردًا على الهجوم الذي شنته موسكو على أراضيها عشية انطلاق الجولة الثانية من المحادثات المباشرة بين وفدي البلدين في العاصمة التركية، انقرة اليوم. وقد دخلت انقرة الى جانب واشنطن على خط الوساطة لانهاء الحرب القائمة بين البلدين، الا ان الفروقات والاختلافات في وجهات النظر لا تزال مُتباعدة.
وعليه، تجد هذه المستجدات المحلية والدولية اهتمامًا من قبل الصحف العربية، حيث نبرز أهم ما جاء في جولة اليوم الصباحية:
أشارت صحيفة "الراية" القطرية الى أن "التطورات الدامية في قطاع غزة، الذي يواجه عدوانًا وحشيًا غير مسبوق، تبقى الشغل الشاغل لكلٍ من قطر ومصر اللتين تنخرطان بكل ثقلهما الدبلوماسي في الوساطة المُشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكيّة، من أجل وقف دائم لإطلاق النار في غزة، عبر حل أزمة الرهائن والمُحتجزين واستدامة دخول المساعدات الإنسانيّة"، موضحة أنه "آن الأوان ليدفعَ العالم أجمع ويضغط بكل قوة لإنهاء مأساة غزة وإنصاف الشعب الفلسطيني ليعيش بسلامٍ على أرضه ويبني دولته المُستقلة كاملة السيادة".
واعتبرت صحيفة "الرياض" السعودية أن "هناك تحولًا دوليًا تجاه إسرائيل التي تخلط بشكل متعمد بين أهدافها التوسعية وبين طبيعة الأحداث في غزة وكيفية الرد عليها، فأحداث غزة فتحت صفحة دولية جديدة حول الموقف من فلسطين، لأن حكومة نتنياهو ومنذ 7 أكتوبر لم تتوقف عن استخدام الهجمات الممنهجة ضد الفلسطينيين كذريعة هدفها إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني”. وأردفت: "في الحقيقة أن هذا الاتجاه الذي تبنته إسرائيل في تعاملها مع أحداث غزة ساهم بشكل تدريجي في انخفاض الدعم الدولي لإسرائيل التي بدأت تعاني من الموقف الدولي الذي يتحول الى الجانب السلبي تجاهها".
ضمن السياق عينه، قالت صحيفة "البلاد" البحرينية "عند متابعة الخطابات والتصريحات الهستيرية لليمين الإسرائيلي الموتور والمرعوب، نستشعر أن الحرب الإجرامية الدائمة هي ملاذه الوحيد للشعور بالوجود على الأرض، وأن شعار (كان ما سوف يكون) هو اختزال لحالة الوهم الخرافية التي تعيشها إسرائيل". وخلصت الى أن "إن عقدة الشعور بالتمُّيز والتفُّوق على الشعوب الأخرى، هي بالضبط ما يتم ترجمته إسرائيليًا بالكراهية للآخر وادعاء التفوق الذي يترجم يوميًّا بعمليات القتل المنهجي للشعب الفلسطيني والإبادة الجماعية والعمل على تهجير أصحاب الأرض علنًا، لإحلال المستوطنين بها".
صحيفة "الغد" الأردنية، من جهتها، كتبت "يتم سفك دماء الغزيين، ولا يجدون دمًا لتعويض الجرحى، لا من داخل فلسطين الممنوع على اهلها ارسال رغيف خبز الى قطاع غزة، ولا من العرب ودول العالم المتنورة التي تتفرج على مقتلة الاطفال والنساء والرجال واغلبهم من غير المحاربين أصلًا". واضافت، في معرض انتقادها "لا دم في مستشفيات غزة، ولا دماء عند العرب للتبرع بها أيضًا، وتحت مظلة الفرق بين الحالتين، يمكن القول ان الوريد العربي بات جافاً بكل ما تعنيه الكلمة".
في اطار مختلف، شددت صحيفة "عُمان" العُمانية على أن "تراجع نفوذ طهران في الشرق الأوسط، وتراجع المعسكر الإقليمي صاحب النفس الاستقلالي الرافض للخضوع التام لواشنطن، يفرض على صانعي السياسة الإيرانية الواقعيين إجراء تحولات ملموسة في سياستهم الخارجية"، معتبرة أن "التطور الجيوسياسي الراهن لا يُهمّش الإيرانيين فحسب، بل يُهمّش مصر وكل الدول "القديمة" السابقة على عصر النفط، عصر الاستعمار والهندسة الغربية للعديد من الدول الحديثة في المنطقة"، على حدّ قولها.
(رصد "عروبة 22")