صحافة

"المشهد اليوم"...استراتيجية أميركية جديدة في سوريا و"جوع" غزّة يستفحل عراقجي يزور بيروت و"تخصيب اليورانيوم" عقبة رئيسية أمام مفاوضات طهران النووية

صورة أرشيفية

لا تسعى اسرائيل إلى إنهاء حرب غزّة ولا تريد لإتفاق وقف النار أن يبصر النور وموافقتها على مقترح المبعوث الاميركي الى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ما هو الا "لذرّ الرماد في العيون". فرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته اليمنيّة المتطرفة يؤكدون في كل تصريح بأنهم ماضون في القتال حتى تحقيق أهداف الحرب على غزّة، وهي القضاء على "حماس" ونزع سلاحها وخروج قادتها من القطاع وصولًا الى تطبيق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تعني تهجير الفلسطينيين وفق مخطط "ريفييرا الشرق الأوسط".

وهذا ما يجعل جولات المفاوضات معلّقة ودون نتائج مثمرة نتيجة تباعد الرؤى بين الجانب الاسرائيلي والحركة، فتل أبيب تريد هدنة مؤقتة تطلق بموجبها سراح الرهائن قبل أن تستكمل الحرب بينما تسعى "حماس" الى ارساء هدنة طويلة الأمد وتحقيق الانسحاب الاسرائيلي واعادة توزيع المساعدات وفقّ الآلية السابقةـ اي عبر المنظمات والهيئات الانسانية بعيدًا عن "مؤسسة غزّة الانسانيّة"، المدعومة من الولايات المتحدة، التي وتحت ساتر المساعدات تقوم باستهداف سكان القطاع كفريسة سهلة، حيث تفتح المسيّرات الاسرائيليّة النار على جموع المحتشدين سعيًا وراء الخبز والغذاء المغمس بالدم، وهذا ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالدعوة إلى إجراء تحقيق مستقل حول ما يجري تداوله من سقوط ضحايا أثناء سعيهم للحصول على المساعدات.

تزامنًا، تتكثف المظاهرات الحاشدة التي تجوب عدد من الدول الغربية وترتفع وتيرة الدعوات الاوروبية لوقف الابادة في غزّة بالتزامن مع التغيّر "الطفيف" الذي طرأ، حتى بين أقرب حلفاء اسرائيل، الا ان الوقائع لا تشي بإمكانية تحقيق خرق ما قبل عيد الأضحى المبارك وبالتالي استمرار القتل والتهجير مع مواصلة الاحتلال اصدار أوامر اخلاء جديدة وتضييق الخناق على الفلسطينيين. كما تهديده باستهداف من تبقى من قادة "حماس" الميدانيين، إذ كشفت صحيفة "معاريف" أن قائمة الاستهدافات تشمل الى جانب القائد العسكري عز الدين الحداد والقائد السياسي خليل الحية (الذي يدير المفاوضات) أسماء أخرى، مثل أسامة حمدان الموجود في لبنان وسامي أبو زهري الموجود في الجزائر.

وهذه التهديدات تأتي بينما تمرّ الحركة في ظروف شديدة الحساسية والتعقيد، فالنقمة الشعبية عليها تتزايد والخلافات بينها وبين السلطة الفلسطينية في أوجهها ناهيك عن الخطوات التي تتخذ ضدها سواء في دمشق بعد سقوط نظام بشار الاسد او في لبنان عبر المضي قدمًا بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية من خارج المخيمات وداخلها. وتدرك الحركة أن الوقت ليس في صالحها ومن هنا كان موقفها، الذي اتسم بالليونة، بعد عرضها مفاوضات غير مباشرة لتذليل العقبات امام مقترح ويتكوف. فالضغوط الممارسة عليها كبيرة بينما يبني نتنياهو على موقفها الداعي الى ادخال "تعديلات" على المقترح الأميركي من أجل حشرها في الزاوية واتهامها بعرقلة المباحثات. وبحسب الصحف العبرية، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى جاهدًا للبقاء في السلطة عبر سلسلة من التحركات التكتيكية والمناورات السياسية متخطيًا النقمة الشعبية ضده.

المشهد الفلسطيني الذي يراوح مكانه يأتي بينما تشهد سوريا تحركات وخطوات متسارعة، حيث بدا لافتًا أمس، الاثنين، ما أعلنه مبعوث الرئيس الأميركي إلى سوريا، توماس براك، بأن الولايات المتحدة وافقت على خطة طرحتها القيادة السورية الجديدة للسماح لآلاف من المقاتلين الأجانب بالانضمام إلى الجيش السوري الجديد، شريطة أن يحدث ذلك بشفافية. ونقلت وكالة "رويترز" عن 3 مسؤولين عسكريين سوريين أن الخطة تنص على انضمام نحو 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور من الصين والدول المجاورة، إلى وحدة مشكلة حديثًا، وهي الفرقة 84 من الجيش السوري التي ستضم سوريين أيضًا. وحتى الأمس القريب كانت مسألة المقاتلين الأجانب تلقى رفضًا من واشنطن، الا ان الموقف تبدل بعد زيارة الرئيس ترامب الى الشرق الاوسط الشهر الماضي.

فبعد قرار رفع العقوبات "المفاجىء" تأتي هذه الخطوة التي تؤكد أن اميركا ماضية بتمكين الادارة السورية الجديدة وتوفير عوامل النجاح لها، رغم ما يحيط البلاد من مشاكل وتحديات أمنية تضعها دمشق في سلم الأولويات. الى ذلك، استأنفت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والحكومة السورية المرحلة الثانية من عملية تبادل الأسرى في مدينة حلب، التي انطلقت شهر نيسان/ أبريل الماضي، ونصت على "تبييض السجون". يُذكر بأن المرحلة الراهنة سيليها المزيد من المراحل الاخرى بهدف تطبيق الاتفاق بوتيرة أسرع. الخطوات السياسية المتسارعة تواكب النهضة الاقتصادية التي بدأت تدب في شرايين البلاد مع الاحتضان الخليجي الواضح لادارة الرئيس احمد الشرع، لاسيما من قبل السعودية وقطر.

وضمن السيّاق عينه، كشف وزير المالية محمد يسر برنية، في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط"، عن عقد ملتقى استثماري سوري - سعودي في دمشق يومي 18 و19 من الشهر الحالي، بمشاركة كبرى الشركات في الرياض لبحث الفرص الاستثمارية الواعدة في مختلف القطاعات. ويُعد هذا الملتقى ترجمة فعلية لزيارة وزير الخارجية السعودي لدمشق على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى، ويؤكد عزم الرياض على تعزيز التعاون وزيارة الاستثمارات بما يضمن انطلاقة قوية للادارة السورية ويطلق يدها لاعادة الاعمار وتنفيذ خطة التعافي الاقتصادي. يُشار الى أنه، أمس الاثنين، أُعيد التداول في سوق دمشق ‏للأوراق ‏المالية وذلك بعد توقف دام نحو 6 أشهر.

الانفتاح الخليجي على سوريا، والذي يُعتبر محط اهتمام، لم يشمل لبنان رغم الزيارات والخطوات الفعّالة لرفع الحظر عن المواطنين والانفتاح على العهد الجديد، الا ان موضوع نزع سلاح "حزب الله" وغياب الخطوات الإصلاحية الاقتصادية التي يطالب بها المجتمع الدولي ترخي بظلالها على المشهد العام. ففي وقت تستمر الانتهاكات الاسرائيلية اليومية، يعجز لبنان الرسمي عن ايجاد الاموال والدعم اللازم لموضوع اعادة الاعمار رغم ان الحكومة بشخص رئيسها نواف سلام تؤكد التزامها الجدي بهذا الملف. وحفلت الايام الماضية بجولة تصعيد بين الثنائي الشيعي، أي حركة "أمل و"حزب الله"، والرئيس سلام على خلفية مواقف الاخير من سلاح الحزب ومما أسماه انتهاء عصر "تصدير الثورة الايرانية".

ومع هذا الجدال الذي حاولت زيارة الرئيس سلام الى عين التينة ولقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري تبديده، يحط وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي في بيروت حيث سيكون له سلسلة واسعة من الزيارات التي تشمل المسؤولين اللبنانيين كما قيادة "حزب الله". وتكتسب هذه الزيارة اهمية استثنائية لعدة أسباب: الاول انها تتزامن مع استمرار جولات المفاوضات بين واشنطن وطهران بشأن اتفاق نووي جديد رغم ما يعتريها من خلافات جوهرية، والثاني هو عزم لبنان للبدء بسحب السلاح الفلسطيني وفق الاتفاق الذي أبرم خلال زيارة الرئيس محمود عباس لبنان، ناهيك عن الظروف الداخلية التي يمر بها الحزب وسط حديث جدي عن سحب سلاحه تطبيقًا للقرار 1701. وتعي طهران ان نفوذها الاقليمي في المنطقة يشهد تراجعًا متزايدًا ولكنها تحاول أن تحافظ على التوازن القائم بانتظار تغيّر المعادلات والظروف.

في غضون ذلك، يسود الغموض ما ستؤول اليه المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وايران وذلك بعد اعلان الوزير عراقجي رفض أي اتفاق بخصوص برنامجها النووي لا يراعي مصالحها، ويتضمن "مقترحات غير واقعية"، بما في ذلك وقف تخصيب اليورانيوم. ويعتبر هذا الموقف اشبه برد على المقترح الاميركي الاخير الذي نقله الوزير العُماني بدر البوسعيدي الاسبوع الماضي. ويشكل التخصيب العقدة الرئيسية امام التوصل الى اتفاق حيث تعتبره طهران ضمن خطوطها الحمراء وترفض الحديث بشأنه، بينما تعرض واشنطن، وفق ما أفاد به موقع "اكسيوس"، تخصيبًا محدودًا جدًا ولمدة زمنية يجري الاتفاق عليها لاحقاً. ويشير هذا العرض إلى مرونة جديدة في الموقف الأميركي بانتظار تلقفه من جانب ايران التي تسعى لابرام صفقة ولكنها تعمل على تعزيز شروطها وتحقيق اكبر قدر ممكن من المكاسب.

من جهتها، أكدت القاهرة دعمها للمفاوضات الجارية و"تنامي دائرة النوايا الحسنة"، ورفضها لأي تصعيد، فيما ترأس وزير خارجيتها بدر عبد العاطي اجتماعًا مفاجئًا جمع بين عراقجي ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، الذي دعا بدوره طهران إلى اعتماد مزيد من الشفافية في أنشطتها النووية. وجاء اللقاء في وقت يرفض المسؤولون الإيرانيون ما ورد في تقرير "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ويضعونه في سياق "الافتراءات"، لاسيما لجهة تسريع طهران وتيرة إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة تقترب من مستوى الاستخدام العسكري.

دوليًا، خلصت الجولة الثانية من المفاوضات الأوكرانية - الروسية التي استضافتها العاصمة التركية، اسطنبول، دون أي تقدم لانهاء الحرب المستمرة بين البلدين ما عدا الاتفاق على تبادل الأسرى، وسط تساؤلات بشأن السيناريوهات المقبلة في ظل التصعيد المتبادل بين الجانبين والاختلافات الشاسعة في وجهات النظر التي لم تفلح الجهود الاميركية السابقة في تبديدها.

وضمن جولة اليوم على الصحف العربية:

أشارت صحيفة "عكاظ" السعودية الى أن "المملكة، التي تقود الدبلوماسية العربية بحنكة، تؤكد من خلال الزيارة السعودية الى دمشق دورها كشريك استراتيجي في إعادة دمج سوريا في المحيط العربي"، موضحة أن التصريحات الصادرة لجهة "وجود خطط استثمارية سعودية طموحة في قطاعات الطاقة، البنية التحتية، والتعليم، بالتعاون مع مؤسسات دولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي، ليست مجرد دعم اقتصادي، بل استثمار في مستقبل المنطقة ووحدتها"، على حدّ قولها.

ولفتت صحيفة "الوطن" البحرينية الى أن "اسرائيل تتمادى في عدوانها على غزّة، وتصل لمستويات ربما غير مسبوقة، خاصة استخدامها سياسة تجويع أهلها ومنعهم من الحصول على المساعدات الإنسانية أو الحصول على الفتات منها، وهذا كله تقوم به إسرائيل أمام مسمع ومرأى من العالم كله، والتحركات التي تصب في صالح وقف هذا التمادي الإسرائيلي يكاد يكون ملحوظً"، داعية الى "وقفة جادة، وهذه الجدية تتطلب معها تنفيذ قرارات حازمة وحاسمة تجاه إسرائيل".

بدورها، اعتبرت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "ترامب تراجع أمام نتنياهو مرتين في قضيتين مهمتين: الأولى فى مفاوضات أمريكا مع إيران حول الملف النووي، والثانية في مفاوضاتها مع "حماس" حول إبرام تسوية مع إسرائيل تحقق قدرًا مقبولًا لكل من الطرفين". وتعقيبًا على حرب غزّة قالت "ترامب كان يتباهى بقدرته، قبل أن يبدأ ولايته رسميًا، على إبرامه اتفاقا بين الطرفين، إسرائيل وحماس، يُنَفذ على 3 مراحل، ولكن نتنياهو وضع ترامب في موقف حرج عندما انتهك الاتفاق بجسارة غريبة، بعد أن اكتفى بالمرحلة الأولى فقط، وعاد إلى شن حرب إبادة أكثر دموية عما سبق".

وتحت عنوان "لماذا ترفض حماس ورقة ويتكوف؟"، كتبت صحيفة "الغد" الأردنية  "غزّة بالمعنى العسكري لم تعد أرض معركة كما كانت قبل أشهر. إسرائيل عمليًا أعادت احتلال القطاع، وتقطيع أوصاله، وفرض نظام مساعدات لا إنساني ولا أخلاقي، دون أن يردعها أحد"، مضيفة "وقف إطلاق النار لم يعد هو التعريف المناسب للواقع حاليًا، ولا المفتاح لمفاوضات التهدئة من جانب حركة "حماس". المطلبان الوحيدان في مثل هذا الوضع الكارثي؛ وقف المذبحة الإسرائيلية ولو باتفاقيات زمنية مؤقتة، والسماح بتدفق المساعدات، لتجنب مجاعة مروعة في القطاع".

في سياق آخر، رأت صحيفة "الصباح" العراقية أن "الاعتقاد السائد أن ايران التي ضحت كثيرا من اجل البرنامج النووي ودفعت من خلاله ضرائب باهظة، من الصعب عليها أن تقبل بوعود غير مضمونة من بلد لا تثق به؛ ولا تثق بقادته؛ ولا إجراءاته؛ ولا سلوكه الذي تعتبره يريد الهيمنة على خلق الله في هذا الكوكب (في اشارة الى واشنظن)"، معتبرة أن "التصعيد لا يخدم اي طرف من الاطراف المعنية بالملف النووي، وان خيار الواقعية السياسية للنظر لهذا الملف يستطيع ان ينقذ المنطقة من الحرب والتوتر والتأزيم".

صحيفة "اللواء" اللبنانية، أوضحت أن لبنان "يترقّب زيارة الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس وما ستحمله معها، خاصة أنه ثمة معلومات بأنها ستحمل أجندة واضحة تحدّد مهلاً زمنية لتسليم سلاح "حزب الله"، أو أن الموضوع سيذهب إلى المفاوضات الأميركية - الإيرانية"، منبهة من "تصعيد اسرائيلي رفيع المستوى وقد يطال قرى وبلدات لم يطلها القصف ما بعد وقف إطلاق النار وصدور القرار 1701، لذلك نحن على أبواب مرحلة مغايرة عن السابق على كل المستويات"، بحسب تعبيرها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن